التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحجامة والقيء للصائم

          ░32▒ بَابُ الحِجَامَةِ والقَيْءِ لِلصَّائِمِ
          قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: (إِذَا قَاءَ فَلَا يُفْطِرُ إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلَا يُولِجُ). ويُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّهُ يُفْطِرُ)، والأَوَّلُ أَصَحُّ، وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعِكْرِمَةُ: (الفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ).
          وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَحْتَجِمُ وهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ، فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ، واحْتَجَمَ أَبُو مُوْسَى لَيْلًا، ويُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ وزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ وأُمِّ سَلَمَةَ: احْتَجَمُوا صِيَامًا، وقَالَ بُكَيْرٌ عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَا تَنْهَى.
          ويُرْوَى عَنِ الحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوْعًا: (أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ) وقَالَ لِي عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ مِثْلَهُ، قِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَعْلَمُ.
          1938- ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ ابنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ).
          1939- وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: <احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ>.
          1940- حَدَّثَنَا آدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: سَمِعْتُ ثَابِتًا البُنَانِيَّ: سُئِلَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ، وزَادَ شَبَابَةُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلعم.
          الشَّرْحُ: أمَّا قولُ أَبِي هُرَيْرَةَ الأوَّلُ فِي القَيْءِ أنَّه لَا يُفَطِّرُ، فقد رُوِيَ مَرْفُوْعًا مِنْ حديثِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: ((مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ))، رَوَاهُ أصحابُ السُّنَنِ الأربعةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيْبٌ، وصَحَّحَهُ / ابنُ حِبَّانَ والدَّارَقُطْنِيُّ والحَاكِمُ، وقَالَ البُخَارِيُّ: لَا يُعرَفُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، ولَا أُرَاهُ مَحْفُوْظًا. ورَوَى مُعَاوِيَةُ بنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِيْ عُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ أنَّه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ((إِذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فَلَا يُفْطِرُ فإِنَّمَا يُخْرِجُ وَلَا يُدْخِلُ))، وهذا عندَهم أصحُّ مَوْقُوْفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
          وقَدْ قَامَ الإجماعُ عَلَى أنَّ مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، ونَقَلَ ابنُ الْمُنْذِرِ الإجماعَ أنَّ الاستقاءةَ مُفَطِّرةٌ، ونَقَلَ العَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أنَّه قَالَ: مَنْ تَقَيَّأَ فَاحِشًا أَفْطَرَ. وقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: اختُلِفَ فِيْمَن اسْتَقَاءَ فأَفْطَرَ، قَالَ اللَّيْثُ والثَّوْرِيُّ والأَرْبَعَةُ بِالقَضَاءِ، وعَلَيْهِ الجُمْهُوْرُ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وابنِ عُمَرَ وأَبِي هُرَيْرَةَ، وعَنِ ابنِ مَسْعُوْدٍ وابنِ عَبَّاسٍ أنَّه لَا يُفْطِرُ، لكنْ فِي «ابنِ أَبِي شَيْبَةَ» بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه: ((إِذَا تَقَيَّأَ أَفْطَرَ))، ونَقَلَ ابنُ التِّيْنِ عَنْ طَاوُسٍ عَدَمَ القضاء، قَالَ: وبِهِ قَالَ ابنُ بُكَيْرٍ، وقَالَ ابنُ حَبِيْبٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي التَّطوُّعِ دُونِ الفَرْضِ، وقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهِ أَيْضًا الكَفَّارَةُ مِثْلَ كَفَّارَةِ الآكِلِ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ، وهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، واحْتَجُّوا بحديثِ أبي الدَّرْدَاءِ: أنَّه ◙ ((قَاءَ فَأَفْطَرَ))، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ وغَيْرُهُمَا، وأُعِلَّ.
          قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ، قَالُوا: وإِذَا كَانَ القَيْءُ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ فَعَلَىَ مَنْ تَعَمَّدَه مَا عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الأَكْلَ والشُّرْبَ والجِمَاعَ، وتَأَوَّلَهُ الفقهاءُ عَلَى أنَّ معنى ((قَاءَ)) استقاءَ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ويجوزُ أَنْ يَكُوْنَ قولُه: ((قَاءَ فَأَفْطَرَ)) أي: قَاءَ فَضَعُفَ فأَفْطَرَ، وقَدْ رَوَى فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ: أَنَّهُ ◙ دَعَا بِإناءٍ فَشَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هَذَا يَوْمٌ كُنْتَ تَصُومُه؟ قَالَ: ((أَجَلْ إِنِّي قِئْتُ فَأَفْطَرَتُ))، وهَذَا مَعنَاهُ: ولكنِّي قِئْتُ فَضَعُفْتُ عَنِ الصِّيَامِ فأَفْطَرَتُ، وليسَ فِي هذينِ الحديثينِ أنَّ القَيءَ كانَ مُفَطِّرًا لَهُ، إنَّما فِيْهِمَا أنَّه قَاءَ فأَفْطَرَ بعدَ ذَلِكَ، وقولُه: ((إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلَا يُولِجُ)) يَصِحُّ كَمَا قَالَ ابنُ التِّيْنِ فِي غَيْرِ المَنِيِّ لأنَّ المَنِيَّ يُلْتَذُّ بخُرُوجِهِ.
          وأَمَّا أَثَرُ ابنِ عَبَّاسٍ: ((الفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ)) فأَخْرَجَهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيْعٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي الحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ فقَالَ: ((الفِطْرُ مِمَّا يَدْخُلُ وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ)) زَادَ البَيْهَقِيُّ: ((وَالوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ))، وأمَّا أَثَرُ عِكْرِمَةَ مثلُه فأَخْرَجَهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْهُ بِهِ، وقَدْ أسلفنا فِي بَابِ: مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوْءَ إِلَّا مِنَ المَخْرَجَيْنِ، أنَّه رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وابنِ عَبَّاسٍ: ((الوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ))، وأنَّه رُوِيَ مَرْفُوْعًا عنهما ولَا يَثْبُتُ، قَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أنَّ الأثفالَ الخارجةَ مِنَ البَدَنِ جميعًا _نَجِسَةً كَانَتْ أو غيرَها_ أنَّها لَا تُفَطِّرُ بخروجُها مِنَ البَدَنِ، كَذَلِكَ الدَّمُ فِي الحِجَامَةِ وغيرِها.
