التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة

          ░60▒ بَابُ صِيَامِ الأَيَّامِ البِيضِ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ
          1981- سَاقَ فِيْهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلعم بِثَلاَثٍ: (صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ)، وسَلَفَ فِي بابِ الضُّحَى فِي الحَضَرِ [خ¦1178].
          وأَبُو التَّيَّاحِ اسمُه: يَزِيدُ بنُ حُمَيْدٍ، واعتَرَضَ ابنُ بَطَّالٍ فقَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ الثَّلَاثَةَ الأَيَّامِ الَّتِي أَوْصَاهُ بِهَا مِنْ كلِّ شهرٍ هِيَ الأيَّامُ البِيضُ كَمَا تَرْجَمَ لَهُ، وهِيَ موجودةٌ فِي حديثٍ آخَرَ مِنْ حَدِيْثِ عُبَيدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ عَنْ جَرِيرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَلِيِّ / عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم أنَّه قَالَ: ((صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ أَيَّامُ البِيضِ صَبِيحَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ)).
          ورَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ المِنْهَالِ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ صلعم بالأَيَّامِ البِيْضِ وقَالَ: ((هُوَ صَوْمُ الشُّهُورِ))، ورُوِيَ مِنْ حَدِيْثِ عُمَرَ وأَبِي ذَرٍّ مَرْفُوْعًا قَالَ لأَعْرَابيٍّ ذُكِرَ لَهُ أنَّه صَائِمٌ: ((أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الغُرِّ البِيضِ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ))، رَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَولَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيْمٍ يُقَالُ لَهُ: ابنُ الحَوْتَكِيَّةِ عَنْ عُمَرَ وأَبِي ذَرٍّ، ومِمَّنْ كَانَ يَصُومُ الأَيَّامَ البِيْضَ مِنَ السَّلَفِ عُمَرُ وابنُ مَسْعودٍ وأَبُو ذَرٍّ، ومِنَ التَّابِعِيْنَ الحَسَنُ والنَّخَعِيُّ.
          وسُئِلَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ لِمَ صَامَ الناسُ الأيَّامَ البِيْضَ؟ وأعرابيٌّ يَسْمَعُ، فَقَالَ الأعرابيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ الكُسُوفُ إلَّا فِيْهَا ويُحِبُّ اللهُ ألَّا يَكُونَ فِي السَّمَاءِ آيَةٌ إلَّا كَانَتْ فِي الأرضِ عبادةٌ. وكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ الكُسُوفَ يَكُونُ فِيْهَا دُونَ غيرِها، وقَدْ أُمِرْنَا بالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بالصَّلَاةِ والصَّيَامِ وغيرِ ذَلِكَ مِنْ فعلِ البِرِّ عندَ الكُسُوفِ، وأُمِرَ بصيامِها لذلكَ، وقَالَ غيرُه: كأنَّ البُخَارِيَّ أَرَادَ بالتَّرجَمَةِ أحاديثَ ليستْ عَلَى شَرطِهِ، واعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَيْضًا ابنُ التِّيْنِ وقَالَ: لم يَأْتِ بحديثٍ وإِنَّمَا ذَكَرَهَا لأجلِ حديثِ أَبِي ذَرٍّ فِي «التِّرْمِذِيِّ»، وليسَ إسنادُه عندَه بالقَوِيِّ فأَشَارَ أنَّ فِيْهِ حديثًا، وكَذَا ابنُ المُنِيِّرِ، وقَالَ: الأَحْوَطُ لِلْمُتَطَوِّعِ أنْ يُخَصِّصَ الثَّلَاثَ الَّذِي فِي حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بهَذِهِ الأَيَّامِ؛ لِيَجْمَعَ بينَ مَا صَحَّ ومَا نُقِلَ فِي الجملةِ وإنْ لم يبلغْ مرتبةَ هَذَا في الصِّحَّةِ، قُلْتُ: جَاءَ فِي بعضِ طُرُقِ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فلا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّخَرُّصِ.
          أَخْرَجَ الإمامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عبدُ اللهِ بنُ عَطَاءٍ الإِبْرَاهِيْميُّ مِنْ حَدِيْثِ يُوْنُسَ بنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي صَادِقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ: بِالوِتْر قَبْلَ أَنْ أَنَامَ، وَأُصَلِّيَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ، وَصَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ، وَهِيَ الْبِيضُ)) وجَاءَ فِيْهِ أحاديثُ أُخَرُ مِنْهَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيْهِ مَرْفُوْعًا: ((صِيَامُ البِيضِ صِيَامُ الدَّهْرِ))، أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ»، ومِنْهَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ: ((أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلعم بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ))، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُحَسَّنًا، وفِي لَفْظٍ: ((مَنْ كَانَ مِنْكُمْ صَائِمًا فَلْيَصُم الثَّلَاثَةَ البِيضَ))، ومِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا: ((صُمْ أَيَّامَ الغُرِّ))، وهُوَ مُؤَكِّدٌ لحديثِه السَّالِفِ، أَخْرَجَهُ يُوسُفُ بنُ حَمَّادٍ فِي «الصَّومِ» لَهُ وابنُ حِبَّانَ، ومِنْهَا عَنْ عُمَرَ: ((فَهَلَّا البِيضَ ثَلَاثًا))، واستَشْهَدَ بأَبِي الدَّرْدَاءِ وأَبِي ذَرٍّ وعَمَّارٍ: أَمَا سَمِعْتُمْ مِنَ النَّبِيِّ صلعم يَقُولُ الحديثَ فقَالُوا: نَعَمْ، ومِنْهَا عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِيْهِ: أَمَرَنا النَّبِيُّ صلعم أَنْ نَصُومَ الأَيَّامَ البِيضَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ، قَالَ: هِيَ كَهَيْئَةِ الذِّكْرِ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، ومِنْهَا لَهُ عَن ابنِ عَبَّاسٍ: كَانَ ◙ لَا يُفطِرُ فِي أَيَّامِ البِيْضِ فِي حَضَرٍ.
