-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
باب وجوب صوم رمضان
-
باب فضل الصوم
-
باب الصوم كفارة
-
باب الريان للصائمين
-
باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ومن رأى كله واسعًا
-
باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونيةً
-
باب: أجود ما كانَ النبي يكون في رمضان
-
باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم
-
باب: هل يقول: إني صائم إذا شتم؟
-
باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة
-
باب قول النبي: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا
-
باب: شهرا عيد لا ينقصان
-
باب قول النبي: لا نكتب ولا نحسب
-
باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين
-
باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}
-
باب قول الله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض}
-
باب قول النبي: لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال
-
باب تأخير السحور
-
باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر
-
باب بركة السحور من غير إيجاب
-
باب: إذا نوى بالنهار صومًا
-
باب الصائم يصبح جنبًا
-
باب المباشرة للصائم
-
باب القبلة للصائم
-
باب اغتسال الصائم
-
باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا
-
باب سواك الرطب واليابس للصائم
-
باب قول النبي: إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء
-
باب: إذا جامع في رمضان
-
باب: إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر
-
باب الحجامة والقيء للصائم
-
باب الصوم في السفر والإفطار
-
باب: إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر
-
باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر
-
باب: لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضًا في الصوم والإفطار
-
باب من أفطر في السفر ليراه الناس
-
باب: {وعلى الذين يطيقونه فدية}
-
باب: متى يقضى قضاء رمضان؟
-
باب: الحائض تترك الصوم والصلاة
-
باب من مات وعليه صوم
-
باب: متى يحل فطر الصائم؟
-
باب: يفطر بما تيسر عليه بالماء وغيره
-
باب: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس
-
باب صوم الصبيان
-
باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام
-
باب التنكيل لمن أكثر الوصال
-
باب الوصال إلى السحر
-
باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه
-
باب صوم شعبان
-
باب ما يذكر من صوم النبي وإفطاره
-
باب حق الضيف في الصوم
-
باب حق الجسم في الصوم
-
باب صوم الدهر
-
باب حق الأهل في الصوم
-
باب صوم يوم وإفطار يوم
-
باب صوم داود
-
باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة
-
باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم
-
باب الصوم آخر الشهر
-
باب صوم يوم الجمعة
-
باب: هل يخص شيئًا من الأيام؟
-
باب صوم يوم عرفة.
-
باب صوم يوم الفطر
-
باب الصوم يوم النحر
-
باب صيام أيام التشريق
-
باب صيام يوم عاشوراء
-
باب وجوب صوم رمضان
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░69▒ بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ
ذَكَرَ فِيْهِ ثَمَانِيَةَ أَحَادِيْثَ:
2000- أَحَدُهَا: عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: (يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ إِنْ شَاءَ صَامَ).
2001- ثَانِيْهَا: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِيْ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ).
2002- ثَالِثُهَا: حَدِيثُ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَصُومُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ).
2003- رَابِعُهَا: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: (هَذَا يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ).
2004- خَامِسُهَا: حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ: (قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلعم المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوْسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوْسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ).
2005- سَادِسُهَا: حديثُ أَبِي مُوْسَى قَالَ: (كَانَ يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ تَعُدُّهُ اليَهُودُ عِيدًا، قَالَ النَّبِيُّ صلعم: فَصُومُوهُ أَنْتُمْ)، وفي إسنادِهِ أَبُو عُمَيْسٍ: وهُوَ عُتْبَةُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُوْدٍ وأَخُو عبدِ الرَّحمَنِ المَسْعُوْدِيِّ.
2006- سَابِعُهَا: حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ / رَمَضَانَ).
2007- ثَامِنُها: حَدِيْثُ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: (أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ).
الشَّرْحُ: حَدِيْثُ ابنِ عُمَرَ كَذَا ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ إِلَى قولِهِ: (إِنْ شَاءَ صَامَ)، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وقَالَ: ((فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ))، وذَكَرَهُ البُخَارِيُّ فِي تفسيرِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] بِلَفْظِ: ((مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ))، والبُخَارِيُّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بنِ مُحَمَّد عًنْ سالمٍ، ومُسْلِمٌ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ زَيْدٍ العَسْقَلَانِيِّ عَنْ سالمٍ.
وحَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ طريقيهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وقَدْ تَقَدَّمَ، وحديثُ مُعَاوِيَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرَّحمَنِ والسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وقَالَ: كِلا الحديثينِ خَطَأٌ والصَّوَابُ حديثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ _يعني الَّذِي فِي البُخَارِيِّ_.
وحَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وفي رواية لِلْبُخَارِيِّ: ((أَنْتُمْ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ)) فأَمَرَ بِصَوْمِهِ، وفي أُخْرَى مِنْ قَولِ اليَهُودِ في عَاشُوْرَاءَ: ((هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ))، وأَخْرَجَهُ ابنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، والصَّوَابُ: أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيْهِ كَمَا فِي البُخَارِيِّ.
وحديثُ أَبِي مُوْسَى أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وفي روايةٍ لَهُ: كَانَ أهلُ خَيْبَرَ يَصُوْمُونَ يومَ عَاشُوْرَاءَ يتَّخِذُونَهُ عيدًا ويُلْبِسُونَ نِسَاءَهم فِيْهِ حُلِيَّهُمْ وشَاراتِهِمْ، فَقَالَ ◙: ((فَصُومُوا أَنْتُمْ))، وخَرَّجَهُ البُخَارِيُّ فِي بابِ: إِتْيَانُ اليَهُوْدِ مِنَ المَنَاقِبِ، وفِيْهِ: ((وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ)) [خ¦3942].
وحَدِيْثُ ابنِ عَبَّاسٍ الَّذِي بعدَه أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وفي كتابِ «الصِّيَامِ» للقَاضِي يُوسُفَ مِنْ حَدِيْثِ ابنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا: ((لَيْسَ لِيَوْمٍ فَضْلٌ عَلَى يَوْمٍ فُضِّلَ فِي الصِّيَامِ إِلَّا شَهْرَ رَمَضَانَ أَو يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ)).
وللنَّقَّاشِ: ((إِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ صُمْتُ التَّاسِعَ)) فَرَقًا أنْ يَفُوتَه، وفِي لَفْظٍ: ((مَنْ صَامَ عَاشُوْرَاءَ فَكَأَنَّما صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ وَقَامَ لَيْلَهُ)) وفي آخَرَ: ((مَنْ صَامَهُ يُحْسَبُ لَهُ بِأَلْفِ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الآخِرَةِ)) وفي آخَرَ: ((يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ: سَنَةً قَبْلَهُ وَسَنَةً بَعْدَهُ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِصَوْمِهِ)).
وحديثُ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ سَلَفَ، وفي أفرادِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: ((صِيَامُ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ))، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نعلمُ فِي شيءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أنَّه قَالَ فِي صِيَامِ يومِ عَاشُوْرَاءَ: ((يُكَفِّرُ سَنَةً)) إلَّا فِي حَدِيْثِ أَبِي قَتَادَةَ، وبِهِ يَقُولُ أحمدُ وإِسْحَاقُ، قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَ هُوَ فِي «جامِعِهِ» مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يرفعُه: ((مَا مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيْهَا مِنْ أَيَّامِ العَشْرِ، وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهَا لَيَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ، وَلَيْلَةٍ فِيْهَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ)) ثُمَّ قَالَ: حديثٌ غريبٌ.
وفي كتابِ «عَاشُوْرَاءَ» لأبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ النَّقَّاشِ مِنْ حَدِيْثِ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ مَرْفُوْعًا: ((إِنَّهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي أَتَتْ قَبْلَهَا وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهَا))، وفي «الصَّحِيحَينِ» مِنْ حَدِيْثِ ابنِ مَسْعُوْدٍ: ((أَنَّهُ ◙ كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ فَلَمَّا نَزَلَ تُرِكَ))، والسِّياقُ لِمُسْلِمٍ: ((كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ)) إِلَى آخِرِه، ذَكَرَهُ فِي تفسيرِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183].
وفي أفرادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيْثِ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَأْمُرُ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا، وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ))، وفي أَفْرَادِهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيْثِ الحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ وهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ؟ فَقَالَ: ((إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ المُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، فَقُلْتُ: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صلعم يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ)). وسَلَفَ حديثُ الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذ فِيْهِ، وفي البابِ عَنْ مُحَمَّد بنِ صَيْفِيٍّ وهِنْدِ بنِ أسماءٍ وعبدِ الرَّحمَنِ بنِ مَسْلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ، وقَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ وابنِ الزُّبَيْرِ، وعليٍّ _وَلَفْظُهُ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلعم: أيُّ الشَّهْرِ تأمرُني أنْ أصومَ بعدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: ((صُمِ المُحَرَّمَ، فَإِنَّهُ شَهْرُ اللهِ، وَفِيْهِ يَوْمٌ تَابَ فِيْهِ عَلَى قَوْمٍ وَيَتُوبُ فِيْهِ عَلَى آخَرِينَ))، ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيْبٌ، ونحوُه فِي «مُسْلِمٍ»: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّم))_ وحَفْصَةَ وبَعْضِ أَزْواِجِهِ.
ولابنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا: ((يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ كَانَتْ تَصُومُهُ الأَنْبِيَاءُ فَصُومُوهُ أَنْتُمْ)). ولِلنَّقاَّشِ مِنْ حَدِيْثِ ابنِ لَهِيْعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ((أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ صلعم بِصَوْمِ عَاشُوْرَاءَ أَنْ نَصُومَهُ)).
ومِنْ حَديثِ فاطمةَ بنتِ مُحَمَّدٍ عَنْ أمِّ يَزِيدَ بنتِ وَعْلَةَ عَنْ أَبِيْهِا مَرْفُوْعًا مثلُه، ومِنْ حديثِ عُلَيْلَةَ قَالَتْ: حَدَّثَّتْنِي أُمِّي عَنْ أَمَةِ اللهِ بنتِ رَزِيْنَةَ عَنْ أمِّها مَرْفُوْعًا مثلُه وزيادةُ: ((وَصَوْمُ الصِّبْيِانِ))، ويَقُولُ: ((لاَ تَذُوقُوا اليَوْمَ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَعْدِلُ سَنَةً))، ومِنَ «الموضوعاتِ» لأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بنِ عليٍّ النَّقَّاشِ مَرْفُوْعًا: ((يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مُبَارَكٌ أَمَرَنِي اللهُ بِصَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ)) فذَكَرَ حديثًا طويلًا.
إِذَا تَقَرَّرَ ذلكَ: فاتَّفقَ العلماءُ عَلَى أنَّ صَومَ عَاشُوْرَاءَ اليومَ سُنَّةٌ وليسَ بواجِبٍ، واخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ أَوَّلَ الإسلامِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: كَانَ واجبًا، وهُوَ وجهٌ لأصحابِنا والأَشْهَرُ المَنْعُ وَلَمْ يكنْ واجبًا قَطُّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، ولكنَّه كَانَ مُتَأَكِّدَ الاستحبابِ، فَلَمَّا نزلَ صَومُ رَمَضَانَ صَار مُسْتَحَبًّا دونَ ذَلِكَ الاستحبابِ، ونَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بعضِ السَّلَفِ أنَّ فَرَضِيّتَهُ الآنَ باقيةٌ، وانقَرَضَ القائلونَ بهَذَا، وحَصَلَ الإجماعُ عَلَى أنَّه لَيْسَ بِفَرْضٍ إنَّما هُوَ مُسْتَحَبٌّ.
ورُوِيَ عَنِ ابنِ عُمَرَ كَرَاهَةُ قَصْدِ صَوْمِه وتَعْيِينِهِ بالصَّوْمِ، وهُوَ مَا فِي «المحيطِ» عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، والعلماءُ مُجْمِعُون عَلَى استحبابِه وتعيينِه، وحديثُ عَائِشَةَ دَالٌّ عَلَى أنَّه رُدَّ إِلَى التَّطَوُّعِ، وحديثُ سَلَمَةَ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِه أو تَأَكُّدِهِ، وحَدِيْثُ ابنِ عَبَّاسٍ دَالٌّ عَلَى أنَّ صَوْمَهُ شُكْرًا فِي إظهارِ مُوْسَى عَلَى عَدُوِّهِ فِرْعَوْنَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الاحتياطِ لَا عَلَى الفَرْضِ، وعَلَى مثلِ ذَلِكَ دلَّ حديثُ ابنِ عُمَرَ ومُعَاوِيَةَ، وفي أَمْرِ الشَّارِعِ إيَّاهُمْ بِصَوْمِهِ بعدَ أنْ أَصبَحُوا دليلٌ عَلَى أنَّ مَنْ كَانَ فِي يومٍ عَلَيْهِ صَومُه بعينِه ولَمْ يُبَيِّتِ النِّيَّةَ أنَّه يَجُوزُ أن يَنْوِيَ صَوْمَهُ بعدَما أَصْبَحَ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ قبلَ الزَّوالِ وقَدْ سَلَفَ مَا فِيْهِ.
واختَلَفَتِ الآثارُ أيُّ يومٍ هُوَ عَاشُوْرَاءُ؟ فعندَ / التِّرْمِذِيِّ مُصَحَّحًا عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: ((أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم بصَوْمِ عَاشُوْرَاءَ اليَوْمَ العَاشِر))، وتَقَدَّمَ قولُ ابن عَبَّاسٍ فِي «مُسْلِمٍ» وأنَّه اليومُ التَّاسِعُ، وقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عليِّ بنِ زَيْدٍ عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ اليومُ التَّاسِعُ، وقَدْ جَاءَ كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي حديثِ الحَكَمِ بنِ الأعرجِ أنَّه اليومُ العَاشِرُ.
