-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
باب وجوب صوم رمضان
-
باب فضل الصوم
-
باب الصوم كفارة
-
باب الريان للصائمين
-
باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ومن رأى كله واسعًا
-
باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونيةً
-
باب: أجود ما كانَ النبي يكون في رمضان
-
باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم
-
باب: هل يقول: إني صائم إذا شتم؟
-
باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة
-
باب قول النبي: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا
-
باب: شهرا عيد لا ينقصان
-
باب قول النبي: لا نكتب ولا نحسب
-
باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين
-
باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}
-
باب قول الله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض}
-
باب قول النبي: لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال
-
باب تأخير السحور
-
باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر
-
باب بركة السحور من غير إيجاب
-
باب: إذا نوى بالنهار صومًا
-
باب الصائم يصبح جنبًا
-
باب المباشرة للصائم
-
باب القبلة للصائم
-
باب اغتسال الصائم
-
باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا
-
باب سواك الرطب واليابس للصائم
-
باب قول النبي: إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء
-
باب: إذا جامع في رمضان
-
باب: إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر
-
باب الحجامة والقيء للصائم
-
باب الصوم في السفر والإفطار
-
باب: إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر
-
باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر
-
باب: لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضًا في الصوم والإفطار
-
باب من أفطر في السفر ليراه الناس
-
باب: {وعلى الذين يطيقونه فدية}
-
باب: متى يقضى قضاء رمضان؟
-
باب: الحائض تترك الصوم والصلاة
-
باب من مات وعليه صوم
-
باب: متى يحل فطر الصائم؟
-
باب: يفطر بما تيسر عليه بالماء وغيره
-
باب: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس
-
باب صوم الصبيان
-
باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام
-
باب التنكيل لمن أكثر الوصال
-
باب الوصال إلى السحر
-
باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه
-
باب صوم شعبان
-
باب ما يذكر من صوم النبي وإفطاره
-
باب حق الضيف في الصوم
-
باب حق الجسم في الصوم
-
باب صوم الدهر
-
باب حق الأهل في الصوم
-
باب صوم يوم وإفطار يوم
-
باب صوم داود
-
باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة
-
باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم
-
باب الصوم آخر الشهر
-
باب صوم يوم الجمعة
-
باب: هل يخص شيئًا من الأيام؟
-
باب صوم يوم عرفة.
-
باب صوم يوم الفطر
-
باب الصوم يوم النحر
-
باب صيام أيام التشريق
-
باب صيام يوم عاشوراء
-
باب وجوب صوم رمضان
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░29▒ بَابُ إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ
ويُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: (مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ) وَبِهِ قَالَ ابنُ مَسْعُوْدٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ والشَّعْبِيُّ وابنُ جُبَيْرٍ وإِبْرَاهِيْمُ وقَتَادَةُ وحَمَّادٌ: (يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ).
1935- ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ ♦: (أنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلعم فَقَالَ: إِنَّهُ احْتَرَقَ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلعم بِمِكْتَلٍ يُدْعَى العَرَقَ، فَقَالَ: أَيْنَ المُحْتَرِقُ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا).
الشَّرْحُ: تَعْلِيْقُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَصْحَابُ «السُّنَنِ» الأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بنِ المُطَوِّسِ عَنْ أَبِيْهِ عَنْهُ، قَالَ البُخَارِيُّ فِي «تَارِيْخِهِ»: تَفَرَّدَ بِهِ ابنُ المُطَوِّسِ عَنْ أَبِيْهِ ولَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُهُ، ولَا أَدْرِي سَمِعَ أَبُوهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا؟
وقَالَ التِّرْمِذِيُّ _بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ: ((مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ))_: هَذَا حَدِيْثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: أَبُو المُطَوِّسِ اسْمُهُ يَزِيدُ بنُ المُطَوِّسِ، ولَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ، وقَالَ مُهَنَّا سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْهُ فَقَالَ: يَقُوْلُوْنَ: عَنِ ابنِ المُطَوِّسِ، عَنْ أَبِي المُطَوِّسِ وَبَعْضُهُمْ يَقُوْلُ: عَنْ حَبِيْبٍ عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي المُطَوِّسِ، قَالَ: ولَا أَعْرِفُ ابنَ المُطَوِّسِ ولَا أَبَا المُطَوِّسِ، قُلْتُ: أَتَعْرِفُ الحَدِيْثَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ؟ قَالَ: لَا.
قُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيْثِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا مِثْلَهُ، وقَالَ أَبُو دَاوُدَ: اختَلَفَ عَلَى سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ ابنُ المُطَوِّسِ وأَبُو المُطَوِّسِ، والنَّسَائِيُّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيْثِ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا بِلَفْظِ: ((لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَوْمُ سَنَةٍ)) ومِنْ حَدِيثِ شَرِيْكٍ عَنِ العَلَاءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوْفًا، وقَالَ: ((لَمْ يَقْضِهِ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا))، ورَوَاهُ كَامِلٌ أَبُو العَلَاءِ مِنْ حَدِيْثِ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ المُطَوِّسِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقَالَ ابنُ حَزْمٍ: رُوِيَ بِأَصَحَّ مِنْ طَرِيْقِ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ؛ فقَالَ: ((لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَوْمُ سَنَةٍ))، وفِي لَفْظٍ: ((لَمْ يَقْضِهِ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا))، وقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّهُمَا أَصَحُّ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي المُطَوِّسِ، أَوْ شُعْبَةُ عَنِ ابنِ المُطَوِّسِ؟ قَالَ: جَمِيْعًا صَحِيْحَانِ أَحَدُهُمَا قَصَرَ والآخَرُ جَوَّدَهُ، وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضًا: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَوْمُ سَنَةٍ؛ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيْقِ النَّسَائِيِّ الأَوَّلِ عَنْهُ.
وقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وأَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: أَبُو المُطَوِّسِ المَكِّيُّ يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِأَفْرَادِهِ، زَادَ يَحْيَى: واسْمُهُ عَبْدُ اللهِ، وفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هُوَ ثِقَةٌ وابْنُهُ، ذَكَرَهُ ابنُ حِبَّانَ فِي «ثِقَاتِهِ»، وَقَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ _لَوْ صَحَّ_ عَلَى التَّغْلِيْظِ، وَهُوَ حَدِيْثٌ ضَعِيْفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ خَلَفِ بنِ بَطَّالٍ القُرْطُبِيُّ: هَذَا حَدِيْثٌ ضَعِيْفٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ صَحَّتِ الكَفَّارَةُ بِأَسَانِيْدَ صِحَاحٍ، فَلَا تُعَارَضُ بِمِثْلِ هَذَا الحَدِيْثِ، ووَقَعَ فِي أَصْلِهِ: ابنُ المُضَرِّسِ فِي مَوَاضِعَ، وَهُوَ تَحْرِيْفٌ وصَوَابُهُ: ابنُ المُطَوِّسِ، وأَوَّلَهُ ابنُ التِّيْنِ عَلَى أَنَّ المُرادَ: لَا يُدْرِكُ ذَلِكَ الفَضْلَ؛ ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِضَعْفِهِ.
وأَمَّا أَثَرُ ابنِ مَسْعُوْدٍ فَأَخْرَجَهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيْعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ مُغِيْرَةَ اليَشْكُرِيِّ عَنْ فُلَانِ بْنِ الحَارِثِ عَنْهُ، قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُمَرَ بنِ يَعْلَى عَنْ عَرْفَجَةَ عَنْ عليٍّ نَحْوَهُ، وأَمَّا الآثَارُ الَّتِي بَعْدَهُ فَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: نَظَرْتُ أَقْوَالَ التَّابِعِيْنَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ البُخَارِيُّ فِي المُصَنَّفاتِ فَلَمْ أَرَ قَوْلَهُمْ بِسُقُوطِ الكَفَّارةِ إلَّا فِي الفِطْرِ والأَكْلِ لَا فِي الجِمَاعِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ عِنْدَهُمُ الآكِلُ وَالمُجَامِعُ سَوَاءً فِي إِسْقَاطِ الكَفَّارةِ، إِذْ كُلُّ مَا أَفْسَدَ الصِّيامَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِماعٍ فَاسْمُ فِطْرٍ يَقَعُ عَلَيْهِ، وفَاعِلُهُ مُفْطِرٌ. /
وقَدْ قَالَ ◙ فِي ثَوابِ الصَّائِمِ عَنِ اللهِ تَعَالَى: ((يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي))، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ الشَّهَوَاتِ وهِيَ شَهْوةُ الجِمَاعِ، وذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَامِدًا عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِهِ، وذُكِرَ عَنِ ابنِ سِيْرِيْنَ: عَلَيْهِ صِيَامُ يَوْمٍ، وقَالَ ابنُ التِّيْنِ: قَالَ سَائِرُ الفُقَهَاءِ إِنَّهُ يَقْضِي، وقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يُكَفِّرُ ولَا يَقْضِي.
