التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صوم الصبيان

          ░47▒ بَابُ صَوْمِ الصِّبْيَانِ
          وَقَالَ عُمَرُ لِنَشْوَانَ فِي رَمَضَانَ: وَيْلَكَ وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ فَضَرَبَهُ. /
          1960- ثُمَّ سَاقَ مِنْ حَدِيْثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلعم غَدَاةَ عَاشُوْرَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا...) الحديثَ.
          أمَّا أَثَرُ عُمَرَ فأَخْرَجَهُ سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن أبي الهُذَيْلِ عَنْ عُمَرَ أنَّه: أُتي بشيخٍ شَرِبَ الخمرَ فِي رَمَضَانَ فقَالَ: لِلْمَنْخِرَيْنِ لِلْمَنْخِرَيْنِ وِلْدَانُنَا صِيَامٌ! ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَمَانِيْنَ وسَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ.
          ونَقَلَ ابنُ التِّيْنِ عَنِ الشَّيخِ أَبِي إِسْحَاقَ أنَّه قَالَ فِي «زاهيهِ»: مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي رَمَضَانَ ضُرِبَ مِئَةً، عِشْرُوْنَ لاسْتِخْفَافِهِ، وثَمَانُونَ حَدًّا، قُلْتُ: وسندُه فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بنِ أبي مروانَ عَنْ أَبِيْهِ: أنَّ عليَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بالنَّجَاشِيِّ الشَّاعِرِ وقَدْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِيْنَ، ثُمَّ ضَرَبَهُ مِن الغَدِ عِشْرِيْنَ، وقَالَ: ضَرَبْنَاكَ العِشْرِيْنَ لِجُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ وَإِفْطَاِرَكَ فِي رَمَضَانَ.
          وفي «أَمَالِي أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِيِّ» كَانَ شَرِبَ عندَ أبي السَّمَّاكِ فَلَمَّا دُلَّ عليٌّ عَلَيْهِما هَرَبَ أَبُو السَّمَّاكِ وأُخِذَ النَّجَاشيُّ، وفي «كِتَابِ أَبِي الفَرَجِ»: فَطَرَحَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَمِئَةِ مِطْرَفَ خَزٍّ ثُمَّ هَرَبَ مِنْ عليٍّ إِلَى معاويةَ وهَجَا أَهْلَ الكُوْفَةِ، ووَقَعَ لأبي عُبَيْدٍ البَكْرِيِّ فِي كِتَابِهِ «فَصْلُ المَقَالِ شَرْحِ الأَمْثَالِ» فقَالَ _لَمَّا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّامٍ ومِثْلُهُ قَوْلُهُمْ لِلْمَنْخِرَيْنِ وهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أنَّه قَالَ لِرَجُلٍ أُتِيَ بِهِ سَكْرَانَ فقَالَ: لِلْمَنْخِرَيْنِ وِلْدَانُنَا صِيَامٌ_: المَحْفُوظُ فِي هَذَا أنَّه لِعَلِيٍّ لَا لِعُمَرَ، قُلْتُ: ومَا فِي البُخَارِيِّ هُوَ المعروفُ، فصَحَّ قولُ أبي عُبَيْدٍ.
          والنَّشْوَانُ: السَّكْرَانُ، وقِيْلَ هُوَ: السُّكْرُ الخفيفُ، حَكَاهُ ابنُ التِّيْنِ. وحديثُ (الرُّبَيِّعِ) _بضمِّ الرَّاءِ وفتحِ الباءِ وتشديدِ المُثَنَّاةِ تحتُ مكسورةً_ و(مُعَوِّذٍ) _بكسرِ الواوِ وبالذَّالِ المُعجَمَةِ_ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
          و(العِهْنِ) فِيْهِ: هُوَ الصُّوفُ الأحمرُ كَمَا قَيَّدَهُ القُرْطُبِيُّ، وقَالَ ابنُ التِّيْنِ: إنَّه الصُّوفُ وقِيْلَ: المَصْبُوغُ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذلك.