ذَكَرَ عبدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إسماعيلَ بنِ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ عَنِ الحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَصبَحتَ فَعُدَّ تسعًا وعِشْرِيْنَ يومًا، ثُمَّ أَصبِحْ صَائِمًا فَهُوَ يوم عَاشُوْرَاءَ، يَعْنِي: عُدَّ مِنْ يومِ النَّحْرِ، وكَذَلِكَ قَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ والحَسَنُ البَصْرِيُّ: هُوَ اليومُ العَاشِرُ، وحَكَاهُ فِي «المُصَنَّفِ» عنهما وعَنْ مُحَمَّدٍ وعِكْرِمَةَ، وهُوَ ظاهرُ مذهبِ مالكٍ فِيْمَا قَالَهُ ابنُ المُفَضَّلِ؛ لِأَنَّهُ مأخوذٌ مِنَ العَشْرِ فَلَزِمَ أنْ يَخْتَصَّ به؛ لأنَّ التَّاسِعَ إنَّما يُسَمَّى تَاسُوعَاءَ، وحديثُ مُسْلٍمٍ: ((لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ))، فَلَمْ يَأْتِ العامُ المُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ، وفي روايةِ أبي بَكْرٍ قَالَ: يَعْنِي: يومَ عَاشُوْرَاءَ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ورَوَاهُ ابنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ القَاسِمِ بنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم أنَّه قَالَ: ((لَئِنْ عِشْتُ لِلْعَامِ القَابِلِ لَأَصُومَنَّ يَوْمَ التَّاسِعِ عَاشُوْرَاءَ))، وقَالَ ابنُ أَبِي ذِئْبٍ مَرَّةً فِي حديثِهِ: ((لَأَصُومَنَّ عَاشُوْرَاءَ، يَوْمَ التَّاسِعِ))، قَالَ ابنُ دِحْيَةَ: أفتَى ابنُ عَبَّاسٍ بعدَ موتِهِ صلعم بصومِ التَّاسِعِ كَمَا كَانَ ◙ عَزَمَ عَلَيْهِ أنْ يفعلَه لو عَاشَ، ونَقَلَهُ ابنُ عَبْدِ البَرِّ فِي «تمهيدِه» وابنُ التِّيْنِ تَبَعًا لابنِ المُنْذِرِ والقُرْطُبِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ، وهُوَ غَرِيْبٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ، نَعَمِ اسْتَحَبَّهُ مَعَهُ، وقَالَتْ طائفةٌ بِصَوْمِ التَّاسِعِ والعاشِرِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وأَبِي رافعٍ صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ وابنِ سِيرِينَ وأَبِي ثَوْرٍ، وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وأحمَدَ وإِسْحَاقَ، هَذَا قولُ ابنِ المُنْذِرِ.
وقَالَ صاحبُ «العينِ»: عَاشُوْرَاءُ هُوَ اليومُ العَاشِرُ مِنَ المُحَرَّمِ، وقِيْلَ: هُوَ التَّاسِعُ، وقَالَ الضَّحَّاكُ: إنَّه التَّاسِعُ، نَقَلَهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي «مُصَنَّفِهِ» عَنْهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وقولُه فِيْمَا مَضَى: ((لَأَصُومَنَّ عَاشُوْرَاءَ يَوْمَ التَّاسِعِ)) خِلَافُ قولِهِ: ((لَأَصُومَنَّ يَوْمَ التَّاسِعِ)) لأنَّ قولَه: ((لَأَصُومَنَّ عَاشُوْرَاءَ يَوْمَ التَّاسِعِ)) إخبارٌ مِنْهُ بكونِ ذَلِكَ اليومِ يومَ عَاشُوْرَاءَ.