          وأَثَرُ ابنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوْبَ عَنْ نَافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ كان... فَذَكَرَهُ. وحَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بنِ الغَازِ، وحَدَّثَنَا ابنُ إِدْرِيْسَ عَنْ يَزِيْدَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ بزيادةِ: ((فَلَا أَدْرِي لِأَيِّ شَيْءٍ تَرَكَهُ كَرِهَهُ أَوْ لِضَعْفٍ))، وهُوَ فِي «المُوَطَّأِ» عَنْ نَافِعٍ: ((أَنَّهُ احْتَجَمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ، حَتَّى يُفْطِرَ)).
          وأَثَرُ أَبِي مُوْسَى أَخْرَجَهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوْسَى _وهُوَ أَمِيرُ البَصْرَةِ_ مَسَاءً فوَجَدتُه يَأْكُلُ تَمْرًا وكَامَخًا وقَدِ احْتَجَمَ، فقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَحْتَجِمُ بنهارٍ؟ قَالَ: أَتَأْمُرُنِي أَنْ أُهَرِيْقَ دَمِي وأنا صائمٌ، وأَخْرَجَهُ الحَاكِمُ فِي «مُسْتَدْرَكِهِ» مِنْ طريقِ مَطَرٍ عَنْ بَكْرِ بنِ عبدِ اللهِ قَالَ: عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوْسَى...، فَذَكَرَهُ، وفي آخِرِهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يقولُ: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))، ثمَّ قَالَ: صحيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وقَالَ ابنُ المَدِيْنِيِّ: صحيحٌ، وخَالَفَ النَّسَائِيُّ فَقَالَ: خَطَأٌ، وقَدْ رُوِيَ مَوْقُوْفًا، وفِيْهِ اختلافٌ، ووَقَفَهُ حَفْصٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مَطَرٍ ولَمْ يَرْفعْهُ، وتَرَدَّدَ أَبُو زُرْعَةَ فِي وَقْفِهِ ورَفْعِهِ، وقَضَى أَبُو حَاتِمٍ بوَقْفِهِ.
          وأَثَرُ سَعْدٍ _وهُوَ ابنُ أَبِي وَقَّاصٍ_ فِيْمَا ذَكَرَهُ البَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ عَنْ يُوْنُسَ عَنْ أَبِي الخَصِيْبِ عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عَنْهُ، وفي «المُوَطَّأِ» عَنِ ابنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَحتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: ورَوَاهُ عَفَّانُ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زيادٍ عَنْ عُثْمانَ بنِ حَكِيْمٍ عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ أبي يَحتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، وإسنادُه صحيحٌ فلا ينبغي أنْ يُمَرَّضَ كَمَا فَعَلَ البُخَارِيُّ.
          وأَثَرُ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ أَخْرَجَهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عن يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ عَنْ يُونُسَ بنِ عَبْدِ اللهِ الجَرْمِيِّ عَنْ دِيْنَارٍ قَالَ: حَجَمْتُ زَيْدَ بنِ أَرْقَمَ وَهُوَ صَائِمٌ.
          وأَثَرُ أمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ أخبرَنا سُفْيَانُ عَنْ فُرَاتٍ عَنْ مَوْلًى لأمِّ سَلَمَةَ: أنَّه رَأَى أمَّ سَلَمَةَ تَحتَجِمُ وَهِيَ صَائِمَةٌ، قَالَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ: ورَوَاهُ شَرِيْكٌ، عَنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ، عَنْ قَيْسِ بنِ أبي حَازِمٍ قَالَ: رَأَيتُ أمَّ سَلَمَةَ...، الحديثَ، فقَالَ: أبي هَذَا خَطَأٌ، إنَّما هُوَ فُرَاتٌ مَوْلَى أمِّ سَلَمَةَ عنها.
          وبُكَيْرٌ في أَثَرِ عَائِشَةَ هُوَ ابنُ الأَشَجِّ، وأمُّ عَلْقَمَةَ هِيَ أمُّ ابنِ أبي عَلْقَمَةَ، سمَّاها البُخَارِيُّ فِي بعضِ الأصولِ: مَرْجَانَةَ، وكَذَلِكَ ابنُ حِبَّانَ لَمَّا ذَكَرَهَا فِي «ثِقَاتِهِ»، ورَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ عنها عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم، وعَنْ عَطَاءٍ وعُرْوَةَ مَوْقُوْفًا عَلَيْهَا.
          وأَمَّا حَدِيْثُ الحَسَنِ وغيره فأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ زكريَّا بنِ يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بنِ عليٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ عَنْ أَبِي حُرَّةَ عَنِ الحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ)) قُلْتُ: عَمَّنْ؟ قَالَ: عَنْ غيرِ واحدٍ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلعم عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          وحَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بنِ منصورٍ عَنْ بِشْرِ بنِ السَّرِيِّ، وعَنْ أَبِي بَكْرِ بن عليٍّ عَنْ شُرَيْحِ بنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي قَطَنٍ، كلاهما عَنْ أَبِي حُرَّةَ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ غيرِ واحدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، ولَمْ يَقُلْ عَنِ النَّبِيِّ صلعم، قَالَ: وعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ مُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيْهِ عَنِ الحَسَنِ كَذَلِكَ.
          وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أبي عليٍّ عَنْ يعقوبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ / عَن الحَسَنِ قوله. وسَاقَهُ البَيْهَقِيُّ مِنْ طريقِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ: حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي عَيَّاشٌ فَذَكَرَهُ، ثمَّ سَاقَهُ مِنْ حديثِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: حدَّثنا المُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيْهِ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِهِ.
          قَالَ عَلِيٌّ: رَوَاهُ يُوْنُسُ عَنِ الحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _أي كَمَا أَسْلَفْنَاهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ_ ورَوَاهُ قَتَادَةُ عَنِ الحَسَن عَنْ ثَوْبَانَ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيْثِ اللَّيْثِ عَنْهُ، وقَالَ: مَا عَلِمْتُ أنَّ أَحَدًا تابَعَ اللَّيثَ عَلَى روايتِه. وقَالَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيْهِ إِنَّه خَطَأٌ، ورَوَاهُ قَتَادَةُ عَنِ الحَسَنِ مُرسَلًا، ورَوَاهُ أَشْعَثُ عَنِ الحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ.
