التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يذكر من صوم النبي وإفطاره

          ░53▒ بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صلعم وَإِفْطَارِهِ
          1971- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ ابنِ عَبَّاسٍ: (مَا صَامَ النَّبِيُّ صلعم شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ)، (وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لَا وَاللهِ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: وَاللهِ لَا يَصُومُ).
          1972- وَحَديثَ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَلَّا يَصُومَ مِنْهُ وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَلَّا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لَا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ).
          1973- وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ إِنَّهُ سَأَلَ أَنَسًا فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ سَاقَ عَنْ مُحَمَّد عَنِ الأحمرِ _أَبِي خَالَدٍ_ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ: (مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ...) الحديثَ.
          الشَّرْحُ: تعليقُ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ تَقَدَّمَ فِي بابِ: قِيِامِهِ بِاللَّيْلِ ونَوْمِهِ أَيْضًا [خ¦1141]، ومُحَمَّدُ هَذَا قَالَ الجَيَّانِيُّ وغيرُه: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ سَلَّامٍ.
          وفي هَذِهِ الأحاديثِ مِنَ الفِقْهِ: أنَّ النَّوَافِلَ المُطْلَقَةَ لَيْسَ لَهَا أوقاتٌ معلومةٌ وإِنَّمَا يُرَاعَى فِيْهَا وقتُ النَّشَاطِ لَهَا والحِرْصِ عَلَيْهَا. وفِيْهِ: أنَّه ◙ لم يَلتَزِمْ سَرْدَ الصِّيَامِ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ولَا سَرْدَ الصَّلَاةِ بِاللَّيلِ كلِّه رِفْقًا بِنَفْسِهِ وبِأُمَّتِهِ؛ لِئِلَّا يُقتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ فَيُجْحِفَ بهم، وإنْ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ القُوَّةِ فِي أمرِ اللهِ تَعَالَى مَا لو التَزَمَ الصَّعْبَ مِنْهُ لم يَنْقَطِعْ عَنْهُ، / فرَكِبَ مِنَ العبادةِ الطَّرِيقَةَ الوُسْطَى فَصَامَ وأَفْطَرَ وقَامَ ونَامَ، وبهَذَا أَوصَى عبدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، فكَانَ إِذَ كَبِرَ يَقُولُ: يا لَيتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم.
          وقَولُ ابنِ عَبَّاسٍ: (إِنَّهُ ◙ مَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ) يَشْهَدُ لِحَديثِ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ السَّالِفِ بِالصِّحَّةِ.
          وهُمَا مُبَيِّنَانِ لحديثِ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: (أنَّه ◙ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كلَّه)، أنَّ المُرَادَ بِذَلِكَ أكثرُه كَمَا سَلَفَ، وقَولُ أَنَسٍ: (مَا مَسِسْتُ خَزَّةً وَلَا حَرِيرَةً، أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صلعم)، كَسْرُ السِّينِ أَفْصَحُ مِنَ الفَتْحِ، وهُوَ دَالٌّ عَلَى كَمَالِ فَضَائِلِهِ خَلْقًا وخُلُقًا، وأمَّا طِيْبُ رائِحَتِهِ فإنَّما طَيَّبَهَا الرَّبُّ تَعَالَى لمُبًاشَرَتِهِ الملائكةَ ولمُنَاجَاتِهِ لَهُمْ.