الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الخضاب

          ░67▒ (باب: الخِضَاب)
          أي: تغيير لون شيب الرأس واللِّحية، قاله الحافظان.
          زاد العينيُّ: قالَ الجَوهريُّ: الخِضاب: ما يُختضَب به، وقد خَضَبْتُ الشَّيءَ أَخْضِبُهُ خَضْبًا واخْتَضَبَ(1) بالحِنَّاءِ ونحوِهِ، وكفٌّ خَضِيبٌّ. انتهى.
          وقالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ في شرح قوله: (فخالفوهم) أي: اصبغوا شيب لحاكم بالصُّفرة والحمرة(2) وفي «السُّنن» وصحَّحه التِّرمذيُّ مِنْ حديث أبي ذرٍّ مرفوعًا: ((إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيبَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ)) وهو يحتمل أن يكون على التَّعاقب والجمع، والكَتَم_بفتح الكاف والفوقيَّة_: يخرج الصِّبغ أسود ويميل(3) إلى الحمرة، وصبغ الحنَّاء أحمرُ، فالجمع بينهما يخرج الصِّبغ بين السَّواد والحُمرة، وأمَّا الصَّبغ بالأسود البحت فممنوع لِما ورد في الحديث مِنَ الوعيد عليه، وأوَّل مَنْ خَضب به / مِنَ العرب عبدُ المطَّلب، وأمَّا مطلقًا ففرعونُ لعنه الله تعالى. انتهى.
          وقالَ العينيُّ: اختلفوا فيما يصنع(4) به، فالجمهور على أنَّ الخضاب بالحمرة والصُّفرة دون السَّواد لِما رُوي فيه مِنَ الأخبار المشتملة على الوعيد، ثمَّ ذكر تلك الرِّوايات، وقال: وذكر ابن أبي العاصم بأسانيدَ أنَّ حسنًا وحسينًا ☻كانا يختضبان به، أي: بالسَّواد، وعن عمر ╩ : أنَّه كان يأمر بالخضاب بالسَّواد ويقول: هو تسكين للزَّوجة وأهيبُ للعدوِّ، وعن ابن أبي مليكة أنَّ عثمان كان يخضب به، وروى ابن وهب عن مالكٍ قال: لم أسمع في صبغ الشَّعر بالسَّواد نهيًا معلومًا، وغيره أحبُّ إليَّ، وعن أحمد فيه روايتان، وعن الشَّافعيَّة أيضًا روايتان، والمشهور أنَّه يُكره، وقيل: يحرم، ويتأكَّد المنعُ لمن دلَّس به. انتهى.
          وبسط الكلام على المسألة في «الأوجز» وفيه: وفي «المحلَّى»: يُكره عند مالكٍ صبغُ الشَّعر بالسَّواد مِنْ غير تحريم، وقالَ الحافظُ: في السَّواد عن أحمد كالشَّافعيَّة روايتان: المشهورة يُكره، وقيل: يحرم. انتهى.
          وقالَ النَّوويُّ: يحرم خضابه بالسَّواد على الأصحِّ، وقيل: يُكره تنزيهًا، والمختار التَّحريم لقوله صلعم: ((اجْتَنِبُوا السَّوَادَ)) وهذا مذهبُنا. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: يُكره بالسَّواد، وقيل: لا، قالَ ابنُ عابدين: قوله: يُكره، أي: لغير الحرب، قال في «الذَّخيرة»: أمَّا الخضاب بالسَّواد للغزو ليكون أهيب في عين العدوِّ فهو محمود بالاتِّفاق، وأن يزيِّن(5) نفسه للنِّساء فمكروه، وعليه عامَّة المشايخ وبعضهم جوَّزه بلا كراهة. انتهى.
          وفي «المحلَّى»: وكان يخضب بالسَّواد عثمانُ وسعد بن أبي وقَّاص، وعدَّ جماعة مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعين ممَّن كانوا يخضبون بالسَّواد، ثمَّ قالَ: وممَّن(6)كرهه تحريمًا احتجَّ بما في مسلم عن جابر في قصَّة أبي قحافة مِنْ قولِه صلعم: ((اجْتَنِبُوا السَّواد...)) إلى آخر ما بسط في «الأوجز».
          قلت: وهذا الخلاف إنَّما هو في الخضاب بالسَّواد، وأمَّا الخضاب مطلقًا فقالَ الحافظُ: وقد اختُلف في الخضب وتركِه، فخضب أبو بكر وعمر وغيرهما كما تقدَّم، وتركَ الخضابَ عليٌّ وأُبَيُّ بن كعب وأنس وجماعة إلى أن قال: ولكنَّ الخضاب مطلقًا أَولى لأنَّ فيه امتثال الأمر في مخالفة أهل الكتاب، وفيه صيانة للشَّعر عن تعلُّق الغبار وغيره به، إلَّا إن كان مِنْ عادة أهل البلد تركُ الصَّبغ، وأنَّ الَّذِي ينفرد بدونهم بذلك يصير في مقام الشُّهرة، فالتَّرك في حقِّه أَولى. انتهى.
          وفي «الأوجز»: قالَ النَّوويُّ: قال القاضي: اختَلف السَّلف مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعين في الخضاب، فقال بعضهم: تركُ الخضاب أفضلُ، وردوا(7) حديثًا مِنَ النَّبيِّ صلعم في النَّهي عن تغيير الشَّيب، ولأنَّه صلعم لم يغيِّر شيبه، وقال آخرون: الخضاب أفضلُ، وخضب جماعة مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعين. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: يُسْتحبُّ للرَّجل خضابُ شعره ولحيته ولو في غير حرب في الأصحِّ. انتهى.
          وقالَ الحافظُ في «الفتح»: ونُقل عن أحمد أنَّه يجب، وعنه: يجب ولو مرَّة، وعنه: لا أحبُّ لأحدٍ ترك الخضب، ويتشبَّه بأهل الكتاب، لكن حكى الموفَّق عنه الاستحباب فقط، فقال: ويُسْتحبُّ خضاب الشَّعَر بغير سواد، قال أحمد: إنِّي لأرى الشَّيخ المخضوب فأفرح به. انتهى.
          وقالَ النَّوويُّ: مذهبنا استحبابُ خضاب الشَّيب للرَّجل والمرأة بصُفرة أو حمرة. انتهى.
          وقال الإمام مالك في «الموطَّأ»: وتركُ الصَّبغ كلِّه واسعٌ إن شاء الله، وليس للنَّاس(8) فيه ضيق، قالَ الزَّرقانيُّ: خلافًا لمن قال: الصَّبغ بغير السَّواد سُنَّة. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((واختضبت)).
[2] في (المطبوع): ((أو الحمرة)).
[3] في (المطبوع): ((يميل)) بلا واو.
[4] في (المطبوع): ((يصبغ)).
[5] في (المطبوع): ((وإن ليزين)).
[6] في (المطبوع): ((ومن)).
[7] في (المطبوع): ((ورووا)).
[8] في (المطبوع): ((وليس على الناس)).