التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصوم كفارة

          ░3▒ بَابٌ: الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ.
          1895- ذَكَرَ فيه حديثَ جامِعٍ _هو ابنُ أبي راشدٍ أخو الرَّبيع الكوفيِّ وفي طبقته جامِعُ بنُ شَدَّادٍ أبو صَخْرَةَ الكُوفِيُّ_ عن أبي وائلٍ _وهو شقيقُ بنُ سَلَمَةَ الأسَدِيُّ_ عن حذيفةَ قال: قَالَ عمرُ: (مَنْ يَحْفَظُ حديثَ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ فِي الفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ) الحديث، وقد سلف في: الصَّلاةُ كَفَّارَةٌ [خ¦525].
          ومعنى (فِتْنَةُ الرَّجُلِ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يعني ينقص له مِنْ حسناته إنْ ظلم أحدًا مِنْهم، والفتنة هنا البلاء والاختبار، وهي هنا شدَّة حبِّ الرَّجل لأهله وشغفه بهنَّ، كما رَوَى عبدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ عن أبيه قال: ((رَأَيْتُ النَّبِيَّ _صلعم_ يَخْطُبُ، فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ وَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ)).
          وسمعَ عمرُ رجلًا يستعيذ بالله مِنَ الفتنة، فقال له: أتدعوا الله ألَّا يرزقَك مالًا وولدًا؟! فاستعذ بالله مِنْ مضلَّات الفتن، وَقَالَ ابْنُ مسعودٍ: لا يَقُلْ أحدكم: اللهم إنِّي أعوذ بك مِنَ الفتنة، فليس أحدٌ إلَّا وهو مشتملٌ على فتنةٍ؛ لأنَّ الله _تعالى_ يقول: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28] فأيُّكم استعاذ فليستعذ بالله مِنْ مضلَّات الفتن. ومِنْ فتنةِ الأهلِ الإسرافُ والغلوُّ في النَّفقة عليهنَّ والشُّغل بأمورهنَّ عن كثيرٍ مِنَ النَّوافل.
          وفتنتُه في ماله أنْ يشتدَّ سرورُه بحيث يغلب عليه، وهو مذمومٌ، ألَا ترى أنَّه _◙_ لمَّا رأى عَلَمَ الخَمِيْصَة في الصَّلاة ردَّها إلى أبي جُهَيْمٍ، وقال: ((كَادَ يَفْتِنُنِي)) فتبرَّأ مِمَّا خشي مِنْه الفتنة، وكذلك عرض لأبي طَلْحَةَ حين كَانَ يصلِّي في حائطه فطار دُبْسِيٌّ، فأعجبه فأتبعه بصره ساعةً، ثمَّ رجَع إلى صلاته فلم يدرِ كم صلَّى فقال: لقد أصابني في مالي هذا فتنةٌ، فجاء إلى رسول الله _صلعم_ فذكر ذلك له، فقال: هو صدقةٌ يا رسول الله فضعْه حيث شئتَ. ومِنْ فتنة المال أيضًا ألَّا يصلَ أقاربَه ويمنَعَ معروفَه أَجانبَه.
          وفتنتُه في جاره أنْ يكونَ أكثرَ مالًا مِنْه وحالًا فيتمنَّى مثلَ حاله، وهو معنى قولِه _تعالى_: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان:20]، فهذه الأنواع وما شابهها مِمَّا يكون مِنَ الصَّغائر فما دونَها، تكفِّرها أعمالُ البرِّ، ومِصداق ذلك {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] قَالَ أهل التَّفسير: الحسنات هنا الصَّلوات الخمس، والسَّيِّئات: الصَّغائر، وقوله: (ذَلكَ أَجْدَرُ أَلَّا يُغْلَقَ) أيْ: ذاك أحرى، كأنَّه يقول: ذاك أولى به وأحقُّ.