وقولُه: ((لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)) يَحْتَمِلُ لِأَصُومَهُ مَعَ العَاشِرِ لِئَلَّا أَقْصِدَ بِصَوْمِي إِلَى يومِ عَاشُوْرَاءَ بِعَيْنِهِ كَمَا يَفْعَلُ اليَهُودُ، لكنِّي أَخْلِطُهُ بِغَيْرِهِ فأكونُ قَدْ صُمْتُه بخِلَافِ مَا يَصُومُهُ اليَهُودُ، وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا المعنى، رَوَى ابنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ صَرْفَ تأويلِ قَوْلِهِ: ((لَأَصُومَنَّ يومَ التَّاسِعَ)) إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وقَدْ جَاءَ ذَلِكَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم رَوَى ابنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم فِي صومِ يومِ عَاشُوْرَاءَ: ((صُومُوهُ، وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ))، فَثَبَتَ بِهَذَا أنَّه ◙ أَرَادَ بالتَّاسِعِ أنْ يَدْخُلَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ فِي غيرِه مِنَ الصِّيَامِ، حَتَّى لَا يَكُونَ مقصودًا بِعَيْنِهِ، كَمَا جَاءَ عَنْهُ فِي صِيَامِ يومِ الجُمُعَةِ، كَمَا سَلَفَ فِي حديثِ جُوَيْرِيَةَ وَغَيْرِهَا.
ووجهُ كَرَاهِيَةِ إفرادِ هَذِهِ الأيَّامِ بالصِّيَامِ التَّفْرِقَةُ بينَ شهرِ رَمَضَانَ وسائرِ مَا يَصُومُ النَّاسُ غيرَه؛ لِأَنَّهُ مقصودٌ بِعَيْنِه فرضًا وغيرُه لَيْسَ كذلكَ، وبهذا كَانَ يأخذُ ابنُ عُمَرَ، فَكَانَ لَا يَصُومُ عَاشُوْرَاءَ إلَّا أنْ يُوَافِقَ صَومَهُ، وقَالَ الطَّبَرِيُّ: نظيرُ كَرَاهِيَةِ ابنِ عُمَرَ لصِيَامِ نظيرُ كَرِاهِيَةِ مَنْ كَرِهَ صِيَامَ رَجَبٍ، إذْ كَانَ شهرًا تُعَظِّمُه الجاهليَّةُ، فَكَرِهَ أنْ يُعَظَّمَ فِي الإسلامِ أَيْضًا مِنْ غيرِ تحريمِ صَوْمِهِ إِذَا ابْتَغَى بِصِيَامِهِ الثَّوَابَ لَا التَّشبِيهَ بأهلِ الشِّرْكِ، وقَدْ جَاءَ فِي فضلِ يومِ عَاشُوْرَاءَ حديثُ أَبِي قَتَادَةَ وغيرِه ممَّا سَلَفَ.
وكَانَ يَصُومُه مِنَ السَّلَفِ عليٌّ وأبو مُوْسَى وعبدُ الرَّحمَنِ بنِ عَوْفٍ وابنُ مَسْعُوْدٍ وابنُ عَبَّاسٍ، وأَمَرَ بِصَوْمِهِ الصِّدِّيْقُ وعُمَرُ، فإنْ قُلْتَ: قَدْ رُخِّصَ فِي صِيَامِ أَيَّامٍ بِعَيْنِها مقصودةٍ بالصَّوْمِ كَأَيَّامِ البِيْضِ، فَدَلَّ أنَّه لَا بَأْسَ بالقصدِ إِلَى يومٍ بِعَيْنِه، قُلْتُ: مَالِكٌ أَمَرَ بصَومِها لمعنًى كَمَا أَسْلَفْنَاهُ، وهُوَ الشُّكْرُ للهِ لِعارِضٍ كَانَ فِيْهِ، وكَذَا صَومُ الجمعةِ إِذَا صَامَه لعَارِضٍ مِنْ كُسُوفِ شَمْسٍ أو قَمَرٍ أو لمعنًى فلَا بَأْسَ بِهِ، وإنْ لم يَصُمْ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ مَعَ أنَّ مالكًا استَحَبَّهُ، أَعنِي: صَومَ عَاشُوْرَاءَ وفضلَه عَلَى غيرِه، وكَذَا جميعُ المَالِكِيِّينَ بالمَغْرِبِ، ويَتَصَدَّقُون فِيْهِ ويَرَوْنَهُ مِنْ أَجَلِّ القُرَبِ اقتداءً برَسُولِ اللهِ صلعم وإمامِ مَذْهَبِهِمْ.
تَنْبِيْهَاتٌ: أَحَدُهَا قَولُ الدَّاوُدِيِّ: قَولُ مُعَاوِيَةَ (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟) يَدُلُّ أنَّه سَمِعَ شيئًا أنْكَرَهُ؛ إمَّا أنْ يَسْمَعَ قَولَ مَنْ لَا يَرَى لِصَوْمِهِ فَضْلًا، أو سَمِعَ مَنْ يَقُولُ: إنَّه فرضٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيْهِ، وقَالَ ابنُ التِّيْنِ: يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ استدعاءَ مُوافَقَتِهِمْ، أو بَلَغَهُ أنَّهم يَرَوْنَ صِيَامَهُ فَرْضًا أو نَفْلًا أو للتَّبْليغِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: (لَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ) الآنَ، أو لَا مُطْلَقًا، وتَظْهَرُ فائِدَتُهُ فِي عَدَمِ تَبْيِيْتِ النِّيَّةِ فِيْهِ.