          وأَمَّا حَدِيْثُ ثَوْبَانَ فإنَّ ابنَ أبي عَرُوبَةَ يَرْوِيْهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنْهُ، ورَوَاهُ بُكَيْرُ بنُ أَبِي السَّمِيْطِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابنِ أَبِي الخَضِيْبِ عَنْ مَعْدَانَ عَنْ ثَوْبَانَ، ورَوَاهُ يزيدُ بنُ هَارُونَ عَنْ أَيُّوْبَ عَنْ أَبِي العَلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرٍ عَنْ بِلَالٍ، ورَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ. وقولُ مكحولٍ حَدَّثَنِي شيخٌ مِنَ الحيِّ هُوَ ابنُ أَسْمَاء. وقَالَ الحَازِميُّ عَنِ التِّرْمِذِيِّ: سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا، قَالَ: هُوَ حديثٌ حَسَنٌ، وقَالَ الحَاكِمُ _لَمَّا رَوَاهُ مِنْ حديثِ الأَوْزَاعِيِّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أبي كَثِيْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاء حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ_: صحيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. ورَوَاهُ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ عَنِ الحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ، ورَوَاهُ مَطَرٌ عَنِ الحَسَنِ عَنْ عليٍّ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، ورَوَاهُ ابنُ شَاهِينٍ مِنْ حَدِيثِ الحَارِثِ عَنْهُ بِلَفْظِ: ((نَهَانِي أَنْ أَحْتَجِمَ وَأَنَا صَائِمٌ))، وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حديثِ سُلَيْمَانَ بنِ مُعَاذٍ وفُضَيلٍ عَنْ عَطَاءٍ، وقَالَ: كَانَ عَطَاءٌ اخْتَلَطَ، ولَا نَعْلَمُ أنَّ أحدًا رَوَى هَذَا الحديثَ عَنْهُ غيرَ هذينِ عَلَى اختلافِهما عَلَيْهِ، ففُضَيْلٌ يَقُولُ: مَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ، وسُلَيمانُ يَقُولُ: يَسَارٍ. قَالَ البَيْهَقِيُّ: ورَوَاهُ أَشْعَثُ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَةَ عَنْ سُلَيْمِ بنِ أَخْضَرَ عَنْهُ، وقَالَ: لمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ عَلَى رِوايَتِهِ، وفِيْهِ اختلافٌ عَنِ الحَسَنِ، وقَالَ الحَاكِمُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ سَعيدٍ: صَحَّ عِنْدِي حديثُ ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ)) لِحَدِيْثِ ثَوْبَانَ وشَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وأَقُولُ بِهِ، وسَمِعْتُ أَحْمَدَ يقولُ بِهِ، ويَذْكُرُ أنَّه صَحَّ عندَه حديثُ ثَوْبَانَ وشَدَّادٍ، ولَفْظُهُ فِي حديثِ ثَوْبَانَ: ((بَيْنَا النَّبِيُّ صلعم يَمْشِي بِالبَقِيعِ فِي رَمَضَانَ))، وحديثُ شَدَّادٍ مثلُه، زَادَ: ((وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ)).
          وفي «عِلَلِ التِّرْمِذِيِّ» عَنْ مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي هَذَا البابِ شيءٌ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ وثَوْبَانَ، قُلْتُ لَهُ: كيفَ بِمَا فِيْهِمَا مِنَ الاضطرابِ؟ فقَالَ: كلاهما عِنْدِي صحيحٌ؛ لأنَّ يَحْيَى بنَ أبي كَثِيرٍ رَوَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أسماءَ عَنْ ثَوْبَانَ، وعَنْ أَبِي الأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادٍ رَوَى الحديثينِ جميعًا، قَالَ أَبُو عِيْسَى: وهكذا ذكرُوا عَنْ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ، قَالَ: وسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ أحاديثِ الحَسَنِ فِي هَذَا البابِ فقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مِنْ غيرِ واحدٍ، قُلْتُ: حديثُه عَنْ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ أَصَحُّ أَوِ ابنِ سِنَانٍ؟ فقَالَ: سِنَانٌ أَصَحُّ، ولَمْ نَعْرِفْهُ إلَّا مِنْ حَدِيْثِ ابنِ السَّائِبِ.
          وفي «سُؤَالاتِ يُوسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُوَارِزْمِيِّ» قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: فِي هَذَا غَيْرُ حَدِيْثٍ ثَابِتٍ، قُلْتُ: هُوَ قَوْلُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وكَانَ مَذْهَبَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ أَيْضًا، قَالَ إِسْحَاقُ: قَدْ ثَبَتَ هَذَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم، وقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَالُوا ليَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وسَأَلُوْهُ عَنْ هَذَا، فقَالَ: لَيْسَ فِيْهَا حَدِيْثٌ يَثْبُتُ، فقَالَ: هَذَا كلامٌ مُجَازَفَةٌ. وقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِيْنٍ عَنِ الأَحاديثِ فِي كَراهَةِ الحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ كَيْفَ أَسَانِيْدُهَا؟ قَالَ: جِيَادٌ كُلُّهَا، قُلْتُ: فيَقُوْلُوْنَ: هِيَ مُضْطَرِبَةٌ، قَالَ: لا أَقُولُ إنَّها مُضْطَرِبَةٌ.