قَالَ: وذَكَرَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ أَنَّه أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وعَنِ الأَوْزَاعِيِّ تَفْصِيلٌ آخَرُ يَأْتِي أَوَاخِرَ البَابِ، وقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَقْضِي كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ ولَا كَفَّارةَ عَلَيْهِ، وحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ والنَّخَعِيِّ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الجِمَاعِ، قَالَ: وذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ المَلِكِ عَنِ الشَّافِعِيِّ _قُلْتُ: غَرِيْبٌ عَنْهُ_ وذُكِرَ أَيْضًا عَنِ ابنِ المُسَيِّبِ وحَمَّادٍ، ويَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَحَادِيثُ البَابِ ومَا بَعْدَهُ حَيْثُ أَمَرَ بِهَا، والأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فإنْ قَالُوا: لَا عُمُومَ فِي اللَّفْظِ، قُلْتُ: حُكْمِي عَلَى الوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الجَمَاعةِ، وتَعْلِيقُ الحُكْمِ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُوْنَ مُتَعلِّقًا بِهِ حَيْثُ كَانَ، وكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ مَخْصُوصَةٌ بِمَنْ وَرَدَتْ فِيْهِ، ولَا يُسَلَّمُ لَهُمْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: رَوَى ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، وعَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَا: يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وحَدَّثَنَا وَكِيْعٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ، وحَدَّثَنَا وَكِيْعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: عَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ آلَافِ يَوْمٍ، وحَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ يَعْلَى بنِ حَكِيْمٍ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ ويَتُوبُ ويَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وحَدَّثَنَا وَكِيْعٌ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ يَعْلَى عَنْ سَعِيْدٍ مِثْلَهُ، وحَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: أَرْسَلَ أَبُو قِلَابَةَ إِلَى ابنِ المُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ سَعِيْدٌ: يَصُوْمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ شَهْرًا، وحَدَّثَنَا وَكِيْعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ المُسَيِّبِ فِي رَجُلٍ يُفْطِرُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، قَالَ: يَصُوْمُ شَهْرًا، زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ: فَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: صِيَامُ شَهْرٍ، قَالَ: فَعَدَدْتُ أَيَّامًا، فَقَالَ: صِيَامُ شَهْرٍ.
قَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: أَظُنُّهُ ذَهَبَ إِلَى التَّتَابُعِ فِي الشَّهْرِ لَا يَخْلِطُهُ بِفِطْرٍ، فَكَأنَّهُ يَقُولُ: مَنْ أَفْسَدَهُ بِفِطْرِ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ قَضَاهُ كَأَنَّهُ نَسَقًا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ شَهْرَ رَمَضَانَ وهُوَ مُتَتَابِعٌ، فَإِذَا تَخَلَّلَهُ فِطْرٌ لَزِمَهُ فِي القَضَاءِ التَّتَابُعُ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُتَتَابِعًا، وقَالَ ابنُ حَزْمٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ شَهْرًا شَهْرًا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَيُحْتَمَلُ مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ شَهْرًا وَاحِدًا، وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَوْلَى لِتَتَّفِقَ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ.
