الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الثوب الأحمر

          ░35▒ (باب: الثَّوب الأَحْمَر)
          قالَ الحافظُ: وتقدَّم في (باب: التَّزَعْفُر) ما يتعلَّق بالمُعَصْفَر، فإنَّه غالبُ ما يُصبَغ بالعصفر يكون أحمر، وقد تلخَّص لنا مِنْ أقوال السَّلف في لبس الثَّوب الأحمر سبعة أقوال:
          الأوَّل: الجواز مطلقًا، ونَسب الحافظُ هذا المذهب إلى جماعة مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعين منهم ابنُ المسيِّب والنَّخَعيُّ.
          القول الثَّاني: المنع مطلقًا لِما أخرجَه ابنُ ماجَهْ مِنْ حديث ابن عمر مرفوعًا مِنَ النَّهي عن المفدَّم_وهو بالفاء وتشديد الدَّال_ وهو المشبع بالعصفر، ثمَّ ذكر الحافظ عدَّة رواياتٍ في المنع عن الحمرة.
          القول الثَّالث: يُكره لبسُ الثَّوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفًا، جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد.
          الرَّابع: يكره لبس الأحمر مطلقًا لقصد الزِّينة والشُّهرة، ويجوز في البيوت والمهنة، جاء ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ، وقد تقدَّم قول مالك في (باب: التَّزعفر).
          القول الخامس: يجوز لبسُ ما كان صُبغ غزلُه ثمَّ نُسج، ويُمنع ما صُبغ بعد النَّسج، جنح إلى ذلك الخطَّابيُّ، واحتجَّ بأنَّ الحلَّة الواردة في الأخبار الواردة في لبسِه صلعم الحلَّة الحمراء إحدى حُلَل اليمن، وكذلك البُرْد الأحمر وبرود اليمن يُصبَغ غزلُها ثمَّ يُنسَج.
          القول السَّادس: اختصاص النَّهي بما يصبغ بالمعصفر(1) لورود النَّهي عنه، ولا يُمنع ما صُبغ بغيره مِنَ الأصباغ.
          القول السَّابع: تخصيص المنع بالثَّوب الَّذِي يصبغ كلُّه، وأمَّا ما فيه لون آخر غير الأحمر مِنْ بياض وسواد وغيرهما فلا، وعلى ذلك تُحمل الأحاديث الواردة في الحلَّة الحمراء، فإنَّ الحلل اليمانية غالبًا تكون ذات خطوط حمر وغيرها... إلى آخر ما ذكر الحافظ ما هو الرَّاجح عنده مِنَ التَّحقيق في هذا المقام.
          وكتبَ الشَّيخُ الكَنكَوهيُّ في «الكوكب الدُّرِّيِّ»: والمذهب في لُبس الحمرة والصُّفرة أنَّ المزعفر والمعصفر ممنوع عنه الرِّجال مطلقًا، والحمرة والصُّفرة غير ذلك، فالفتوى على جوازهما مطلقًا، لكنَّ التَّقوى غيرُ ذلك، والله أعلم بالصَّواب. انتهى.
          وفي «هامشه» عن «الدُّرِّ المختار»: كُرِه لبسُ المعصفر والمزعفر الأحمر والأصفر للرِّجال ولا بأس بسائر الألوان، وفي «شرح النقاية» وغيره: لا بأس بالثَّوب الأحمر، ومفاده [أنَّ] الكراهة تنزيهيَّة، وصرَّح في «التُّحفة» بالحرمة، فأفاد أنَّها تحريميَّة وهي المحمل عند الإطلاق، وللشُّرُنْبُلاليِّ فيه رسالةٌ نَقل فيها ثمانية أقوال، منها أنَّه مستحبٌّ. انتهى.
          وقالَ القاريُّ في «شرح الشَّمائل» في شرح قوله: (وعليه حلَّة حمراء): أي: ما فيه خطوط حمر، وإلَّا فالأحمر البحت منهيٌّ عنه ومكروه لبسُه... إلى آخر ما ذكر.
          ولم يرضَ به الشَّارح المناويُّ وردَّ على مَنْ قال: إنَّ المراد به ما فيه خطوط حمر، وقال: ولبسُ المصطفى صلعم الأحمر القاني مع نهيه عنه ليبيِّن جوازه، وأنَّ النَّهي للتَّنزيهِ. انتهى.
          قلت: ولعلَّه اختار ذلك رعايةً لمذهبه فإنَّ الشَّافعيَّ أباح لُبْسَ الثَّوب الأحمر، كما في القَسْطَلَّانيِّ إذ قال: واختُلف في لُبس [الثِّياب] المصبوغة أحمر بالعصفر أو غيره، فأباحها جماعةٌ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعين، وبه قالَ الشَّافعيُّ... إلى آخر ما ذكر، وهكذا نقل القاضي مذهب الشَّافعيِّ كما في «البذل».
          وقالَ الموفَّقُ: وأمَّا الصَّلاة في الثَّوب الأحمر فقال أصحابنا: يُكره للرِّجال لُبسه والصَّلاة فيه، ثمَّ ذكر الأحاديث المتعارضة الواردة في لبس الأحمر، ورجَّح أحاديث الجواز، ثمَّ قال: ولأنَّ الحمرة لون فهي كسائر الألوان. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((بالعصفر)).