الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الخاتم في الخنصر

          ░51▒ (باب: الخاتم في الخِنْصَر)
          أي: دون غيرها مِنَ الأصابع، وكأنَّه أشار إلى ما أخرجه مسلم وأبو داود والتِّرمذيُّ مِنْ حديث عليٍّ قال: ((نهاني رسول الله صلعم أن ألبس خاتمي في هذه وفي هذه)) يعني السَّبابة والوسطى، وسيأتي بيان أيِّ الخنصرين اليمنى أو اليسرى كان يلبس الخاتم فيه. انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: ومسألة الباب_أي كون الخاتم في الخنصر_ إجماعيَّة، ففي «البذل»: قالَ النَّوويُّ: يُكره جعل الخاتم في الوسطى والَّتي تليها لهذا الحديث_الَّذِي تقدَّم في كلام الحافظ_ وأجمع المسلمون على جعل الخاتم في الخنصر. انتهى.
          وفي «هامشي على البذل»: كذا حكى المناويُّ في «شرح الشَّمائل» على(1) النَّوويِّ الإجماعَ على سُنِّيَّة(2) جعله في الخنصر، وقال: ورد النَّهي عن السَّبابة والوسطى، ولم يردْ شيء في الإبهام والبنصر. انتهى.
          وقالَ ابنُ عابدين: ينبغي أن يكون في خنصرها_أي اليسرى_ دون سائر أصابعه. انتهى.
          وصرح في «شرح الإقناع» بكراهة غير الخنصر، وذكر صاحب «نيل المآرب» الحكمة فيه، ولم يصرحِّ بالكراهة حيث قال: وإنَّما كان في الخنصر لكونها طرفًا فهو أبعد مِنَ الامتهان فيما تتناوله اليد. انتهى.
          وأمَّا كونها في اليد اليسرى أو اليمنى فمسألة خلافيَّة لم يترجم لها المصنِّف، وترجم له الإمام أبو داود إذ قال: باب: ما جاء في التَّختُّم في اليمين أو اليسار، وأخرج فيه حديثين متعارضين، فأخرج أوَّلًا حديث عليٍّ: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يتختَّم في يمينه)) ثمَّ أخرج حديث ابن عمر: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يتختَّم في يساره)) وكتبَ الشَّيخُ في «البذل»: قال في «فتح الودود»: قد صحَّ تختُّمه صلعم في اليمين واليسار جميعًا، / فقال بعضهم: يجوز الوجهان، واليمين أفضلُ لأنَّه زِينة واليمين بها أَولى، وقال آخرون بنسخ اليمين لِما جاء في بعض الرِّوايات الضَّعيفة أنَّه تختَّم أوَّلًا في اليمين ثمَّ حوَّل إلى اليسار، ومنهم مَنْ يرى الوجهين مع ترجيح اليسار. انتهى.
          قلت: ولكنَّ علماء الأحناف منعوا عن التَّختُّم في اليسار لمَّا صار ذلك شعارًا لأهل البِدع مِنَ الرَّافضة، وقد حُرِّم التَّشبُّه بأهل الأهواء كما حُرِّم بالكفرة، انتهى مختصرًا مِنَ «البذل».
          وهكذا كتبَ الشَّيخُ الكَنكَوهيُّ في «الكوكب» أنَّ(3) اتخاذ الخاتم في اليسار مِنْ دَيْدَن الرَّوافض وشعارهم فكُره لنا ذلك، وإلَّا فكان الأمران كأنَّهما متساويان. انتهى.
          قلت: ولكن في «الدُّرِّ المختار»: ويجعله في اليد اليسرى، وقيل: اليمنى إلَّا أنَّه مِنْ شعائر(4) الرَّوافض فيجب التَّحرُّز عنه. انتهى.
          وهذا خلاف ما أفاده الشَّيخُ قُدِّس سِرُّه، والجواب أنَّ هذا مبنيٌّ على اختلاف حالهم بحسب اختلاف الزَّمان كما أشير إليه أيضًا بعد ذلك في «الدُّرِّ المختار»، فارجع إليه.
          وحاصل مذاهب الأئمَّة الأربعة كما في كتب فروعهم أنَّ اليسار أَولى عندنا الحنفيَّة كما تقدَّم عن «الدُّرِّ المختار»، وكذا عند الحنابلة [كما] في «نيل المآرب»، وعند المالكيَّة اليسار سُنَّة، قالَ الدُّسوقيُّ: لأنَّه آخر الفعلين عنه صلعم، وللشَّافعيَّة وجهان: الصَّحيح أنَّ اليمين أفضلُ لأنَّه زينة واليمين أشرفُ وأخصُّ بالزِّينة، كما قالَ النَّوويُّ.
          وبسط الحافظُ الكلام في هذه المسألة، ثمَّ قال: ويظهر لي أنَّ ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان اللُّبس للتَّزيُّن به فاليمين أفضلُ، وإن كان للتَّختُّم به فاليسار أَولى... إلى آخر ما بسط. وأمَّا الإمام البخاريُّ فنقل الإمام التِّرمذيُّ عنه أنَّ حديث عبد الله بن جعفر أصحُّ شيء رُوي في هذا الباب، وصرَّح فيه بالتَّختُّم في اليمين، قاله الحافظ.


[1] في (المطبوع): ((عن)).
[2] في (المطبوع): ((سُنِّيته)).
[3] في (المطبوع): ((إن)).
[4] في (المطبوع): ((شعار)).