ثَانِيْهَا: قَدْ أسلفْنا أنَّه قَالَ: ((لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ...)) إِلَى آخِرِه، قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: لَمَّا قَدِمَ ◙ المدينةَ رَأَى اليَهُودَ يَصُومُونَه فصَامَه وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ فريضةُ رَمَضَانَ فَلَمْ يأمرْهم بغيرِه، ثُمَّ أَرَادَ مخالَفَتَهُمُ اليَهُودَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فمَاتَ قبلَ العَامِ، وأرادَ بالتَّاسِعِ أَنْ يَكُوْنَ عِوَضًا عَنِ العَاشِرِ ليُخَالِفَ اليَهُودَ، أو يَكُونُ أَرَادَ صَومَهما للمُخَالَفَةِ أَيْضًا، أو يَكُونُ كَرِهَ صَومَ يومٍ مُفْرَدٍ فأرادَ أنْ يَصِلَهُ بيومٍ غيرِهِ، أو يكونُ أَرَادَ بالتَّاسِعِ مَا كَانَ يَذْهَبُ إِلَيْهِ ابنُ عَبَّاسٍ أنَّه العَاشِرُ.
ثَالِثُهَا: مِنَ الغريبِ مَا فِي «تفسيرِ أبي اللَّيثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ» أنَّ عَاشُوْرَاءَ الحَادِي عَشَرَ، وحَكَاهُ المُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا.
رَابِعُهَا: تَاسُوعَاءُ وعَاشُوْرَاءُ ممدودانِ، وحُكِيَ قصرُهما ويُقَالُ: عَشُورَاءُ ذَكَرَهُ ابنُ سِيْدَهْ، والخِلَافُ السَّالِفُ فِي تعيينِهِ ذَكَرَهُ أهلُ اللُّغَةِ، قَالَ اللَّيثُ فِيْمَا حَكَاهُ الأَزْهَرِيُّ فِي «تهذيبِه»: هُوَ العَاشِرُ، وعَنِ المُزَنِيِّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ التَّاسِعَ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: كأنَّه تَأَوَّلَ عِشْرَ الوِرْدِ أنَّها تسعةُ أَيَّامٍ، وهُوَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّيْثُ عَنِ الخليلِ وليسَ ببعيدٍ عَنِ الصَّوَابِ، وقَالَ ابنُ دِحْيَةَ فِي حَدِيْثِ الحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ السَّالِفِ: روايتُه مضطربةٌ ولَا يَصِحُّ مَعَ الاضطرابِ شيءٌ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: فِيْهِ لِيْنٌ، وكَذَلِكَ أعرضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ، والصَّحِيحُ روايةُ مُسْلِمٍ: ((لَئِنْ بَقِيتُ / إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ)).
وقَالَ صَاحِبُ «العينِ»: هُوَ العَاشِرُ، وقِيْلَ: التَّاسِعُ، وقَدْ أَسْلَفْنَاهُ، ومَنْ أنكرَ هَذَا القَولَ احتَجَّ بأنَّه لو كَانَ التَّاسِعَ لكَانَ يُقَالُ لَهُ: التَّاسُوعَاءُ، وعَنْ سِيْبَوَيْهِ: هُوَ عَلَى مِثَالِ فَاعُولَاءَ، وقَالَ ابنُ سِيْدَهْ: هُوَ العَاشِرُ، وفي «الجَامِعِ»: سُمِّيَ فِي الإسلامِ ولَمْ يُعْرَفْ فِي الجاهليَّةِ، قَالَ الخليلُ: بَنَوْهُ عَلَى فَاعُولَاءَ ممدودًا لأنَّها كلمةٌ عِبْرَانِيَّةٌ، وقَالَ ابنُ دُرَيْدٍ فِي «الجَمْهَرَةِ»: هُوَ اسمٌ إسلاميٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الجاهليَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي كلامِهم فاعولاءُ. قُلْتُ: غَرِيْبٌ فَقَدْ نَطَقَ بِهِ الشَّارِعُ وأصحابُه أنَّه كَانَ يُسَمَّى فِي الجاهليَّةِ الجَهْلَاءِ بِهِ ولَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ، وقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: سَمِعْتُ العَرَبَ تَقُولُ: خَابُورَاءُ، وقَالَ ابنُ بَرِّيٍّ: قَدْ جَاءَ فَاعُولَاءُ غيرُ عَاشُوْرَاءَ وهِيَ ضاروراءُ بمعنى: الضُّرِّ، وساروراءُ بمعنى: السُّرُورِ، ودالولاءُ بمعنى: الدَّالَّةِ، وخابوراءُ: اسمُ مَوْضِعٍ.