وأَمَّا حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: ((عَلَيْهِ يَوْمٌ مَكَانَهُ)) فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا الحَرْفَ أَحَدٌ مِنَ الثِّقَاتِ، وأَمَّا حَدِيْثُ البَزَّارِ الَّذِيْ فِي طَرِيْقِهِ مِنْدَلٌ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا: ((مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ))، قَالَ عَبْدُ الحَقِّ: ورَوَاهُ أَيْضًا ابنُ عُقْبَةَ ولَا يَصِحُّ وَلَا يَثْبُتُ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ولَفْظُهُ: ((مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا عُذْرٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَمَنْ أَفْطَرَ يَوْمَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ سِتِّيْنَ يَوْمًا، وَمَنْ أَفْطَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ عَلَيْهِ تِسْعِينَ يَوْمًا))، وعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ ◙ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّيْنَ مِسْكِيْنًا)) عِلَّتُهُ أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ، وفِي لَفْظٍ: ((أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ))، قَالَ: والمَحْفُوظُ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، وعَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ولَيْثٌ لَيْسَ بِالقَوِيِّ، وعَنْ مُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ المُفَسِّرِ _وَهُوَ آفَتُهُ_ وعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعًا: ((مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَلْيُهْدِ بَدَنَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُطْعِمْ ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِلْمَسَاكِينِ)).
إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدِ اختَلَفَ العُلَمَاءُ، كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِيْمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ مَالِكٌ وأَصْحَابُهُ والثَّوْرِيُّ وأَبُو حَنِيْفَةَ وَأَصْحَابُهُ والأَوْزَاعِيُّ وإِسْحَاقُ وأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهِ مِنَ الكَفَّارَةِ مَا عَلَى المُجَامِعِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّرْتِيْبِ أَوِ التَّخْيِيْرِ، وإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ، ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَطَاءٍ فِي رِوَايَةٍ، وعَنِ الزُّهْرِيِّ والحَسَنِ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ: عَلَيْهِ القَضَاءُ ولَا كَفَّارَةَ، وهُوَ قَوْلُ ابنِ سِيْرِيْنَ وابنِ جُبَيْرٍ وجَابِرِ بنِ زَيْدٍ والشَّعْبِيِّ وقَتَادَةَ وإِبْرَاهِيْمَ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ مَعَ القَضَاءِ العُقُوبَةُ لِانْتِهَاكِهِ حُرْمَةَ الشَّهْرِ.
وسَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنَ التَّابِعِيْنَ قَالَ: يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ ويَسْتَغْفِرُ اللهَ ويَتُوبُ إِلَيْهِ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: ويَصْنَعُ مَعْرُوْفًا، ولَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ عُقُوبَةٌ، وقَدْ قَالَ ابنُ شَعْبَانَ مِنَ المَالِكِيَّةِ: فِيْهِ أنَّ مَنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُعَاقِبْهُ، قَالَ: فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ عُوقِبَ، وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ: أنَّ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ كَانَ عَلَيْهِ تَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ أَوْ بَدَنَةٌ، أَوْ عِشْرِيْنَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لِلْمَسَاكِيْنِ.
ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الآكِلِ والمُجَامِعِ فِي الرَّقَبَةِ والبَدَنَةِ، وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوْ إِطْعَامُ ثَلَاثِيْنَ مِسْكِيْنًا، وعَنِ ابنِ المُسَيِّبِ _وَهُوَ قَوْلُ رَبِيْعَةَ_ أنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا؛ وكَانَ رَبِيْعَةُ يَحْتَجُّ لِقَوْلِهِ هَذَا بَأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ فُضِّلَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا؛ فمَنْ أَفْطَرَ فِيْهِ يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا، وكَانَ الشَّافِعِيُّ يَعْجَبُ مِنْ هَذَا ويَنْتَقِصُ فِيْهِ رَبِيْعَةَ، ولِرَبِيْعَةَ شُذُوذٌ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ، وَرَبِيْعَةُ لَمْ يَشُذَّ فِي هَذَا لِأَنَّكَ حَكَيْتَ لَهُ سَلَفًا وهُوَ ابنُ المُسَيِّبِ، قَالَ: وأَقَاوِيْلُ التَّابِعِيْنَ بِالحِجَازِ والعِرَاقِ لَا وَجْهَ لَهَا عِنْدَ أَهْلِ الفِقْهِ لِمُخَالَفَتِهَا / السُّنَّةَ، وإِنَّمَا فِي المَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ مَالِكٍ ومَنْ تَابَعَهُ، والثَّانِي: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ومَنْ تَابَعَهُ.