          وقَالَ الحَاكِمُ فِي «مُسْتَدْرَكِهِ» عَنْ أَحْمَدَ: حديثُ ثَوْبَانَ صحيحٌ، أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا البابِ، وقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ فِي حديثِ شَدَّادٍ: هَذَا إسنادٌ صحيحٌ تقومُ بِهِ الحُجَّةُ، وهذا الحديثُ قَدْ صَحَّ بِأَسَانِيْدَ، قَالَ الحَاكِمُ: رَحِمَ اللهُ إِسْحَاقَ فَقَدْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ لِحَدِيْثٍ ظَاهِرٍ صِحَّتُهُ وقَالَ بِهِ، وقَدِ اتَّفَقَ الثَّوْرِيُّ وشُعْبَةُ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنِ ابنِ قِلَابَةَ، وقَالَ ابنُ المَدِيْنِيِّ: حديثُ شَدَّادٍ رَوَاهُ عاصمٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، ورَوَاهُ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيْرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ، ولَا أَرَى الحَدِيثَيْنِ إِلَّا صَحِيْحَيْنِ، وقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَهُ منهما جميعًا. وقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أحمدَ أيُّ حديثٍ أَصَحُّ فِي ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))؟ فقَالَ: حديثُ ابنِ جُرَيْجٍ عَنْ مَكْحُوْلٍ عَنْ شَيْخٍ مِنَ الحَيِّ مُصَدَّقٍ عَنْ ثَوْبَانَ، وقَالَ البَيْهَقِيُّ فِي «المَعْرِفَةِ» _لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ عَلِيٍّ_: زَعَمَ غَيْرُهُ أَنَّ حَدِيْثَ أَبِي أَسْمَاءَ وَهْمٌ، والمَحْفُوظُ حديثُ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادٍ، وحديثُه عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ. ثُمَّ ذَكَرَ الحَاكِمُ حَدِيْثَ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَارِظٍ عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ عَنْ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ رَفَعَهُ: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))، وفِي لَفْظٍ: ((وَالمُسْتَحْجِمُ))، وقَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ عَبْدِ العَظِيْمِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِي الحَاجِمِ وَالمَحْجُوْمِ حَدِيثًا أَصَحَّ مِنْ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: تَابَعَهُ مُعَاوِيَةُ بنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى قَالَ: ولْيَعْلَمْ طَالِبُ هَذَا العِلْمِ أَنَّ الإِسْنَادَينِ ليَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا أَحْمَدُ بِالصِّحَّةِ، وحَكَمَ ابنُ المَدِيْنِيِّ لِلْآخَرِ بِالصِّحَّةِ، ولَا يُعَلَّلُ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وهُوَ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
          ولَمَّا سَأَلَ التِّرْمِذِيُّ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: هُوَ غيرُ محفوظٍ، قَالَ: وسَأَلْتُ إِسْحَاقَ بنَ مَنْصُورٍ عَنْهُ، فأَبَى أنْ يُحَدِّثَ بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وقَالَ: هُوَ غَلَطٌ. قُلْتُ لَهُ: مَا عِلَّتُه؟ قَالَ: رَوَى الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قَارِظٍ عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ عَنْ رَافِعِ بنِ خَدَيْجٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: ((كَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيْثٌ))، الحديثَ. ولَمَّا ذَكَرَهُ فِي «جَامِعِهِ» حَسَّنَهُ، وفي بعضِ النُّسَخِ زيادةُ: صحيحٌ، وقَالَ: ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أنَّه قَالَ: أصحُّ شيءٍ فِي هَذَا البابِ حديثُ رافعٍ، وذَكَرَ ابنُ حِبَّانَ فِي «صحيحِه» حديثَ رافعٍ وثَوْبَانَ وشَدَّادٍ، ثمَّ قَالَ: سَمِعَ أَبُو قِلَابَةَ هَذَا الخَبَرَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ، وسَمِعَهُ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عن شَدَّادٍ، وهما طريقانِ محفوظانِ، وقَدْ جَمَعَ شَيْبَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحمَنِ بينَ الإسنادينِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، وعَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، / عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ شَدَّادٍ، بلفظِ: ((كُنْتُ أَمْشِيْ مَعَ النَّبيِّ صلعم فِي البَقِيْعِ زَمَانَ الفَتْحِ))، وفِي لَفْظٍ: ((مَرَّ بِمَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ صَبِيْحَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ)).
          وقَالَ ابنُ حَزْمٍ: صَحَّ مِنْ طريقِ ثَوْبَانَ وشَدَّادٍ ومَعْقِلِ بنِ سِنَانٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ ورَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ وغيرِهم عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم أنَّه قَالَ: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ)) فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهِ إِلَّا أنْ يَصِحَّ نَسْخُهُ.
          وقَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: صَحَّحَ أَهْلُ العِلْمِ بالحديثِ حَدِيْثَ رَافِعٍ وثَوْبَانَ وشَدَّادٍ، وهِيَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا المَعْنَى، وأَمَّا حَدِيْثُ أُسَامَةَ ومَعْقِلٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ فَمَعْلُوْلَةٌ كُلُّها لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شيءٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي «عِلَلِهِ» وقَالَ فِي حديثِ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ: عِنْدِي بَاطِلٌ.
          وَرَوَى ابنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوْعًا: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))، ثُمَّ قَالَ: حِجَامَةُ سَعْدٍ وهُوَ صَائِمٌ تُضَعِّفُ هَذَا الحديثَ. قَالَ: وقَدْ أَنْكَرُوهُ عَلَى مَنْ رَوَاهُ عَنْ سَعْدٍ لِمَا جَاءَ عَنْهُ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ شِهَابٍ وغَيْرِهِ: أنَّه كَانَ يَحْتَجِمُ وهُوَ صَائِمٌ، وهُوَ حديثٌ انفردَ بِهِ دَاوُدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ _وهُوَ متروكٌ_ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم. قَالَ: وقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ وابنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا لَا يَصِحُّ عنهما، بَلِ الصَّحِيحُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ. ولِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ الرَّحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم: ((نَهَى عَنِ الحِجَامَةِ وَالمُوَاصَلَةِ لِلصَّائِمِ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا إِبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ))، ولابنِ أَبِي شَيْبَةَ: ((رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ)).
