التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: متى يحل فطر الصائم؟

          ░43▒ بَابٌ: مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ؟
          وَأَفْطَرَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ
          1954- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا..) الحديثَ.
          1955- وحديثَ ابنِ أبي أَوْفَى السَّالِفَ فِي بَابِ: الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ.
          وحديثُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نعلمُه يُروَى عَنْ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ بِهَذَا الإسنادِ، وإسنادُه صحيحٌ، وفي البابِ عَنْ أَبِي سَعْدِ الخَيْرِ يَعْنِي: ((إِنَّ اللهَ ╡ لَمْ يَكْتُبْ عَلَى اللَّيْلِ الصِّيَامَ، فَمَنْ صَامَ فَلْيَتَعَنَّ وَلَا أَجْرَ لَهُ))، وقَالَ فِي «عِلَلِهِ»: سَأَلْتُ البُخَارِيَّ عَنْهُ، فقَالَ: أُرَاهُ مُرْسَلًا، وقَالَ: أُرَى عُبَادَةَ سَمِعَ مِن أَبِي سَعْدٍ، وأَبُو فَرْوَةَ صَدُوقٌ إلَّا أنَّ ابنَه مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُ أحاديثَ مناكيرَ. وفي «عِلَلِ ابنِ أَبِي حَاتِمٍ» قَالَ أَبِي الصَّحِيحُ: أَبُو سَعِيدٍ الخَيْرِ.
          وقولُه: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا) إِلَى آخِرِ الأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وإِذَا وُجِدَ واحدٌ منها وُجِدَ البَاقِي وجُمِعَتْ فِي الذِّكْرِ؛ لأنَّ النَّاظِرَ قَدْ لَا يَرَى الغُرُوبَ لحَائِلٍ، ويَرَى ظُلمَةَ اللَّيلِ فِي المشرقِ، وقَدْ قَامَ الإِجْمَاعُ عَلَى أنَّه إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ حَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، وذَلِكَ آخرُ النَّهَارِ وأَوَّلُ أوقاتِ اللَّيلِ.
          ومعنى (أَفْطَرَ): أي حُكْمًا، أو دَخَلَ فِيْهِ، كَأَنْجَدَ وأَتْهَمَ إِذَا دَخَلَهما، وعَلَى هَذَا لَا يكونُ فِيْهِ تَعَرُّضٌ للوِصَالِ بنَفيٍ ولَا إثباتٍ، وعلى الحكميِّ فِيْهِ أنَّ زَمَنَ اللَّيلِ يستحيلُ فِيْهِ الصِّيَامُ شرعًا، ويُخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ خِلَافِ العلماءِ فِي صِحَّةِ إمساكِ مَا بعدَ الغُرُوبِ، فمنهم مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ وهُوَ كيومِ الفِطْرِ ومَنْعِ الوِصَالِ، وقَالَ: لَا يَصِحُّ، ومنهم مَنْ جَوَّزَ إمساكَ ذَلِكَ الوقتِ، ورَأَى أنَّ لَهُ أَجْرَ الصَّائِمِ مُحتَجًّا بأحاديثِ الوِصَالِ إِلَى الفَجرِ.
          وقَالَ الطَّبَرِيُّ: قولُه: (فَقَدْ أَفْطَرَ) هُوَ عَزمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَكُوْنَ مُعتَقِدًا أنَّه مُفْطرٌ وإنْ كَانَ وقتُ صَومِه قَد انقَضَى غيرَ عزمٍ عَلَيْهِ أنْ يأكلَ أو يشربَ.
          قَالَ: والَّدلِيلُ عَلَيْهِ إجماعُ الجميعِ مِنْ أهلِ العلمِ أنَّ المَرْءَ قَدْ يكونُ مُفْطِرًا بتركِه العزمَ عَلَى الصَّومِ مِنَ اللَّيلِ مَعَ تركِه نِيَّةَ الصَّومِ نَهَارَه أجمعَ، وإنْ لم يأكلْ ولَمْ يشربْ وكَانَ معلومًا بِذَلِكَ أنَّ اعتقادَ المُعْتَقِدِ بعدَ انقضاءِ وقتِ الصَّومِ الإفطارَ وتَرْكَ الصَّوْمِ _وإنْ لم يَفْعَلْ شيئًا مِمَّا أُبِيحَ للمُفْطِرِ فعلُه_ مُوجِبٌ لَهُ اسمَ المُفْطِرِ، وإِذَا كَانَ ذَلِكَ كذلكَ وكَانَ الجميعُ مُجْمِعِيْنَ عَلَى أنَّ الأكلَ والشُّربَ غيرُ فرضٍ عَلَى الصَّائِمِ فِي ذَلِكَ الوقتِ مَعَ إجماعِهم أنَّ وقتَ الصَّومِ قَد انقَضَى لمجيءِ اللَّيلِ / وإدبارِ النَّهَارِ كَانَ بَيِّنًا أنَّ مَعنَى أمرِه بالإفطارِ فِي تلكَ الحَالِ إنَّما هُوَ أَمْرُ عزمٍ مِنْهُ كَمَا قُلْنَاهُ.
          وأمَّا وِصَالُه ◙ مِنَ السَّحَرِ إِلَى السَّحَرِ، فلَعَلَّ ذَلِكَ كان تَوَخِّيًا مِنْهُ للنَّشَاطِ عَلَى قيامِ اللَّيلِ؛ فإنَّه كَانَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَرَفَعَ فِراشَهُ؛ لأنَّ الطَّعَامَ مُثْقِلٌ للبَدَنِ مُفْتِرٌ عَنِ الصَّلَاةِ يجلبُ الغَمَّ، فكَانَ ◙ يُؤَخِّرُ الإصابةَ مِنَ الطَّعَامِ إِلَى السَّحَرِ؛ إذْ كَانَ اللهُ تَعَالَى قَدْ أَعْطَاهُ مِنَ القُوَّة عَلَى تأخيرِ ذَلِكَ إِلَى ذَلِكَ الوقتِ والصَّبْرِ عَلَيْهِ مَا لم يُعْطَ غَيْرُهُ مِنْ أمَّتِهِ، وقَدْ بَيَّنَ لهم ذَلِكَ بقولِهِ: ((إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ...)) إِلَى آخِرِهِ.
          فأمَّا الصَّومُ ليلًا فلَا مَعنَى لَهُ لِأَنَّهُ غيرُ وقتٍ للصَّومِ لِقَوْلِهِ: (فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) أي حَلَّ وقتُ فِطْرِهِ عَلَى مَا سَلَفَ، ويأتي فِي بابِ: مَنْ كَرِهَ الوِصَالَ وَمَنْ فَعَلَهُ مِنَ السَّلَفِ واضحًا [خ¦1961] [خ¦1964].
          فَائِدَةٌ: قُرْصُ الشَّمْسِ فِي أَثَرِ أَبِي سَعِيْدٍ يَعْنِي: الصُّورةَ المستديرةَ، ومَعنَى الحديثِ: أنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الحُمْرَةِ لَيْسَ مِنَ النَّهَارِ.