وقَدِ اختَلَفَ الفُقَهَاءُ عَمَّا يُجْزِئُ مِنَ الإِطْعَامِ عَمَّنْ يَجِبُ أَنْ يُكَفِّرَ فِيْهِ عَنْ فَسَادِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ مَالِكٌ والشَّافِعِيُّ وأَصْحَابُهُمَا والأَوْزَاعِيُّ: يُطْعِمُ سِتِّيْنَ مِسْكِيْنًا، مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِيْنٍ بِمُدِّهِ ◙، قَالَ أَشْهَبُ: أَوْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وقَالَ الثَّوْرِيُّ وأَبُو حَنِيْفَةَ وأَصْحَابُهُ: لَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ مُدَّيْنِ بِمُدِّه ◙، وذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِيْنٍ، قِيَاسًا عَلَى فِدْيَةِ الأَذَى، فإنْ كَانَ مِنَ التَّمْرِ والشَّعِيْرِ فَصَاعٌ، قَالَ: وقَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ لَا قِيَاسٌ؛ لِأَنَّ العَرَقَ ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ فِيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وذَلِكَ سِتُّوْنَ مُدًّا، وذَلِكَ فِي حَدِيْثِ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابنِ المُسَيِّبِ، وهُوَ مَذْكُوْرٌ أَيْضًا فِي حَدِيْثِ مُجَاهِدٍ وعَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيْثِهِ: ((عِشْرُوْنَ صَاعًا))، وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوْهٍ مُرْسَلَةٍ ومُسْنَدَةٍ، ومَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيْفَةَ، ولْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ العَرَقَ يَسَعُ ذَلِكَ لَا مَا فِيْهِ، وفِي «المُوَطَّأِ»: يُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِلَى عِشْرِيْنَ، وعَنْ أَبِي مُصْعَبٍ: لَا إِطْعَامَ عَلَيْهِ، وقَالَ الحَسَنُ: عِشْرُوْنَ صَاعًا تُطْعَمُ لِأَرْبَعِيْنَ، وسَيَأْتِي.
وأَمَّا حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والأَرْبَعَةُ، واختَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِيْمَا يَجِبُ عَلَى الوَاطِئِ عَامِدًا نَهَارًا فِيْ رَمَضَانَ، فَذَكَرَ البُخَارِيُّ مَا أَسْلَفْنَاهُ مَعَ المُنَاقَشَةِ مَعَهُ، وأَوْجَبَ جُمْهُوْرُ الفُقَهَاءِ عَلَى المُجَامِعِ عَامِدًا الكَفَّارَةَ والقَضَاءَ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وعَطَاءٍ والثَّوْرِيِّ وأَبِي حَنِيْفَةَ وأَصْحَابِهِ والشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ وإِسْحَاقَ، واحْتَجُّوا بِإِعْطَائِهِ ◙ المُحْتَرِقَ المِكْتَلَ المُتَصَدَّقَ بِهِ، فَثَبَتَ بِهِ الكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، ولَا وَجْهَ لِمَنْ أَسْقَطَهَا، فَإِنَّه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ والجُمْهُوْرِ، وقَدْ سَلَفَ فِي بَابِ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، أَنَّ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّهُ احْتَرَقَ) دَلِيْلًا عَلَى العَمْدِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى رَفَعَ الحَرَجَ عَنِ السَّهْوِ والخَطَأِ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (أَيْنَ المُحْتَرِقُ؟) فَأَثْبَتَ لَهُ حُكْمَ العَمْدِ بِهَذَا، وذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي «شَرْحِ مَعَانِيْهِ»: أَنَّهُ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوْبِ الصَّدَقَةِ ولَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الكَفَّارَةِ غَيْرُ ذَلِكَ، واحتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيْثِ، ولَمْ يُسَمِّ قَائِلَهُ، وحَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَ الَّذِي فِي حَدِيْثِ عَائِشَةَ شَيْءٌ حَفِظَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ولَمْ تَحْفَظْهُ هِيَ، فَهُوَ أَوْلَى بِمَا زَادَ فِي الحَدِيْثِ مِنَ العِتْقِ والصِّيَامِ.
