الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يذكر في الشيب

          ░66▒ (باب: مَا يُذْكَر فِي الشَّيْب)
          أي: هل يُخضَب أو يُترك؟ قاله الحافظ.
          وقالَ العينيُّ: الشَّيب بياضُ الرَّأس عن الأصمعيِّ وغيره، وقالَ الجَوهريُّ: الشَّيب والمَشيب واحد، والأشيب: المبيضُّ الرَّأس، وقال في شرح الحديث: / اختُلف في خضابه صلعم، فمنعه الأكثرون، منهم أنس، وأثبته بعضهم لحديث أمِّ سلمة وابن عمر: ((أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم يصبغ بالصُّفرة)) وجمع بينهما بأنَّ ذلك كان طِيْبًا فظنَّه مَنْ رآه صبغًا. انتهى.
          قالَ الحافظُ بعدما بسط شيئًا مِنَ الكلامِ على هذا الاختلاف: وقد أنكر أحمدُ إنكار أنسٍ أنَّه خضب، وذكر حديث ابن عمر: ((أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم يخضب بالصُّفرة)) وهو في «الصَّحيح»، ووافق مالكٌ أنسًا في إنكار الخضاب، وتأوَّل ما ورد في ذلك. انتهى.
          وقالَ الشَّيخُ ابن القيِّم في «زاد المعاد»: فإن قيل: قد ثبت في الصَّحيح عن أنس ☺ أنَّه قال: ((لم يختضب النَّبيُّ صلعم)) قيل: قد أجاب أحمد بن حنبل عن هذا وقال: قد شهد به غير أنس على النَّبيِّ صلعم أنَّه خضب، وليس مَنْ شهد بمنزلة مَنْ لم يشهد، فأحمد أثبتَ خضاب النَّبيِّ صلعم ومعه جماعة مِنَ المحدِّثين، ومالك أنكره. انتهى.
          قلت: هكذا حمل الشُّرَّاح هذه التَّرجمة على أنَّ المراد به الخضابُ وتركُه، لكنَّ فيه أنَّ التَّرجمة الآتية صريحٌ في حكم الخضاب، فحينئذٍ يلزم التَّكرار، فالأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ: أنَّ المقصود بالتَّرجمة الآتية بيان حكم الخِضاب على ما صريح مدلول التَّرجمة، وأمَّا القصد مِنْ هذا الباب فليس إلى خصوص الخضاب بل إلى ما ورد مِنَ الرِّوايات في الشَّيب مِنْ فضله، والمنع عن نتفه ونحو ذلك، لكنْ لمَّا لم تكن هذه الرِّوايات على شرط المصنِّف لم يذكرها في الباب، وذكر في الباب ما كان على شرطه كما هو دأبه في مثل ذلك، ولا يخفى ذلك على مَنْ أمعن النَّظر في تراجمه، وقد أوضح هذا المرام الإمامُ أبو داود في «سُننه» فترجم بترجمتين متعاقبتين، فترجم أوَّلًا: باب: في نتف الشَّيب، ثمَّ ترجم باب: في الخضاب، وذكر في الثَّانية ما ذكره البخاريُّ في (باب: الخضاب) الباب الآتي، وأخرج في التَّرجمة الأُولى حديث عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صلعم: (لَاْ تَنْتِفُوا الشَّيب، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً في الإِسْلاَمِ إِلَّا كانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ولفظ التِّرمذيِّ مِنْ حديث عمرو بن شُعيب أيضًا: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم نهى عن نتف الشَّيب، وقال: إِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ)). انتهى.
          قال صاحب «العون»: فإن قلت: فإذا كان حال الشَّيب كذلك فلِمَ شُرع سَترُه بالخضاب؟ قلنا: ذلك لمصلحة أخرى وبينته(1) وهو إرغام الأعداء وإظهار الجلادة لهم، قالَ ابنُ العربيِّ: وإنَّما نهى عن التنف دون الخضب لأنَّ فيه تغيير الخلقة مِنْ أصلها بخلاف الخضب، فإنَّه لا يغيِّر الخلقة على النَّاظر إليه. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((دينية)).