الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إعفاء اللحى

          ░65▒ (باب: إِعْفَاء اللِّحَى)
          كذا استعمله مِنَ الرُّباعيِّ، وهو بمعنى التَّرك، ثمَّ قال: {عَفَوا} كَثُروا وكثرت(1) أموالهم وأراد تفسير قوله تعالى في الأعراف: {حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} [الأعراف:95]، فإمَّا أن يكون أشار بذلك إلى أصل المادَّة أو إلى أنَّ لفظ الحديث وهو: (اعْفُوا اللِّحى) جاء بالمعنيين، فعلى الأوَّل يكون بهمزة قطع وعلى الثَّاني بهمزة وصل، وقد حكى ذلك جماعةٌ مِنَ الشُّرَّاح منهم ابن التِّين قال: وبهمزة قطعٍ أكثرُ. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ القَسْطَلَّانيُّ: واللِّـُحَى_بكسر اللَّام وتضمُّ_: جمع لِحية_بالكسر فقط_: اسم لِما ينبت على العارضين والذَّقْن. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخُ في «الكوكب»: وأمَّا إعفاء اللِّحية فالظَّاهر مِنْ فعله صلعم أنَّ الإعفاء مسنون بحيث يخرج مِنَ التَّشبُّه بالهنود والمجوس فحسبُ. انتهى.
          وفي «هامشه»: قال الغزاليُّ: اختلف السَّلف فيما زاد مِنَ اللِّحية فقيل: لا بأس أن يقبض عليها ويقصَّ ما تحت القبضة، كان ابن عمر يفعله ثمَّ جماعة مِنَ التَّابعين، والأمر في هذا قريب لأنَّ الطُّول المفرط قد يُشَوِّه الِخلْقَةِ، قالَ النَّوويُّ: والصَّحيح كراهة الأخذ منها مطلقًا، ويتركها على حالها كيف كانت لحديث: (اعفوا اللِّحى) وأمَّا حديث عمرو بن شعيب بسنده: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يأخذ مِنْ لحيته)) فرواه التِّرْمِذيُّ بإسنادٍ ضعيف لا يُحتجُّ به، هكذا في «البذل». وفي «الدُّرِّ المختار»: لا بأس بأخذ أطراف اللِّحية، والسُّنَّة فيها القبضةُ، قالَ ابنُ عابدين: كذا ذكره محمَّد في «كتاب الآثار» عن الإمام قال: وبه نأخذ. انتهى.
          وفي موضع آخر مِنَ «الدُّرِّ المختار»: القدْر المسنون هو القبضة، وصرَّح في «النِّهاية» بوجوب قطع ما زاد على القبضة، ومقتضاه الإثمُ بتركه إلَّا أن يحمل الوجوب على الثُّبوت، قالَ ابنُ عابدين: قوله: (وصرَّح في النِّهاية:...) إلى آخره، ومثلُه في «المعراج»، وقد نقله عنها في «الفتح» وأقرَّه، قوله: (إلَّا أن يحمل...) إلى آخره، يؤيِّده أنَّ ما استدلَّ به صاحب «النِّهاية» لا يدلُّ على الوجوب، ولذا حذف الزَّيْلعيُّ لفظ: يجب، وقال: وما زاد يقصُّ... إلى آخر ما قال.
          وبسط الكلامَ على المسألة في «الأوجز»، وفيه وفي «الشَّرح الكبير» لابن قُدامة: يُستحبُّ إعفاء اللِّحية لِما ذكرنا مِنَ الحديث، وهي يكره أخذ ما زاد على القبضة فيه وجهان: أحدهما يُكره، والثَّاني لا يُكره لِما روى البخاريُّ ذلك مِنْ فعل ابن عمر، أو(2) إلى آخر ما ذكر في «الأوجز» مِنَ النُّقول.
          ثمَّ قالَ: وعُلم ممَّا سبق أنَّهم اختلفوا فيما طال مِنَ اللِّحية على أقوال: الأوَّل: يتركها على حالها ولا يأخذ منها شيئًا، وهو مختار الشَّافعيَّة ورجَّحه النَّوويُّ، وهو أحد الوجهين عند الحنابلة. والثَّاني: كذلك إلَّا في حجٍّ أو عمرةٍ فيُستحبُّ أخذ شيءٍ منها، قالَ الحافظُ: هو المنصوص عن الشَّافعيِّ. والثَّالث: يُستحبُّ أخذُ ما فحش طولها جدًّا بدون التَّحديد بالقبضة، وهو مختار الإمام مالكٍ، ورجَّحه القاضي عِياض. والرَّابع: يُسْتحبُّ أخذ ما زاد على القبضة وهو مختار الحنفيَّة. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((أو كثرت)).
[2] في (المطبوع): ((انتهى)).