وفي «تثقيفِ اللِّسَاِن» لِلْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَاِنِّي أنَّه بالقَصْرِ، وذَكَرَ سِيْبَوَيْهِ فِيْهِ المَدَّ والهَمْزَ، وأهلُ الحديثِ لم يَضْبِطُوهُ، وإِنَّمَا ترَكَوُهُ عَلَى القَصْرِ وتَرْكِ الهَمْزِ، وقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: عَاشُوْرَاءُ وَزْنُهُ فاعولاءُ، وهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ المُؤَنَّثِ وهُوَ صِفَةٌ للَّيلَةِ، واليومُ مضافٌ إليها، وعَلَى مَا حَكَاهُ الخليلُ أنَّه التَّاسِعُ يَكُونُ صِفَةً لِلْيَومِ، فيُقَالُ: يومٌ عَاشُوْرَاءُ، وينبغي ألَّا يُضَافَ إِلَى اليومِ؛ لأنَّ فِيْهِ إضافةَ الشَّيءِ إِلَى نَفْسِهِ، ومَنْ جَعَلَ عَاشُوْرَاءَ صِفَةً لِلَّيلَةِ فَهُوَ أصحُّ فِي اللُّغَةِ وهُوَ قَوْلُ مَنْ يَرَى أنَّه العَاشِرُ.
خَامِسُهَا: خُصَّ هَذَا اليَومُ بِخَصَائِصَ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: سِتَّ عَشْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْها، ويَحْضُرُنا منها: نَصْرُ مُوْسَى وفَلْقُ البَحْرِ لَهُ وغَرَقُ فِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ، واستواءُ سَفِينَةِ نوحٍ عَلَى الجُوْدِيِّ وأُغْرِقَ قَومُهُ، ونَجَا يُوْنُسُ مِنْ بطنِ الحوتِ وتَابَ عَلَى قَوْمِهِ، وتَابَ عَلَى آدمَ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ، وأنَّ مَنْ أصبحَ ولَمْ يُبَيِّتْ صِيَامَهُ أنَّه يَصُومُهُ كَذَا وَقَعَ أوَّلًا، قَالَ ابنُ حَبِيْبٍ: وفِيْهِ أُخْرِجَ يُوسُفُ مِنَ الجُبِّ، ووُلِدَ فِيْهِ عِيْسَى، ويومٌ تَابَ اللهُ فِيْهِ عَلَى قومٍ، ويَتُوبُ فِيْهِ عَلَى آخرينَ.
ورَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَكِبَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ فِي رَجَبٍ فِي عَشْرٍ بَقِيْنَ مِنْهُ وَنَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ يومَ عَاشُوْرَاءَ، وفِيْهِ تُكْسَى الكَعْبَةُ الحَرَامُ فِي كلِّ عامٍ، ذَكَرَهُ ابنُ بَطَّالٍ عَنِ ابنِ حَبِيبٍ فِي أَشْياءَ عَدَّها، ورَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعًا: ((مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ أَوْسَعَ اللهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ))، قَالَ جَابِرٌ وأَبُو الزُّبَيْرِ وشُعْبَةُ: جَرَّبنَاهُ فوَجَدْنَاهُ كذلكَ، وقَالَه يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ وابنُ عُيَيْنَةَ أَيْضًا، ورَوَاهُ الحافظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ فِي كتابِهِ «فَضَائِلُ الأيَّامِ والشُّهُورِ» ثُمَّ قَالَ: حديثٌ حسنٌ.
سَادِسُهَا: سُمِّيَ عَاشُوْرَاءَ لِأَنَّهُ عَاشِرُ المُحَرَّمِ كَمَا سَلَفَ، أو لأنَّه عَاشِرٌ كرامةٍ أكرمَ اللهُ بِهَا هَذِهِ الأمَّةَ، أو لأنَّ اللهَ أكرمَ فِيْهِ عَشَرَةً مِنَ الأنبياءِ بِعَشْرِ كراماتٍ.
