الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه

          ░25▒ (باب: لُبْس الحَرِيرِ وافْتِرَاشِه للرِّجَال وقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنْهُ)
          هكذا في «النُّسخة الهنديَّة»، وكذا في «نسخة العينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ»، وليس في «نسخة الحافظ» ذكر الافتراش(1) قال: ووقع في «شرح ابن بطَّالٍ» و«مستخرج أبي نُعيمٍ» زيادة افتراشه في التَّرجمة، والأولى ما عند الجمهور، وقد ترجم للافتراش مستقلًّا كما سيأتي بعد أبواب، والتَّقييد بالرِّجال يُخْرِج النِّساء، وسيأتي في ترجمة مستقلَّة.
          قالَ ابنُ بطَّالٍ: اختُلف في الحرير فقال قوم: يحرم لُبسُه في كلِّ الأحوال حَتَّى على النِّساء، نُقل ذلك عن عليٍّ وابن عمر وحذيفة وأبي موسى وابن الزُّبير، ومِنَ التَّابعين عن الحسن وابن سيرين، وقال قوم: يجوز لُبْسُه مطلقًا وحملوا أحاديث المنع على مَنْ لَبِسه خيلاء أو على التَّنزيه.
          قلت: وهذا الثَّاني ساقط لثبوت الوعيد على لبسه، قال القاضي عياض: إنَّ الإجماع انعقد بعد ابن الزُّبير ومَنْ وافقه على تحريم الحرير على الرِّجال وإباحته للنساء، واختُلف في علَّة تحريم الحرير على رأيين مشهورين: أحدهما: الفخر والخيلاء. والثَّاني: لكونه ثوب رفاهية وزينة فيليق بزيِّ النِّساء دون شهامة الرِّجال، ويحتمل علَّة ثالثة وهي التَّشبُّه بالمشركين. انتهى.
          قلت: وهذا الإجماع في الحرير الخالص، وأمَّا المخلوط ففي «الهداية»: ولا بأس بلبس ما سُدَاه حرير ولُحْمَتُه غير حرير كالقطن والخزِّ في الحرب وغيره لأنَّ الصَّحابة ♥ كانوا يلبسون الخزَّ، والخَزَّ(2) مُسَدًّى بالحرير، ولأنَّ الثَّوب إنما يصير ثوبًا بالنَّسج، والنَّسجُ باللُّحمةِ فكانت هي المعتبرة دون السُّدى. انتهى.
          وفي «جامع الرُّموز»: قوله: (ولُحْمَته غيره...) إلى آخره، سواء كان مَغْلُوبًا أو مُسَاويًا للحرير، كالقطن والكتَّان والصُّوف، فإنَّ الاعتبار لآخر الوصفين، وقيل: لا يلبس إلا إذا غلب اللُّحمة على الحرير، والصَّحيح الأوَّل كما في «المحيط». انتهى.
          وهذا التَّفصيل أي: التَفريق بين السُّدَى واللُّحمة عندنا الحنفيَّة، وأمَّا الجمهور فالعبرة عندهم للغلبة، قالَ الموفَّقُ: فأمَّا المنسوج مِنَ الحرير وغيره كثوب منسوج مِنْ قُطْنٍ وإبريسم أو قطن وكتَّان فالحكمُ للأغلب منها لأنَّ الأوَّل مستهلك فيه، قالَ ابنُ عبد البرِّ: مذهب ابن عبَّاس وجماعة مِنْ أهل العلم أنَّ المُحَرَّمَ الحَرِيرُ الصَّافِي الَّذِي لا يخالطه غيره، فإنْ كان الأقلُّ الحريرَ فهو مباح، وإن كان القطنَ فهو محرَّم، فإن / اسْتَوَيَا ففِي تحريمه وإباحته وجهان، وهذا مذهب الشَّافعيِّ. انتهى.
          وذَكَر العلَّامةُ العيني في هذه المسألة عشرة أقوال للعلماء.
          وأمَّا الجزء الثَّالث مِنَ التَّرجمةِ ففيه خلاف أيضا، قالَ العينيُّ: قال شَيخنَا: فِي حَدِيث عمر ╩ حجَّة لِما قَالَه أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّه لَا يرخَّص فِي التَّطريز وَالْعلم فِي الثَّوب إِذا زَاد على أَرْبَعَة أَصَابِع، وَأَنَّه تجوز الْأَرْبَعَة فَمَا دونهَا، وَمِمَّنْ ذكره مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَغَوِيُّ فِي «التَّهْذِيب» وَتَبعهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ. انْتهى.
          وَذكر الزَّاهدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الحنفيَّة أَنَّ الْعِمَامَة إِذا كَانَت طرفها(3) قدر أَربع أَصَابِع مِنْ إبريسم بأصابع عمر_وَذَلِكَ قيس شبرنا_ يرخَّص فِيهِ، والأصابع لَا مَضْمُومَة كل الضَّم وَلَا منشورة كلَّ النَّشر، وَالْعلم فِي مَوَاضِع قَالَ بَعضهم: يجمع، وَقيل: لَا يجمع... إلى آخر ما ذكر في تفصيل المسألة.


[1] في (المطبوع): ((افتراش)).
[2] قوله: ((والخز)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((طُرَّتُها)).