الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الوصل في الشعر

          ░83▒ (باب: الوصل في الشَّعَر)
          كذا في «النُّسخة الهنديَّة» والعينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ، وفي نسخة «الفتح»: <باب: وصل الشَّعَر>.
          قالَ العلَّامةُ العينيُّ: أي: في بيان ذمِّ وصل الشَّعَر، يعني: الزِّيادة فيه بشعَر آخر. انتهى.
          وقالَ الحافظُ في شرح التَّرجمة: أي: الزِّيادة فيه مِنْ غيره، ثمَّ قالَ تحتَ حديثِ الباب: وهذا الحديث حجَّةٌ للجمهور في منع وصل الشَّعر بشيء آخر سواءٌ كان شعرًا أم لا، ويؤيِّده حديث جابر: ((زجر رسول الله صلعم أن تصل المرأة بشعَرها شيئًا)) أخرجه مسلم. انتهى.
          وتعقَّبه العلَّامةُ العينيُّ إذ قال: هذا الَّذِي قاله غير مستقيم لأنَّ الحديث الَّذِي أشار به إليه الَّذِي هو حديث معاوية لا يدلُّ على المنع مطلقًا، لأنَّه مقيَّد بوصل الشَّعَر بالشَّعَر، فكيف يجعله حجَّة للجمهور؟ فانظر إلى هذا التَّصرُّف العجيب. انتهى.
          قلت: وهذا الإيراد مِنَ العلَّامةِ العينيِّ ليس بصحيح، فإنَّ حديث الباب حديثَ معاوية مرويٌّ بعدَّة طرق بألفاظ مختلفة بزيادة ونقصان، أخرجه بهذه الطُّرق الإمام مسلم في «صحيحه»، أشار إلى بعضها الحافظ أيضًا، وفي طريق مِنْ تلك الطُّرق: وجاء رَجل بعصًا على رأسها خرقةٌ، قال معاوية: إلَّا(1) وهذا الزُّور، قال قتادة: يعني: ما تكثِّر به النِّساء أشعارهنَّ مِنَ الخِرق، فمجموع طرق الحديث يدلُّ لا محالة على ما قاله الحافظ، ثمَّ المسألة خلافيَّة شهيرة بسط الكلام عليها في «الأوجز».
          وكتبَ الشَّيخُ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع» في كتاب النِّكاح: قوله: (إنَّه(2) قَدْ لُعِنَ المُوصِلاَتُ) لا يقال: لو كان النَّهي مقيَّدًا بما إذا كان الوصل بشعَر الإنسان لما أورده النَّبيُّ صلعم مطلقًا لأنَّا نقول: النَّهي عنه بصورة الإطلاق سدٌّ للباب، ويمكن أن يكون السُّؤال عن شعَر الإنسان فقط، فلذلك أطلق الجواب. انتهى.
          وفي «هامشه»: وهذا مبنيٌّ على مذهب الحنفيَّة والجمهور مِنْ أنَّ المراد النَّهي عن وصل الشَّعَر بالشَّعَر، وبه جزم الإمام أبو داود في «سُننه» إذ قال: [قال] أبو داود: وتفسير(3) الواصلة الَّتي تصل الشَّعَر بشعَر النِّساء، وبه جزم الإمام محمَّد في «موطَّئه» إذ ترجم على حديث معاوية باب: المرأة تَصِلُ شعَرها بشعَر غيرها، ثمَّ قالَ بعد ذكر حديث معاوية: وبهذا نأخذ ولا بأس بالوصل في الرَّأس إذا كان صوفًا، فأمَّا الشَّعَر مِنْ شعور النَّاس فلا ينبغي، وهو قول أبي حنيفة والعامَّة مِنْ فقهائنا. انتهى.
          وبهذا قال الإمام أحمدُ كما في «سُنن أبي داود»: كان أحمد يقول: القرامل ليس به بأس. انتهى.
          قالَ الحافظُ: القرامل جمع قَرْمل_بفتح القاف وسكون الرَّاء_: نبات طويل الفروع ليِّن، والمراد به هنا خيوط مِنْ حرير أو صوفٍ يُعمَل ضفائر تصلُ به المرأة شعَرها. انتهى.
          قلت: وبما ذكره الإمام محمَّد مِنْ مذهب الحنفيَّة جزم صاحب «الدُّرِّ المختار» إذ قال: ووصل الشَّعَر بشعَر الآدميِّ حرامٌ سواء كان شعَرَها أو شعَر غيرِها. انتهى.
          قالَ ابنُ عابدين: لكن في «التَّترخانيَّة(4)»: وإذا(5) وصلت المرأةُ شعر غيرها بشعرها فهو مكروه، وإنَّما الرُّخصة في غير شعر بني آدم... إلى آخر ما ذكر.
          وذَكَر العلَّامةُ النَّوويُّ في «شرح مسلم» تفصيلًا عند الشَّافعيَّة في هذه المسألة، وحاصله: أنَّ الوصل بشعَر الآدميِّ حرام مطلقًا، وإن كان بشعَر / غير الآدميِّ فإنْ كان شعرًا نجسًا كشعر الميتة فهو حرام أيضًا، وإن كان بشعر طاهر فإن لم يكن لها زوجٌ أو سيِّد فهو أيضًا حرام، وإن كان لها زوج أو سيِّد فثلاثة أوجه: أحدها الجواز، والثَّاني الحرمة، والأصحُّ عندهم إن فعلته بإذن السَّيِّد أو الزَّوج فهو(6) جائز وإلَّا فحرام.
          ثمَّ قالَ النَّوويُّ: وقال القاضي عِياض: اختَلف العلماء في المسألة، فقالَ مالكٌ والطَّبريُّ وكثيرون أو الأكثرون: الوصل ممنوع بكلِّ شيء سواءٌ وصلته بشعر أو صوف أو خِرق، واحتجُّوا بحديث جابر، وقال بعضهم: يجوز جميع ذلك، وهو مرويٌّ عن عائشة، ولا يصحُّ عنها، بل الصَّحيح عنها كقول الجمهور. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((ألا)).
[2] في (المطبوع): ((أنه)).
[3] في (المطبوع): ((تفسير)) بلا واو.
[4] في (المطبوع): ((التتارخانية)).
[5] في (المطبوع): ((إذا)) بلا واو.
[6] في (المطبوع): ((هو)).