التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: يفطر بما تيسر عليه بالماء وغيره

          ░44▒ بَابٌ: يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ مِنَ المَاءِ وَغَيْرِهِ
          1956- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ ابنِ أَبِي أَوْفَى أَيْضًا.
          ░45▒ بَابُ تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ
          1957- 1958- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ).
          وحَدِيْثَ ابنِ أَبِي أَوْفَى أَيْضًا السَّالِفَ، وحَدِيْثُ سَهْلٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وكلُّه مُطَابِقٌ لما تَرْجَمَ لَهُ، _أي اجْدَحْ لَنا سَوِيْقًا_ كَمَا سَلَفَ، ونَصَّ أصحابُنا عَلَى أنَّه يُسْتَحَبُّ الفِطْرُ عَلَى تَمْرٍ، وإلَّا فَمَاءٍ عندَ عَدَمِهِ، وفي «السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ» و«صَحِيْحِ ابنِ حِبَّانَ» و«مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ» مِنْ حَدِيْثِ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ مَرْفُوْعًا: ((إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا، فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَعَلَى المَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ))، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيْحٌ، وقَالَ الحَاكِمُ: صحيحٌ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ. قَالَ: ولَهُ شَاهِدٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَنَسٍ أنَّه ◙: ((كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ))، وَرَوَى هَذَا التِّرْمِذِيُّ وقَالَ: فتُمَيْرَاتٌ _بالتَّصغِيرِ_ وقَالَ: حَسَنٌ غَرِيْبٌ، وقَالَ البَزَّارُ وأبو أَحْمَدَ الجُرْجَانيُّ: تَفرَّدَ بِهِ جَعْفَرٌ عَنْ ثَابِتٍ، وَلِلْحَاكِمِ _وقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ_ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ العزيزِ بنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا، بمثلِ حديثِ سَلْمَانَ. وقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي «عِلَلِهِ» عَنِ البُخَارِيِّ: هَذَا وَهْمٌ والصَّحِيحُ حَدِيْثُ سَلْمَانَ، وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيْثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: ((أنَّه ◙ كَانَ لَا يُصَلِّي المَغْرِبَ حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ)).
          وقَالَ ابنُ المُنْذِرِ فِي «الإِقْنَاعِ»: إنَّه يَجِبُ ذَلِكَ، ولَعَلَّ مُرَادَه تَأَكُّدُهُ، نعم ذَهَبَ إِلَيْهِ ابنُ حزمٍ عَلَى مُقتَضَى الحديثِ، قَالَ: فإنْ لم يفعلْ فَهُوَ عاصٍ ولَا يَبْطُلُ صومُه بِذَلِكَ، والحكمةُ فِيْهِ مَا فِي التَّمرِ مِنَ البَرَكَةِ، والماءُ أفضلُ المشروباتِ، وقيلَ غيرُ ذلكَ مِمَّا أوضحتُه فِي كُتُبِ الفُرُوعِ، وأمَّا تعجيلُ الفِطْرِ فَهُوَ سُنَّةٌ لحديثِ سَهْلٍ المذكورِ.
          قَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: أحاديثُ تعجيلِ الفِطْرِ وتأخيرِ السُّحُورِ مُتَواتِرَةٌ صِحَاحٌ وفي «سُنَنِ» أَبِي دَاوُدَ والنَّسَائِيِّ وابن مَاجَهْ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: ((لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ، لِأَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ))، صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والحاكمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا حَضَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ لئلَّا يُزَادَ فِي النَّهَارِ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيلِ فيكونَ ذَلِكَ زيادةً فِي فُرُوض اللهِ تَعَالَى؛ ولأنَّه أرفقُ بالصَّائِمِ وأَقوَى لَهُ عَلَى الصِّيَامِ، وَقَالَ عَمْرُو بنُ مَيْمُونٍ الأَوْدِيُّ: كَانَ أصحابُ مُحَمَّدٍ أسرعَ النَّاسِ فِطْرًا وأَبطَأَهم سُحُورًا.
          وقَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الأجنادِ: لَا تَكُونُوا مُسَوِّفِينَ بفِطْرِكُمْ وَلَا مُنتَظِرِينَ لِصَلَاتِكُمْ اشتباكَ النُّجُومِ، ورَوَى عبدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ عِيَاضٍ يُخْبِرُ عبدَ العزيزِ بنَ عبدِ اللهِ: أنَّه يُؤمَرُ أنْ يُفْطِرَ الإِنْسَانُ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ ولَوْ عَلَى حَسْوَةٍ مِنْ مَاءٍ، ورَوَى عبدُ الرَّزَّاقِ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: كُنْتُ أَشْهَدُ ابنَ عَبَّاسٍ عندَ الفطرِ فِي رَمَضَانَ فكَانَ يُوضَعُ لَهُ طَعَامُه، ثُمَّ يَأْمُرُ مراقبًا يُرَاقِبُ الشَّمْسَ، فَإِذَا قَالَ قَدْ وَجَبَتْ قَالَ: كُلُوا، ثُمَّ قَالَ: كُنَّا نفطرُ قبلَ الصَّلَاةِ، وليسَ مَا فِي «المُوَطَّأِ» عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بنِ عبدِ الرَّحمَنِ: أنَّ عُمَرَ وعُثْمَانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ المغربَ حينَ يَنْطُرَانِ إِلَى اللَّيلِ الأسودِ قبلَ أنْ يُفطِرَا ويُفطِرَانِ بعدَ الصَّلَاةِ بِمُخَالِفٍ لذلكَ؛ لأنَّهما إنَّما كَانَا يُرَاعِيَانِ أَمْرَ الصَّلَاةِ وكَانَا يُعَجِّلَانِ الفِطْرَ بعدَها مِنْ غيرِ كثرةِ تَنَفُّلٍ لِمَا جَاءَ فِي تعجيلِ الفطرِ، ذَكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: كأنَّهما يَرَيَانِ تأخيرَ ذَلِكَ واسعًا لَا أنَّهما يَتَعَمَّدَانِ الفَصْلَ لِتَرْكِهِ بعدَ أنْ أُبِيْحَ لهما وصَارَا مفطرينِ بغيرِ أكلٍ وشربٍ لأنَّ الصَّومَ لَا يَصْلُحُ فِي اللَّيلِ.
          وفي «التِّرْمِذِيِّ» _وقَالَ: حَسَنٌ غَرِيْبٌ_ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا)) وفي أفرادِ مسلمٍ عَنْ عَائِشَةَ وذُكِرَ لَهَا رَجُلَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ أحدُهما يُعَجِّلُ الإفطارَ والصَّلَاةَ، والآخَرُ يُؤَخِّرُهما، فقَالَتْ مَنْ يُعَجِّلُهُمَا؟ قَالَ: عَبْدُ اللهِ، قَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَصْنَعُ، عبدُ اللهِ هُوَ ابنُ مَسْعُوْدٍ والآخَرُ: أَبُو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ. قَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وطائفةٍ أنَّهم كَانُوا يُفْطِرُونَ قبلَ الصَّلَاةِ، قُلْتُ: وفي التَّعجِيلِ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ إِلَى ظُهُورِ النُّجُومِ.
          فَائِدَةٌ: فِي الدُّعَاءِ عندَ الإفطارِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُعَاذِ بنِ زُهْرَةَ أنَّه بَلَغَهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ((اللهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرَتُ))، وهذا مرسلٌ، ورَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «أصغرِ معاجمِه» مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا بإسنادٍ فِيْهِ ضَعْفٌ.
          وَرَوَى ابنُ عَمْرٍو مَرْفُوْعًا: ((إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ)) رَوَاهُ الحاكمُ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا: ((ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ...)) الحديثَ، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
          وصَحَّحَ الحاكمُ حديثَ ابنِ عُمَرَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ))، ولِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ((لَكَ صُمْنَا، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرَنَا، فَتَقَبَّلْ مِنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ))، / وفي إسنادِه عبدُ المَلِكِ بنُ هَارُونَ بنِ عنْتَرَةَ وهُوَ واهٍ.