واخْتَلَفُوا فِيْمَنْ أَكَلَ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ مَالِكٌ وأَبُو حَنِيْفَةَ والثَّوْرِيُّ والأَوْزَاعِيُّ وأَبُو ثَوْرٍ وإِسْحَاقُ: عَلَيْهِ مَا عَلَى المُجَامِعِ مِنَ الكَفَّارَةِ مَعَ القَضَاءِ، وهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ والحَسَنِ والزُّهْرِيِّ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ: عَلَيْهِ القَضَاءُ دُوْنَ الكَفَّارَةِ، وهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وابنِ سِيْرِيْنَ، وقَالُوا: إِنَّ الكَفَّارَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي المُجَامِعِ خَاصَّةً وَلَيْسَ الآكِلُ مِثْلَهُ بِدَلِيْلِ قَوْلِهِ ◙: ((مَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ))، وهُوَ مُفْطِرٌ عَمْدًا، وكَذَلِكَ مُزْدَرِدُ الحَصَى عَمْدًا عَلَيْهِ القَضَاءُ، وحُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ الكَفَّارَةَ القِيَاسُ عَلَى المُجَامِعِ، والفَرْقُ لَائِحٌ، وأَوْجَبَ عَطَاءٌ عَلَى المُسْتَقِيْءِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ القَضَاءَ والكَفَّارَةَ، وهُوَ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ، ودَعْوَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَاقَضَ قَوْلَهُ فَقَالَ: إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الأَكْلِ فعَلَيْهِ القَضَاءُ أَوِ القَيْءُ فَلَا، ولَا تَنَاقُضَ فَأَظْهَرُ قَوْلَيْهِ التَّسْوِيَةُ.
وقَدِ اختَلَفَ الفُقَهَاءُ فِي قَضَاءِ ذَلِكَ اليَوْمِ مَعَ الكَفَّاَرِة، فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيْفَةَ وأَصْحَابِهِ والثَّوْرَيِّ وأَبِي ثَوْرٍ وأَحْمَدَ وإِسْحَاقَ، وقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَفَّرَ بِالعِتْقِ والإِطْعَامِ صَامَ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ، وإِنْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ دَخَلَ فِيْهِمَا قَضَاءُ ذَلِكَ اليَوْمِ، وقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُوْنَ الكَفَّارَةُ بَدَلًا مِنَ الصِّيَامِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ تَكُوْنَ مَعَهُ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ وَيَصُومَ، وحُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ القَضَاءَ أَنَّ الكَفَّارَةَ عُقُوْبَةٌ لِلذَّنْبِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ، والقَضَاءُ بَدَلٌ عَمَّا أَفْسَدَهُ، وكَمَا لَا يَسْقُطُ عَنِ المُفْسِدِ حَجُّهُ بالوَطْءِ إِذَا أَهْدَى البَدَلَ فَكَذَلِكَ هُنَا، واعْتَلَّ مَنْ لَمْ يُوْجِبْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ ولَا أَبِي هُرَيْرَةَ فِي نَقْلِ الحُفَّاظِ ذِكْرُ القَضَاءِ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ فِيْهَا ذِكْرُ القَضَاءِ لَكِنَّهَا مُتَكَلَّمٌ فِيْهَا، وقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي «تَخْرِيْجِ أَحَادِيْثِ الوَسِيْطِ» ونَاقَشْنَا ابنَ حَزْمٍ؛ فَإِنَّهُ وَهَّاهَا أَجْمَعَ بِسَبَبِ أَبِي أُوَيْسٍ وهِشَامِ بنِ سَعْدٍ وعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ عَمْرٍو، وذَكَرَ ابنُ بَطَّالٍ مِنْهَا حَدِيثًا وَاحِدًا عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ، ثُمَّ قَالَ: وهُوَ مِنْ مُرْسَلَاتِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وهِيَ حُجَّةٌ عِنْدَ الفُقَهَاءِ، وكِتَابُ اللهِ يَشْهَدُ لِصِحَّتِهَا حَيْثُ قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184-185].
ولَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ إِلَّا بِيَقِيْنِ الأَدَاءِ وهُوَ قَضَاءُ اليَوْمِ، وفِي إِعْطَائِهِ ◙ لِلرَّجُلِ الصَّاعَ لِيَتَصَدَّقَ بِهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي اخْتِيَارِهِ الإِطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ المُفْطِرِ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ البَدَلِ مِنَ الصِّيَامِ، أَلَا تَرَى أنَّ الحَامِلَ والمُرْضِعَ والشَّيْخَ الكَبِيْرَ والمُفَرِّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ رَمَضَانٌ آخَرُ لَا يُؤْمَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعِتْقٍ ولَا صِيَامٍ مَعَ القَضَاءِ؟ وإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالإِطْعَامِ، هَذَا مَأْخُوْذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [البقرة:184].
وذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: أَصْلُ (العَرَقَ) السَّفِيْفَةُ المَنْسُوْجَةُ مِنَ الخُوْصِ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهَا زَبِّيْلٌ، فَسُمِّيَ الزَّبِّيْلُ عَرَقًا لِذَلِكَ، ويُقَالُ: العَرَقَةُ أَيْضًا، وزَعَمَ الأَخْفَشُ _أَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ_ فِي «شَرْحِ المُوَطَّأِ» أَنَّهُ سُمِّيَ عَرَقًا لِأَنَّهُ يُعْمَلُ عَرَقَةً عَرَقَةً لِعَرْضِهَا وَاصْطِفَاقِهَا ثُمَّ يُضَمُّ؛ يُقَالَ: عَرَقَةٌ وعَرَقٌ كَعَلَقَةٍ وعَلَقٍ، والعَرَقَةُ: الطَّرِيْقَةُ العَرِيْضَةُ ولِذَلِكَ سُمِّيَتْ دِرَّةُ المَكْتَبِ عَرَقَةً.
والصَّوَابُ فَتْحُ الرَّاءِ؛ وقَالَ ابنُ حَبِيْبٍ فِي «شَرْحِ المُوَطَّأِ»: رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ بِالتَّحْرِيْكِ، وقَالَ ابنُ التِّيْنِ: فِي رِوَايَةِ أَبِي الحَسَنِ بِسُكُوْنِ الرَّاءِ، ورِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِفَتْحِهَا، وأَنْكَرَ بَعْضُ العُلَمَاءِ إِسْكَانَ الرَّاءِ وَقَالَ: إنَّما هُوَ العَظْمُ الَّذِيْ عَلَيْهِ اللَّحْمُ.
وفِي «العَيْنِ»: العَرَقُ مِثَالُ سَحَرٍ، والعَرَقَاتُ كُلُّ مَظْفُوْرٍ أَوْ مُصْطَفٍّ، وعَنْ أَبِي عَمْرٍو: العَرَقُ أَكْبَرُ مِنَ المِكْتَلِ، والمِكْتَلُ أَكْبَرُ مِنَ القُفَّةِ، والعَرَقَةُ: زَبِّيْلٌ مِنْ قِدٍّ بِلُغَةِ كَلْبٍ، ذَكَرَهُ / فِي «المُوْعِبِ»، وفِي «الجَامِعِ» لِلْقَزَّازِ: العَرَقُ ويقَالُ بِسُكُوْنِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، وقَالَ ابنُ سِيْدَهِ: العَرَقُ وَاحِدَتُهُ عَرَقَةٌ، قَالَ: والزَّبِّيْلُ والزِّنْبِيْلُ: الجِرَابُ.
وقِيْلَ: الوِعَاءُ يُحْمَلُ فِيْهِ، والزَّبِيْلُ القُفَّةُ، والجَمْعُ زُبُلٌ وزُبْلَانٌ، وقَالَ الجَوْهَرِيُّ: الزَّبِيْلُ مَعْرُوْفٌ فَإِذَا كَسَرْتَ شَدَّدْتَ فَقُلْتَ: زِبِّيْلٌ أَوْ زِنْبِيْلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ العَرَبِ فَعْلِيْلٌ بِالفَتْحِ، والمِكْتَلُ شِبْهُ الزِّبِّيْلِ، وفِي «الجَامِعِ»: الزَّبِيْلُ: الوِعَاءُ الَّذِيْ يُرْمَى بِهِ الزِّبْلُ، وهُوَ فَعِيْلٌ فِي مَعْنَى مَفْعُوْلٍ مِنْ هَذَا، وفِيْهِ لُغَةٌ أُخْرَى: زِنْبِيْلٌ، وَإِذَا جَمَعُوْا قَالُوْا: زَنَابِيْلُ.