          وفِي «عِلَلِ ابنِ أَبِي حَاتِمٍ»: سَأَلْتُ أَبي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ ابنُ بُرقَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أنَّ النَّبيَّ صلعم: ((أَمَرَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهُ فِي رَمَضَانَ مَعَ غَيبُوبَةِ الشَّمْسِ))، فقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، ولَعَلَّ بينهما رَجُلًا ضَعِيفًا. وذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بلفظِ: ((احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَهُوَ صَائِمٌ))، وأَشَارَ إِلَى ضعفِه، وحَدِيْثُ ابنِ عَبَّاسٍ في أنَّه ◙: ((احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ))، فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ، وكَذَا حديثُ أَنَسٍ بَعْدَهُ، ولَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ احتِجَامَ الصَّائِمِ ورُوِيَ مُرْسَلًا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَاهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ أَيُّوْبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، لم يَذْكُرِ ابنَ عَبَّاسٍ، ورَوَاهُ الإِسْمَاعِيْلِيُّ مِنْ حَدِيْثِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوْبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بإسقاطِه أَيْضًا. وعِنْدَ ابنِ أَبِي حَاتِمٍ رَوَاهُ شَرِيْكٌ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وقَالَ: قَالَ أبي: هَذَا خَطَأٌ، أخطأَ فِيْهِ شَرِيْكٌ، ورَوَاهُ جماعةٌ فَلَمْ يَذْكُرُوا: ((صَائِمًا مُحْرِمًا))، إنَّما قَالُوا: ((احْتَجَمَ وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ))، فحَدَّثَ شَرِيْكٌ بِهِ مِنْ حِفْظِهِ، وقَدْ كَانَ شيئًا حَفِظَهُ فَغَلِطَ فِيْهِ. وفي حديثِ عُبَيْدِ بنِ إِسْحَاقَ عَنْ قَيْسِ بنِ الرَّبيعِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((وُثِئَتْ رِجْلُ رَسُولِ اللهِ صلعم فَحَجَمَهَا وَهُوَ مُحْرِم))، قَالَ: قُلْتُ لأبي زُرْعَةَ: الوَهْمُ مِنْ قَيْسٍ أَوْ مِنْ عُبَيْدٍ؟ فقَالَ: مَا أَدرِي؛ مَا كَانَ عُبَيْدٌ بِذَلِكَ الثَّبْتِ، قُلْتُ: فَأَحَدٌ يَقُولُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا أَعلَمُهُ غَيْرَ قَيْسٍ.
          وَرَوَى ابنُ سَعْدٍ مِنْ حديثِ شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم احْتَجَمَ بِالقَاحَةِ وَهُوَ صَائِمٌ))، وكَذَا رَوَاهُ أَبُو السَّوَّارِ السُّلَمِيُّ عَنْ أَبِي حَاضِرٍ عَنْهُ، ورَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ومَبْدُوْلٌ وغيرُهما عَنْ يَزِيْدَ بنِ أبي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْهُ: أنَّه ◙ احْتَجَمَ وَهُوَ صائمٌ، ورَوَاهُ الحَجَّاجُ عَنِ الحَكَمِ بِهِ: احْتَجَمَ وَهُوَ صائِمٌ فَغُشِيَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ، فَلِذَلِكَ كُرِهَتِ الحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ.
          قَالَ عِكْرِمَةُ: فَنَافَقَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ، وفي «المُغْنِي»: رَوَى الجُوْزَجَانيُّ زيادةً فيهِ: ((فَوَجَدَ لِذَلِكَ ضَعْفًا شَدِيدًا فَنَهى رَسُولُ اللهِ صلعم أَنْ يَحْتَجِمَ الصَّائِمُ))، ولابنِ سَعْدٍ أَيْضًا مِنْ حديثِ هِلَالِ بنِ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم: ((احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، مِنْ أَكْلَةٍ أَكَلَهَا مِنْ شَاةٍ سَمَّتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَلَمْ يَزَلْ شَاكِيًا))، ومِنْ حديثِ عَطَاءٍ ومُجَاهِدٍ أنَّه ◙: ((احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ)). وفي «كِتَابِ المَيْمُوْنِيِّ» عَنْ شُعْبَةَ: لم يَسْمَعِ الحَكَمُ حديثَ مِقْسَمٍ فِي الحِجَامَةِ، وقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أحمدَ عَنْ حديثِ حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ عَنْ مَيْمُونٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه ◙: ((احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ))؟ فقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، فقد أَنْكَرَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ على الأَنْصَاريِّ، وإِنَّمَا كَانَتْ أَحاديثُ مَيْمُونٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ نحوَ خَمْسَةَ عَشَرَ حديثًا، وقَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عبدِ اللهِ ذَكَرَ هَذَا الحديثَ فَضَعَّفَهُ، قَالَ مُهَنَّا: وسَأَلْتُهُ عَنْ حديثِ قَبِيْصَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ مثله. فقَالَ: هُوَ خَطَأٌ مِنْ قِبَلِ قَبِيْصَةَ، وقَالَ يَحْيَى: هُوَ خَطَأٌ مِنْ قِبَلِهِ، وقَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ لِي أحمدُ: هُوَ فِي «كِتَابِ الأَشْجَعِيِّ» عَنِ ابنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلٌ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلعم اِحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ))، لَا يَذْكُرُ فيه: ((صَائِمًا)). قَالَ مُهَنَّا: وسَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيْثِ ابنِ عَبَّاسٍ: ((احْتَجَمَ ◙ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ))؟ فقَالَ: لَيْسَ فِيْهِ: ((صَائِمٌ))، إنَّما هُوَ ((مُحْرِمٌ))، رَوَاهُ أَصحَابُ ابنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ، وَلَا يَذْكُرُونَ صَائِمًا.
          وقَالَ أَبُو عُمَرَ: وحَسْبُكَ بِحَدِيْثِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، فإنَّه لَا مَدْفَعَ فِيْهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ العِلْمِ بِالحَدِيْثِ، وكَانَ ذَلِكَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ فِيْمَا صَحَّ عَنْهُ، وفي «الأَوْسَطِ» مِنْ حَدِيْثِ جَابِرٍ: ((أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم أَبَا طَيْبَةَ فَوَضَعَ المَحَاجِمَ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، ثُمَّ أَمَرَهُ مَعَ إِفْطَارِ الصَّائِمِ فَحَجَمَ)).
          وأَمَّا حَدِيْثُ أَنَسٍ فَسَلَفَ أنَّه مِنْ أَفْرَادِهِ، وأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ العَسْقَلَانِيِّ: حدَّثنا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ثابتًا عَنْ أَنَسٍ، ومِنْ حَدِيْثِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ القَلَانِسِيِّ بمثلِه. وأَخْرَجَهُ الإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ حديثِ مُحَمَّدٍ هَذَا قَالَ: ورَوَاهُ عليُّ بنُ سَهْلٍ / عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، قَالَ: وفِيْهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ آدَمَ، وفي «مُصَنَّفِ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ» مِنْ حَدِيْثِ حُمَيْدٍ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنِ الحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ فقَالَ: مَا كنَّا نَحْسِبُ يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا جُهْدُهُ، ولِمَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيْثِ آدَمَ بِهِ قَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي «الصَّحِيْحِ» بإسْقَاطِ حُمَيْدٍ، قَالَ: والصَّحِيحُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ آدَمَ.