سَابِعُهَا: لأيِّ معنًى استُحِبَّ صَومُ التَّاسِعِ؟ فَقِيْلَ: لِمُخَالَفَةِ أَهْلِ الكِتَابِ فِي إفرادِ الصَّوْمِ، فَعَلَى هَذَا يُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَهُ صَومُ الحَادِي عَشَرَ، وقِيْلَ: للاحتياطِ لعَاشُوْرَاءَ؛ لاحتمالِ الغَلَطِ فِي أَوَّلِ المُحَرَّمِ فيكونُ عَاشِرًا، وقَدْ كَانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَصُومُهما خوفًا أنْ يفوتَه، وفَعَلَهُ فِي السَّفَرِ، وفَعَلَهُ ابنُ شِهَابٍ، وقِيْلَ: لأَجْلِ إِفْرادِهِ كَمَا نَهَى عَنْ صَومِ يومِ الجُمُعَةِ وَحْدَهُ، وإِذَا فَاتَهُ تَاسِعُ المُحَرَّمِ لَا يَصُومُ الحَادِي عَشَرَ، وقَالَ البَنْدَنِيْجِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ صَومُ التَّاسِعِ والعَاشِرِ، فإنْ ضُمَّ إليهما الحَادِي عَشَرَ كَانَ أكملَ، ونَقَلَهُ فِي «البحرِ» عَنْ بعضِ الأصحابِ، ونَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي «الأُمِّ»، وفِيْهِ حديثٌ فِي البَيْهَقِيِّ، ولِأَحْمَدَ أَيْضًا ولَفْظُهُ: ((صُومُوا يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا))، وصَامَ أَبُو إِسْحَاقَ يومَ عَاشُوْرَاءَ ثلاثةَ أيَّامٍ يَوْمًا قَبْلَهَ ويومًا بَعْدَهُ فِي طريقِ مَكَّةَ، وقَالَ: إنَّما أَصُومُ قبلَه وبعدَه كَرَاهِيَةَ أن يَفُوتَنِي، وكَذَا رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أنَّه قَالَ: صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وبَعْدَهُ يومًا، وخَالِفُوا اليَهُودَ.
ثامنُها: اليومُ الَّذِي نَجَّى اللهُ فِيْهِ مُوْسَى هُوَ عندَ اليَهُودِ العَاشِرُ مِنْ تِشْرِيْنَ لَا يَتَغَيَّرُ عندَهم بحسبِ الكُبسِ والبسطِ، فيأتي تارةً فِي المُحَرَّمِ وأُخْرَى فِي رَمَضَانَ وغيرِه لِعِلَّةِ دورانِ الشُّهُورِ القَمَرِيَّة؛ لأنَّ الشُّهُورَ عندَهم شَمْسِيَّةٌ والسِّنِينَ عَلَى أحكامِ السَّنَةِ القَمَرِيَّةِ، وتزيدُ السَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ عَلَى القَمَرِيِّة أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وكسرٍ، فالسَّنَةُ الأُولَى عندَهم اثنا عَشَرَ شهرًا، والثَّانِيَةُ كَذَلِكَ ثُمَّ كبسُوا الثَّالِثَةَ، فجَبَرُوا فِيْهَا مَا نَقُصَ مِنْ عِدَّةِ الشُّهُورِ القَمَرِيَّةِ، فتَكُونُ الثَّالِثَةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شهرًا، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابنُ دِحْيَةَ فِي «عُلَمِهِ».
تَاسِعُها: مَا وَرَدَ فِي صَلَاةِ ليلةِ عَاشُوْرَاءَ ويومِ عَاشُوْرَاءَ، وفي فَضْلِ الكُحْلِ يومَ عَاشُوْرَاءَ لَا يَصِحُّ، ومِنْ ذَلِكَ حديثُ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: ((مَنِ اكْتَحَلَ بِالإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ لَمْ يَرْمَدْ أَبَدًا))، وَهُوَ حديثٌ وَضَعَهُ قَتَلَةُ الحُسَيْنِ ◙، قَالَ الإمامُ أحمدُ: والاكتحالُ يومَ عَاشُوْرَاءَ لم يُرْوَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم فِيْهِ أثرٌ، وهُوَ بِدْعَةٌ، ومِنْ أغربِ مَا رُوِيَ فِيْهِ أنَّه ◙ قَالَ فِي الصُّرَدِ: ((إِنَّهُ أَوَّلُ طَائِرٍ صَامَ عَاشُوْرَاءَ))، وهذا مِنْ قِلَّةِ الفَهْمِ؛ فإنَّ الطَّائِرَ لَا يُوصَفُ بالصَّومِ، قَالَ الحَاكِمُ: وضَعَهُ قَتَلَةُ الحُسَيْنِ ◙.