          وظاهرُ حديثِها وقولِ عُمَرَ التَّدْرِيبُ فِي حَقِّهم، والإجماعُ قائمٌ عَلَى أنَّه لَا تَلْزَمُ العباداتُ إلَّا بعدَ البُلُوغِ، إلَّا أنَّ كثيرًا منَ العلماءِ استَحَبُّوا تَدرِيبَ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّيامِ والعباداتِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا لَهُمْ ولِيَعْتَادُوها وتَسْهُلَ عَلَيْهِم عندَ اللُّزُومِ، وفِيْهِ أنَّ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا عَلَى الطَّاعَةِ ودَرَّبَهُ عَلَى التِزَامِ الشَّرائِعِ فإنَّه مأجورٌ بِهِ، وأنَّ المَشَقَّةَ الَّتِي تَلْزَمُ الصِّبْيَانَ فِي ذَلِكَ غيرُ مُحاسَبٍ بِهَا مَنْ حَمَلَهُمْ عَلَيْهَا، واخْتَلَفُوا فِي الوقتِ الَّذِيْ يُؤْمَرُ فِيْهِ الصِّبْيَانُ بالصِّيَامِ، فكَانَ الحَسَنُ وابنُ سِيرِينَ وعُرْوَةُ وعَطَاءٌ والزُّهْرِيُّ وقَتَادَةُ والشَّافِعِيُّ يَقُوْلُوْنَ: يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أَطَاقَهُ، وقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِذَا أَطَاقَ صِيَامَ ثلاثةِ أَيَّامٍ تِبَاعًا لَا يَخُورُ فيهنَّ ولَا يَضْعُفُ حُمِلَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ، واحتَجَّ بحديثِ ابنِ أَبِي لَبِيْبَةَ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ: ((إِذَا صَامَ الغُلَامُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ)).
          وقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا بَلَغَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَحْبَبْتُ لَهُ أن يَتَكَلَّفَ الصِّيَاَمَ للعادةِ، وقَالَ ابنُ المَاجِشُوْنِ: إِذَا أطاقُوه أُلْزِمُوا، فإنْ أَفْطَرُوا لغيرِ عَجْزٍ ولَا عِلَّةٍ فعَلَيْهِمُ القَضَاءُ، وقَالَ أَشْهَبُ: يُسْتَحَبُّ لهم إِذَا أطاقُوه، وعَنْ أَحْمَدَ روايةٌ: إنَّه يجبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ الصَّلَاةَ.
          وقَالَ القُرْطُبِيُّ: صَنِيْعُ اللُّعَبِ مِنَ العِهْنِ للصُّوَّمِ لَعَلَّه ◙ لم يعلمْ بِهِ، ومعلومٌ أَنْ يَكُوْنَ أَمَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تعذيبُ صغيرٍ بعبادةٍ شَاقَّةٍ غيرِ مُتَكَرِّرَةٍ فِي السَّنَةِ، وغَلَّطَ عِيَاضٌ قولَ عُرْوَةَ: يَجِبُ إِذَا أَطَاقُوه، ورَدَّهُ بِرَفْعِ القَلَمِ عَنْهُ، وقَالَ ابنُ التِّيْنِ: ظاهرُ الحديثِ وقولِ عُمَرَ أَنَّهم كَانُوا يُدَرِّبُونهم عَلَى الصَّومِ كالصَّلَاةِ، وليسَ هُوَ مذهبَ مالكٍ، ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ مثلُ مَقَالَةِ ابنِ المَاجِشُوْنِ، ولَعَلَّهُ مِنْ بابِ الاسْتِحْبَابِ، ووَجْهُ قولِ مالكٍ أنَّ التَّدْرِيْبَ عَلَى الصَّلَاةِ لَهَا فوائدُ: تَعَلُّمُ أحكامِه بخلافِه.