          وفي «سؤالاتِ حَنْبَلٍ»: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ عَنْ ياسينَ الزَّيَّاتِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم احتَجَمَ فِي رَمَضَانَ)) بعدما قَالَ: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الرَّجُلُ أُرَاهُ أَبَانَ بنَ أَبِي عَيَّاشٍ. فقَالَ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: رَوَى مُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَن السُّدِّيِّ عَنْ أَنَسٍ: أنَّه ◙ ((احتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ)) فأنكرَ هذا، ثمَّ قَالَ: السُّدِّيُّ عَنْ أَنَسٍ؟ قُلْتُ: نعم، فعَجِبَ مِنْ هذا، ولابنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حديثِ الحَسَنِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عَلِيِّ بنِ غُرَابٍ عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ: ((أَنَّهُ ◙ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ))، وقَالَ: قَالَ أبي: هَذَا حديثٌ باطلٌ.
          ولِلدَّارَقُطْنِيِّ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ الحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أنَّ جَعْفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صائمٌ، فمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلعم فقَالَ: ((أَفْطَرَ هَذَانِ))، ثمَّ رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلعم بعدُ فِي الحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صائمٌ، وقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ولَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً. وفي «الأوسطِ» مِنْ حَدِيْثِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم بعدما قَالَ: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ)). وقَالَ: لم يَرْوِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ إلَّا أَبُو سُفْيَانَ _طَرِيْفٌ السَّعْدِيُّ_ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ. ولابنِ أبي عَاصِمٍ مِنْ حديثِ مَسْرُوْقٍ عَنْ عَائِشَةَ: أنَّه ◙ ((احتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ))، ومِنْ حديثِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوْعًا مثله، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِيْمَا نَقَلَهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ: هَذَا خطأٌ؛ فِي كتابِ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ بإسقاطِ مُعَاذٍ مُرْسَلٌ.
          وفي «المُوَطَّأِ» عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَائِشَةَ: ((احتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَ ذَلكَ، فَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ))، ورَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيْهِ عنها.
          قَالَ الرَّازِيَّانِ: إنَّما هُوَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ عَنْ أَبِي جُزَيٍّ _وَهُوَ ضعيفٌ_ عَنْ هِشَامٍ، والحديثُ حديثُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيْهِ: ((أنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ)) ولابنِ أبي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي المُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: أنَّه ◙ ((أَرْخَصَ فِي الحِجَامَةِ))، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يعني: لِلصَّائِمِ، وأَحْسَبُ فِي حَدِيْثِ المُعْتَمِرِ: وَإِنَّمَا زَجَرَ عَنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ الضَّعْفِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَسْنَدَهُ مُعْتَمِرٌ عَنْ حُمَيْدٍ، وغَيرُهُ يَرْوِيْهِ مَوْقُوْفًا، قُلْتُ: رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ إسماعيلَ بنِ هُوْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ، فذَكَرَهُ أَيْضًا مَرْفُوْعًا، لكنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي «عِلَلِهِ» عَنِ البُخَارِيِّ: حديثُ إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ خَطَأٌ. قَالَ أَبُو عِيْسَى: وحديثُ أَبِي المُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ مَوْقُوْفًا أَصَحُّ، هكذا رَوَى قَتَادةُ وغيرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ قوله: وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ حَدَّثَنَا ابنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ _وهُوَ الطَّوِيلُ_ عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ مثله وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَقَالَ فِي «جَامِعِهِ»: أَخْبَرَنِي الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: ((أَنَّهُ احتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ))، ورُوِيَ أنَّه قَالَ: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))، ولَا أعلمُ واحدًا منهما ثابتًا، ولو تَوَقَّى رَجُلٌ الحِجَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إليَّ، ومَالَ بِمِصْرَ إِلَى الرُّخْصَةِ، واحْتَجَّ بِحَدِيْثِ ابنِ عَبَّاسٍ.
          وقَالَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّازِيَّيْنِ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، قُلْتُ: إِنَّ إِسْحَاقَ رَفَعَهُ؟ قَالَا: وَهِمَ. قُلْتُ: وتَابَعَهُ المُعْتَمِرُ؟ قَالَا: وَهِمَ فِيْهِ أَيْضًا المُعْتَمِرُ. قَالَ: وسَأَلْتُهُمَا عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عبدُ الرَّحمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ يَرْفَعُهُ: ((لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ، وَلَا مَن احْتَلَمَ، وَلَا مَن احْتَجَمَ))، ورَوَاهُ أَيْضًا أُسَامَةُ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوْعًا فقَالَا: هَذَا خَطَأٌ. رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم، وهذا الصَّحِيحُ، وأَشَارَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ، وقَالَ ابنُ حَزْمٍ: قَتَادَةُ وأَبُو النَّضْرِ أَوْقَفَاهُ عَلَى أَبِي المُتَوَكِّلِ، ومُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ أَوْقَفَهُ على الحَذَّاءِ عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ، ولكن هَذَا لَا معنى لَهُ إِذَا أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، والمُسْنِدانِ لَهُ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ وحُمَيْدٍ ثِقَتَانِ فَقَامَتْ بِهِ الحُجَّةُ، وقَالَ البَيْهَقِيُّ: المَحْفُوْظُ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ أنَّه قَالَ: ((رُخِّصَ لِلصَّائِمِ فِي الحِجَامَةِ وَالقُبْلَةِ)).
          إِذَا تَقَرَّرَ ذلك: فَفِقْهُ البَابِ فِي حُكْمِ القَيْءِ والحِجَامَةِ، وقَدْ سَلَفَ حُكْمُ القَيْءِ، أمَّا الحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ فَجُمْهُوْرُ الصَّحابَةِ والتَّابِعِيْنَ والفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّها لَا تُفَطِّرُ.
          ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّها تُفَطِّرُ، وهُوَ قولُ ابنِ المُبَارَكِ والأَوْزَاعِيِّ وابنِ مَهْدِيٍّ وأَحْمَدَ وإِسْحَاقَ وابنِ المُنْذِرِ وابنِ خُزَيْمَةَ وأَبِي الوَلِيْدِ النَّيْسَابُوْرِيِّ والحَاكِمِ، واحتَجُّوا بالأحاديثِ السَّالِفَةِ ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))، وقَدْ صَحَّ عَنْ عليِّ بنِ المَدِيْنِيِّ والبُخَارِيِّ منها حديثُ شَدَّادٍ وثَوْبَانَ كَمَا سَلَفَ، وصَحَّحَ غَيْرَهَا غَيْرُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا، وحُجَّةُ الجَمَاعَةِ حَدِيْثُ ابنِ عَبَّاسٍ فِي البَابِ وهُوَ نَاسِخٌ لها، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وغَيْرُهُ؛ لأنَّ فِي حديثِ شَدَّادٍ كَانَ عَامَ الفَتْحِ، وحَجَّةُ الوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ. فإنْ قُلْتَ: إنَّه ◙ لم يَكُنْ مُحْرِمًا إلَّا وهُوَ مُسَافِرٌ ولَهُ أَنْ يُفْطِرَ بالحِجَامَةِ وغيرِها. قُلْتُ: الخبرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُوْنَ صَائِمًا فِي حَالِ حِجَامَتِهِ وبعدَ الفَرَاغِ، والحِجَامَةُ كالفَصْدِ وهُوَ لَا يُفَطِّرُ، ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ فِطْرُهُمَا لمعنًى آخَرَ، وقَدْ قيلَ: ((أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ)) كَمَا ذَكَرَهُ يَزِيْدُ بنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ فَحَبِطَ أَجْرُهُما بِهَا فصَارَا مُفْطِرَيْنِ، كَقَوْلِنَا: الكَذِبُ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، أي: يُحْبِطُ أَجْرَهُ، وقَدْ رُوِيَ عَنْ جماعةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ معنًى آخَرُ، رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ / قَالَ: إنَّما كُرِهَتْ لِلصَّائِمِ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ كَمَا سَلَفَ، وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وأَنَسٍ مِثْلُهُ، فَيُفْطِرُ مَنْ أَجْلِهَا بِتَنَاوُلِ المُفَطِّرِ، وقَدْ رُوِيَ هَذَا المعنى عَنْ أَبِي العَالِيَةِ وأَبِي قِلَابَةَ وسَالِمٍ والنَّخَعِيِّ والشَّعْبِيِّ والحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ. وقَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ فِيْمَا يُذْكَرُ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ: أَفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُوْمُ، فقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَجَمَ يَدَهُ، أو بَعْضَ جَسَدِهِ لَمْ يُفَطِّرْهُ ذَلِكَ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وتأويلُ أبي الأَشْعَثِ أَشْبَهُ بالصَّوَابِ؛ لأنَّ الضَّعْفَ لو كَانَ هُوَ المقصودَ بالنَّهيِ لَمَا كَانَ الحَاجِمُ داخلًا فِي ذلكَ، فَإِذَا اجتَمَعَا فِيْهِ أشْبَهَ أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ بمعنًى وَاحِدٍ هُمَا فِيْهِ سَوَاءٌ مثلِ الغِيْبَةِ الَّتِي هُمَا فِيْهَا سَوَاءٌ، كَمَا قَالَ أَبُو الأَشْعَثِ، والصَّائِمُ لَا يُفَطِّرُهُ قَطْعُ العُرُوقِ، فَكَذَا الحِجَامَةُ.
          وقَدْ أَوْضَحَ المَسْأَلَةَ الحَازِمِيُّ فقَالَ: اختَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا الباب فَقَالَ بعضُهم: يَبْطُلُ بِهَا وعَلَيْهِ القَضَاءُ، وإليه ذَهَبَ عَطَاءٌ والأَوْزَاعِيُّ وأحمدٌ وإِسْحَاقُ وتَمَسَّكُوا بأحاديثَ: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ)) ورَأَوهَا صحيحةً ثابتةً مُحْكَمَةً، وخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ والكُوْفَةِ والبَصْرَةِ والشَّامِ وقَالُوا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وقَالُوا: الحُكْمُ بِالفِطْرِ مَنْسُوْخٌ، وعَنِ الشَّافِعِيِّ: إسنادُ الحديثينِ جميعًا مُشْتَبِهٌ، وحَدِيْثُ ابنِ عَبَّاسٍ أمثلُهما إسنادًا، والَّذي أحفظُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِيْنَ وعَامَّة المَدَنِيِّينَ أنَّه لَا يُفْطِرُ أَحَدٌ بها. وقَدْ ذَهَبَ أكثرُ أهلِ العلمِ إِلَى مَا قَالَهُ الشَّاِفِعيُّ، فَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ والحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ وابنُ مَسْعُوْدٍ وابنُ عَبَّاسٍ وزَيْدُ بنُ أَرْقَمَ وابنُ عُمَرَ وأَنَسٌ وعَائِشَةُ وأُمُّ سَلَمَةَ، ومِنْ غَيْرِهِمْ: عُرْوَةُ وعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ والقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ وعِكْرِمَةُ وزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ وإِبْرَاهِيْمُ وأَبُو العَالِيَةِ وسُفْيَانُ ومَالِكٌ والشَّافِعِيُّ وأَصْحَابُهُ، إِلَّا ابنَ المُنْذِرِ.
          ومِنْ حَدِيثِ خَلَّادِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ شَقِيْقِ بنِ ثَوْرٍ _أَحْسَبُهُ عَنْ أَبِيْهِ_ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ الصَّائِمِ يَحْتَجِمُ، قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: أَفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ، ولو احتَجَمَ مَا بَالَيْتُ، قَالُوا: وهَذَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أنَّه قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ الرُّخْصَةُ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: وقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ)) لأنَّهما كَانَا يَغتَابَانِ رَجُلًا وقَالَ ذلكَ، رَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي الأَشْعَثِ عَنْ ثَوْبَانَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلعم برَجُلٍ وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ فقَالَ: ((قَدْ أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))، كذا رَوَاهُ أَبُو النَّضْرِ، ورَوَاهُ الوُحَاظِيُّ عَنْ يَزِيْدَ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ أنَّه قَالَ: إنَّما قَالَ ◙ ذَلِكَ لأنَّهما كَانَا يَغتَابَانِ. وفي «كتابِ ابن شَاهِينَ» مِنْ حديثِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ يذكرُه مُرْسَلًا، حَمَلَ الشَّافِعِيُّ الحديثَ عَلَى الغِيْبَةِ؛ لسُقُوطِ الأَجْرِ، وجَعَلَ نَظِيْرَ ذَلِكَ أنَّ بَعْضَ الصَّحابَةِ قَالَ للمتكلِّمِ يومَ الجُمُعَةِ: لَا جُمُعَةَ لَكَ، فَقَالَ ◙: ((صَدَقَ))، وَلَمْ يأمُرْه بالإعادةِ، فَدَلَّ عَلَى أنَّ ذَلِكَ محمولٌ عَلَى إسقاطِ الأجرِ، وقَالَ فِيْمَنْ أَشْرَكَ: ((حَبِطَ عَمَلُهُ))، واللهُ أَعْلَمُ أنَّه لو ابتاعَ بيعًا أو بَاعَهُ، أو قَضَى حَقًا عَلَيْهِ، أو أَعْتَقَ أو كَاتَبَ لَمْ يَحْبَطْ عَمَلُهُ وحَبِطَ أَجْرُ عَمَلِهِ.