          ورُوِّيْنَا فِي كتابِ «الصِّيَامِ» للقَاضِي يُوسُفَ مِنْ حَدِيْثِ الحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوْعًا: ((صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَيُذْهِب وَحَرَ الصُّدُورِ))، وفي حديثِ الأَعْرَابيِّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم مثلُه، وعَنْ عُثْمَانَ بنِ أبي العَاصِ مَرْفُوْعًا: ((صِيَامٌ حَسَنٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ)) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، ومِنَ الغَرَائِبِ أنَّه ◙ أَمَرَ بصِيَامِ ثلاثةِ أَيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ لَمَّا قَدِمَ المدينةَ ثُمَّ نُسِخَ برَمَضَانَ، وحُجَّةُ مَنِ اختَارَ صِيَامَ الأَيَّامِ البِيضَ الآثَارُ السَّالِفَةُ، واختَارَ قَومٌ مِنَ السَّلَفِ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ غيرِ مُعَيَّنَةٍ، عَلَى ظَاهِرِ روايةِ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي البابِ.
          ورَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي العَلَاءِ بنِ الشِّخِّيرِ أنَّ أَعرَابِيًّا سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: ((صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ كَثِيرًا مِنْ وَغَرَ الصُّدُورِ)).
          قَالَ مجاهدٌ: وَغَرُ الصَّدرِ غِشُّهُ، ومِمَّنْ كَانَ يَصُومُ ثلاثةَ أيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ ويَأْمُرُ بِهِنَّ: عليٌّ ومُعَاذٌ وأَبُو ذَرٍّ وأَبُو هُرَيْرَةَ، وكَانَ بعضُ السَّلَفِ يختارُ الثَّلَاثَةَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وهُوَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وكَانَ بعضُهم يختارُ الاثنينَ والخميسَ وهِيَ أمُّ سَلَمَةَ أمُّ المؤمنينَ وقَالَتْ: إنَّه أَمَرَهَا بذلكَ، وكَانَ بعضُهم يختارُ السَّبْتَ والأَحَدَ والاثنينَ، ومِنَ الشَّهْرِ الَّذِي يليهِ الثُّلَاثَاءَ والأَرْبِعَاءَ والخَمِيسَ، ومِنَ الشَّهْر الَّذِي يليهِ كذلكَ، وهِيَ عَائِشَةُ أمُّ المؤمنينِ، وهُوَ فِي «التِّرْمِذِيِّ» مُحَسَّنًا، ومنهم مَنْ كَانَ يَصُومُ آخِرَ الشَّهْرِ وهُوَ النَّخَعِيُّ، ويَقُولُ: هُوَ كفَّارةٌ لِمَا مَضَى.
          فأمَّا الَّذِينَ اختَارُوا صَومَ الاثنينِ والخميسِ؛ فلحديثِ أمِّ سَلَمَةَ وأخبارٍ أُخَرَ رُوِيَتْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلعم وأنَّ الأعمالَ تُعْرَضُ عَلَى اللهِ فيهما فأَحَبُّوا أنْ تُعْرَضَ أعمالُهم عَلَيْهِ وهُمْ صِيَامٌ، وأمَّا مختارُ عَائِشَةَ فلِئَلَّا يكونَ يومٌ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ إلَّا قَدْ صَامَتْهُ، وأمَّا مختارُ الحَسَنِ فَلِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثًا))، وصَوَّبَ الطَّبَرِيُّ تصحيحَ كلِّ الأخبارِ؛ ولكنْ لَمَّا صَحَّ عَنْهُ أنَّه اختارَ لِمَنْ أَرَادَ صَومَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامِ مِنْ كلِّ شَهْرٍ الأَيَّامَ البِيْضَ، فالصَّوَابُ اختيارُ مَا اختَارَ، وإنْ كَانَ غيرَ محظورٍ عَلَيْهِ أن يجعلَ صَومَ ذَلِكَ مَا شَاءَ مِنْ أَيَّامِ الشَّهْرِ؛ إذْ كَانَ ذلكَ نَفْلًا لَا فَرْضًا.
