إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم

          2077- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التَّميميُّ اليربوعيُّ قال: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ) بضمِّ الزَّاي وفتح الهاء مصغَّرًا، ابن معاوية، أبو خيثمة الجعفيُّ قال: (حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ) هو(1) ابن المعتمر السُّلميُّ (أَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ) بكسر الرَّاء وسكون الموحَّدة وبعد العين المهملة المكسورة تحتيَّةٌ مشدَّدةٌ، وحِرَاش: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الرَّاء وبعد الألف شينٌ معجمةٌ (حَدَّثَهُ: أَنَّ حُذَيْفَةَ) بن اليمان ( ☺ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم ‼: تَلَقَّتِ المَلَائِكَةُ) استقبلت (رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) عند الموت (قَالُوا) أي: الملائكة، ولأبي ذرٍّ: ”فقالوا“ : (أَعَمِلْتَ) بهمزة الاستفهام (مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا؟) زاد في رواية عبد الملك بن عُميرٍ عن(2) ربعيٍّ في «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3451]: فقال: ما أعلم، قيل: انظر (قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي) بكسر الفاء جمع فتًى، وهو الخادم حُرًّا كان أو مملوكًا (أَنْ يُنْظِرُوا) بضمِّ أوَّله وكسر ثالثه، أي(3): يُمْهِلوا (وَيَتَجَاوَزُوا) أي: يتسامحوا في الاستيفاء (عَنِ المُوسِرِ) كذا في «اليونينيَّة» ليس فيها ذكر «المعسر» وكذا فيما وقفت عليه من الأصول المعتمدة، لكن قال الحافظ ابن حجرٍ: إنَّها كذلك ساقطةٌ في رواية أبي ذرٍّ والنَّسفيِّ، وللباقين إثباتها، والجارُّ والمجرور يتعلَّق بقوله: «ويتجاوزوا» لكنَّه يخالف التَّرجمة بـ «من أنظر موسرًا» فيقتضي أنَّ «الموسر» / يتعلَّق بقوله: «ينظروا» أيضًا، واختُلِف في الموسر فقيل: مَن عنده مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته، والمرجَّح أنَّ الإيسار والإعسار يرجعان إلى العُرف، فمن كانت حاله بالنِّسبة إلى مثله يعدُّ يسارًا فهو موسرٌ، وعكسه عكسه(4): (قَالَ(5): فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ) بفتح الواو في الفرع وغيره، وفي روايةٍ: ”فتجاوِزوا“ بكسر الواو(6) على الأمر، فيكون من قول الله تعالى للملائكة، وفي لفظٍ لمسلمٍ _كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى_: فقال الله ╡: «أنا أحقُّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي»، وللمؤلِّف في «بني إسرائيل» [خ¦3451] ومسلمٍ: «إنَّ رجلًا كان فيمن كان قبلكم أتاه المَلَك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئًا غير أنِّي كنتُ أبايع النَّاس في الدُّنيا فأجازيهم، فأُنظِر الموسر وأتجاوز عن المعسِر، فأدخله الله الجنَّة»، قال المظهريُّ: هذا السُّؤال منه كان في القبر، وقال الطِّيبيُّ: يحتمل أن يكون قوله(7) «فقيل» مسندًا إلى الله تعالى، والفاء عاطفةٌ على مقدَّرٍ، أي: أتاه الملك ليقبض روحه(8)، فقُبِض، فبعثه الله تعالى، فقال له، فأجابه، فأدخله الله(9) الجنَّة، وعلى قول المظهريِّ: فقُبِض وأُدخِل القبر، فتنازع ملائكة الرَّحمة وملائكة(10) العذاب فيه، فقيل له ذلك، وينصر هذا قوله في الرِّواية الأخرى: «تجاوزوا عن عبدي».
          وحديث الباب أخرجه المؤلِّف في «الاستقراض» [خ¦2391] وفي «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3451]، ومسلمٌ في «البيوع»، وابن ماجه في «الأحكام».
          (وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ) سعد بن طارقٍ الأشجعيُّ الكوفيُّ، ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”قال أبو عبد الله“ أي: البخاريّ: ”وقال أبو مالك“ (عَنْ رِبْعِيٍّ) هو ابن حِراشٍ: (كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى المُوسِرِ) بضمِّ الهمزة وتشديد السِّين، من التَّيسير (وَأُنْظِرُ المُعْسِرَ) وهذا وصله مسلمٌ في «صحيحه»‼ عن أبي سعيدٍ الأشجِّ قال: حدَّثنا أبو خالدٍ الأحمر عن أبي مالكٍ عن ربعيٍّ عن حذيفة بلفظ: «أتى الله بعبدٍ من عباده آتاه الله مالًا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا}[النساء:42] قال: يا ربِّ، آتيتني مالًا فكنت أُبايع النَّاس، وكان من خُلُقِي الجواز، فكنت أيسِّر على الموسر وأُنظِر المعسر، فقال الله تعالى: أنا أحقُّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي»، قال عقبة بن عامرٍ الجهنيُّ وأبو مسعودٍ الأنصاريُّ: هكذا سمعناه من في رسول الله صلعم .
          (وَتَابَعَهُ) أي: تابع أبا مالكٍ (شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ عَبْدِ المَلِكِ) بن عميرٍ (عَنْ رِبْعِيٍّ) أي: عن حذيفة في قوله: «وأُنظِر المعسِر»، وهذه المتابعة وصلها ابن ماجه من طريق أبي عامرٍ عن شعبة بهذا اللَّفظ، ورواها البخاريُّ في «الاستقراض» [خ¦2391] عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ(11): «فأتجوَّز(12) عن الموسر، وأُخفِّف عن المعسر». (وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح بن عبد الله اليشكريُّ، ممَّا وصله المؤلِّف في «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3451] (عَنْ عَبْدِ المَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ: أُنْظِرُ المُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ) وهذا موافقٌ للتَّرجمة. (وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ) بضمِّ النُّون وفتح العين مصغَّرًا، الأشجعيُّ، ممَّا وصله مسلمٌ (عَنْ رِبْعِيٍّ: فَأَقْبَلُ مِنَ المُوسِرِ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ) قال ابن التِّين ممَّا نقله في «الفتح»: رواية من روى: «وأُنظِرُ الموسر» أَولى من رواية من روى: «وأُنظِر المعسر» لأنَّ إنظار المعسر واجبٌ، قال في «الفتح»: ولا يلزم من كونه واجبًا ألَّا يؤجَر صاحبه عليه أو يُكفَّر عنه بذلك من سيئاته.


[1] «هو»: ليس في (د).
[2] في (م): «ابن»، وهو تحريفٌ.
[3] في (ص): «أن».
[4] «عكسه»: ليس في (م)، وفي غير (د): «قال»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[5] زيد في (ل): «قال».
[6] قال الشيخ قطَّة ⌂ : قوله: «بكسر الواو»، ولعل الصواب أنه بدون تاء _أي: فجاوِزا_ أما بها فبالفتح لا غير.
[7] «قوله»: مثبتٌ من (د).
[8] «روحه»: سقط من (د) و(ل).
[9] اسم الجلالة «الله»: ليس في (د).
[10] «ملائكة»: ليس في (د).
[11] قوله: «ورواها البخاريُّ... شعبة بلفظ» سقط من (ص).
[12] في (ص): «تجوَّز».