          وذَهَبَ ابنُ خُزَيْمَةَ إِلَى البُطلَانِ فِيْمَا ذَكَرَهُ الحاكمُ عَنْهُ وقَالَ: إنَّما احتَجَمَ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لم يكنْ قطُّ مُحْرِمًا مُقِيمًا بِبَلَدِهِ، ولِلْمُسافِرِ الفِطْرُ ولو نَوَاهُ، لَا كَمَا تَوَهَّمَ بعضُهم مِنَ المنعِ فَكَذَا الحِجَامَةُ. وقَالَ ابنُ حَزْمٍ: ظَنَّ قومٌ أنَّ روايةَ ابنِ عَبَّاسٍ ناسخةٌ لخبرِ ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ))، وهُوَ غيرُ جيِّدٍ لِأَنَّهُ ◙ قَدْ يَحْتَجِمُ وهُوَ مُسَافِرٌ فَيُفْطِرُ وذَلِكَ مُباحٌ، وليسَ فِي خَبَرِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ ذَلِكَ كَانَ بعدَ إخبارِه بالفِطْرِ، ولَا يُتْرَكُ حُكْمٌ مُتَيَقَّنٌ بالظَّنِّ، ولو صَحَّ أنَّ خَبَرَ ابنِ عَبَّاسٍ بعدَ خبرِ مَنْ ذَكَرْنا لَمَا كانَ فِيْهِ إلَّا نَسْخُ إفطارِ المَحْجُومِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْجُمُهُ ◙ غلامٌ لم يَحْتَلِمْ، ولكنَّا وَجَدْنَا فِي حديثِ أَبِي مُوْسَى: أَرْخَصَ فِي الحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ والقُبْلَةِ _يعني: المُتَقَدِّمَ_ فصَحَّ نَسْخُ الأَوَّلِ. وذَكَرَ ابنُ قُدَامَةَ: أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رأى حديث الحِجَامِةِ كَانَ يُعِدُّ الحَجَّامَ والمَحَاجِمَ، فَإِذَا غَابَتِ احتَجَمَ باللَّيلِ، وقَالَ: كَذا رَوَاه الجُوْزَجَانيُّ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أنَّه عَلِمَ بِنَسْخِ مَا رَوَاهُ. وذَكَرَ البَيْهَقِيُّ فِي حَدِيْثِ أَبِي مُوْسَى أنَّ المحفوظَ فِيْهِ ((رُخِّصَ)) _يعني بضمِّ الرَّاء_ وتَعَلَّقَ بِهَا بعضُ مَنْ يَزْعُمُ أنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غيرُ مرفوعةٍ، وإِذَا كانَ كذلكَ فلا حُجَّةَ فِيْهِ مَعَ مَا فِيْهِ مِنَ الاضطرابِ، وليسَ بجيِّدٍ لأنَّ المُعْظَمَ عَلَى الرَّفْعِ.
          وأمَّا قولُ مَنْ قَالَ: مرَّ ◙ برَجُلٍ يَحْجُمُ آخَرَ وقَدْ أُغْمِيَ عَلَى المحجومِ فَرَشَّ عَلَيْهِ الحاجمُ ماءً فَدَخَلَ حَلْقَهُ، فَغَيْرُ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يقولُ إنْ صَحَّ: فَطَّرَ الحاجمُ المحجومَ، ولَمْ يأتِ فِي روايةٍ أصلًا كذلكَ، وشَذَّ عَطَاءٌ عَنْ جماعةِ العُلَمَاءِ فِي إِيجَابِهِ الكَفَّارَةَ أَيْضًا، وهُوَ قولٌ خِلَافُ السُّنَّةِ، وعَنِ الحديثِ جوابٌ آخَرُ: أنَّه مَجَازٌ؛ عَلَى تأويلِ أنَّ أَمْرَهُمَا يَؤُولُ إِلَى الفِطْرِ فَسَمَّاهُمَا بِمَا يَؤُوْلُ إِلَيْهِ أَمْرُهما كقولِهِ: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف:36] أي: مَا يَؤُولُ إليهِ، وآخَرُ: أنَّهما أَكَلَا، وعَلِمَهُ ◙، وفِيْهِ بُعْدٌ، فَإِنِ اعْتُرِضَ بِدَمِ الحَيْضِ فَيُنْقَضُ بِالفَصْدِ والرُّعَافِ.
          فَرْعٌ: تَرْكُ الفَصْدِ والحِجَامَةِ أَولَى لأنَّهما يُضْعِفانِهِ كَمَا سَلَفَ، قَالَ المَاوَرْدِيُّ: الحِجَامَةُ لَا تُفَطِّرُ، ولَا تُكْرَهُ فِي قولِ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ والفُقَهَاءِ، وقَالَ الرُّوْيَانِيُّ فِي «بَحْرِهِ»: ظَاهِرُ المَذْهَبِ أَنَّها لَا تُكْرَهُ، خِلافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنا، وجَزَمَ الجُرْجَانِيُّ فِي «تَحْرِيْرِهِ» بَأَنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ، وكَرِهَ المَحَامِلِيُّ فِي «لُبَابِهِ» / أنْ يَحْجُمَ غَيْرَهُ أَيْضًا، وقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إنْ ثَبَتَ حَدِيْثُ الحَاجِمِ والمَحْجُومِ وَجَبَ الأَخْذُ بِظَاهِرِهِ، وكَانَ فِعْلُهُ ◙ لِذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّهِ؛ وهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا سَلَفَ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ أَنَّه ◙ رَخَّصَ فِي الحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ أَنْ كَانَ نَهَى عَنْهَا.