          فإنْ قُلْتَ: قَدْ أسلفتَ أنَّه كَانَ يَصُومُ الاثنينَ والخميسَ والثَّلَاثَةَ مِنْ غُرَّةِ الشَّهْرِ، قُلْتُ: نَعَمْ، ولَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ الَّذِي اختَارَ لِلْأَعْرَابِيِّ مِنْ أيَّامِ البِيْضِ كَمَا اختَارُوا أنَّ ذَلِكَ مِنْ فعلِه دليلٌ عَلَى أنَّ أَمْرَهُ لَهُ لَيْسَ بواجبٍ وإِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ، وأنَّ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ أُمَّتِهِ صَومَ ثلاثةِ أَيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ يختارُ مَا أَحَبَّ مِنْ أَيَّامِ الشَّهْرِ؛ فَيَجْعَلُ صَومَه فِيْمَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا كَانَ ◙ يفعلُه، فيَصُومُ مَرَّةً الأَيَّامَ البِيْضَ ومَرَّةً غُرَّةَ الهِلَالِ ومَرَّةً الاثنينَ والخميسَ / إذْ كَانَ لأُمَّتِهِ الاستنانُ بِهِ فِيْمَا لم يُعَلِّمْهُمْ أنَّه لَهُ خَاصٌّ دُوْنَهُمْ.
          وفي «النَّسَائِيِّ» بإسنادٍ صحيحٍ مِنْ حَدِيْثِ جَريرٍ مَرْفُوْعًا: ((صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ، الأَيَّامُ البِيْضِ صَبِيحَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ))، قَالَ القُرْطُبِيُّ: كَذَا رُوِّيْنَاهُ عَنْ مُتْقِنِي شُيُوخِنَا برفعِ ((أيَّامُ)) و((صَبِيْحَةُ)) عَلَى إضمارِ المبتدأِ، كَأَنَّه قَالَ: أَيَّامُ البِيْضِ، عائدًا عَلَى ((ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ))، و((صَبِيْحَةُ)) تُرْفَعُ عَلَى البَدَلِ مِنْ ((أَيَّامُ))، ومَنْ خَفَضَ فِيْهَا فَعَلَى البَدَلِ مِنَ الأيَّامِ المذكورةِ.
          وذَكَرَ الجَوَالِيْقِيُّ فِي «مَا تُخْطِئُ فِيْهِ العَامَّةُ» مِنْ ذَلِكَ قولَهم: الأَيَّامُ البِيْضُ، يجعلونَ البِيْضَ وَصْفًا للأَيَّامِ، والأَيَّامُ كلُّها بِيْضٌ، وهُوَ غَلَطٌ، والصَّوَابُ أن يُقَالَ: أَيَّامُ البِيْضِ، أي: أَيَّامُ اللَّيالِي البِيْضِ لأنَّ البِيْضَ صِفَةٌ لَهَا دُوْنَ الأَيَّامِ.
          ثُمَّ هَذَا الحديثُ مُقَيِّدٌ لِمُطْلَقِ الثَّلَاثَةِ الأَيَّامِ الَّتِي صَومُها كصَومِ الدَّهْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ ◙ عَيَّنَهَا؛ لأنَّها وَسَطُ الشَّهْرِ وأَعدَلُه كَمَا قَالَ: ((خَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَاطُهَا)).
          واختُلِفَ فِي أيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ أَفْضَلُ للصَّوْمِ؟ فقَالَتْ جماعةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِيْنَ منهم عُمَرُ وابنُ مَسْعُوْدٍ وأَبُو ذَرٍّ: صَومُ الأَيَّامِ البيضِ أَفْضَلُ، وقَدْ سَلَفَ ذَلِكَ مبسوطًا، وفِي حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ: كَانَ ◙ يَصُومُ ثلاثةَ أَيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثنينٍ والخميسَ الَّذِي بعدَه والخميسَ الَّذي يليهِ، وفي حديثِ عَائِشَةَ عند مُسْلِمٍ: كَانَ لَا يُبَالِي مِنْ أيِّ الشَّهْرِ صَامَ، وحاصلُه ثلاثةُ أَيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ حَيْثُ صَامَهَا فِي أيِّ وقتٍ أوقعَها كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، واختلافُ الأحاديثِ يَدُلُّ عَلَى أنَّه لم يُرَتَّبْ عَلَى زمنٍ بعينِه مِنَ الشَّهْرِ، ومِنَ الغريبِ إبدالُ الخامسَ عَشَرَ بالثَّانِي عَشَرَ مَعَ أنَّ الاحتياطَ صَومُه مَعَهُ.
          فَصْلٌ: قولُه (أَوْصَانِي خَلِيلِي) فيه: جَوَازُ قولِ الصَّاحِبِ لِرَسُوْلِ اللهِ صلعم ذلكَ، ولَا يَقُولُ: أَنَا خليلُه لِقَوْلِهِ: ((لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ))، وقَدْ تقدَّم [خ¦466]، وقولُه: (وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: فِيْهِ جَوَازُ النَّفْلِ بعدَ الوِتْرِ وتعجيلُ الوِتْرِ قبلَ القِيامِ لِمَا يُخْشَى مِنْ غَلَبَةِ النَّومِ.