-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
باب وجوب صوم رمضان
-
باب فضل الصوم
-
باب الصوم كفارة
-
باب الريان للصائمين
-
باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ومن رأى كله واسعًا
-
باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونيةً
-
باب: أجود ما كانَ النبي يكون في رمضان
-
باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم
-
باب: هل يقول: إني صائم إذا شتم؟
-
باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة
-
باب قول النبي: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا
-
باب: شهرا عيد لا ينقصان
-
باب قول النبي: لا نكتب ولا نحسب
-
باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين
-
باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}
-
باب قول الله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض}
-
باب قول النبي: لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال
-
باب تأخير السحور
-
باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر
-
باب بركة السحور من غير إيجاب
-
باب: إذا نوى بالنهار صومًا
-
باب الصائم يصبح جنبًا
-
باب المباشرة للصائم
-
باب القبلة للصائم
-
باب اغتسال الصائم
-
باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا
-
باب سواك الرطب واليابس للصائم
-
باب قول النبي: إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء
-
باب: إذا جامع في رمضان
-
باب: إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر
-
باب الحجامة والقيء للصائم
-
باب الصوم في السفر والإفطار
-
باب: إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر
-
باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر
-
باب: لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضًا في الصوم والإفطار
-
باب من أفطر في السفر ليراه الناس
-
باب: {وعلى الذين يطيقونه فدية}
-
باب: متى يقضى قضاء رمضان؟
-
باب: الحائض تترك الصوم والصلاة
-
باب من مات وعليه صوم
-
باب: متى يحل فطر الصائم؟
-
باب: يفطر بما تيسر عليه بالماء وغيره
-
باب: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس
-
باب صوم الصبيان
-
باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام
-
باب التنكيل لمن أكثر الوصال
-
باب الوصال إلى السحر
-
باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه
-
باب صوم شعبان
-
باب ما يذكر من صوم النبي وإفطاره
-
باب حق الضيف في الصوم
-
باب حق الجسم في الصوم
-
باب صوم الدهر
-
باب حق الأهل في الصوم
-
باب صوم يوم وإفطار يوم
-
باب صوم داود
-
باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة
-
باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم
-
باب الصوم آخر الشهر
-
باب صوم يوم الجمعة
-
باب: هل يخص شيئًا من الأيام؟
-
باب صوم يوم عرفة.
-
باب صوم يوم الفطر
-
باب الصوم يوم النحر
-
باب صيام أيام التشريق
-
باب صيام يوم عاشوراء
-
باب وجوب صوم رمضان
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░39▒ بَابُ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة:184]
قَالَ ابنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ: نَسَخَتْهَا {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ} إِلَى قولِهِ: {وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} الآية [البقرة:185].
1949- ثُمَّ سَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ قَرَأَ: {فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ} [البقرة:184] قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. وَقَالَ ابنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مُرَّةَ حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلعم: نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِيْنًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184] فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ.
الشَّرْحُ: أَثَرُ ابنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي التَّفسِيرِ وقَالَ: {طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]، وَكَذَا رَوَاهُ الإسماعيليُّ فِي «صحيحِه»، وأَثَرُ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ فِي تفسيرِه عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ بَكْرِ بنِ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ يَزِيْدَ بنِ أبي عُبَيْدٍ عَنْهُ، بلفظِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة:184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ ويَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيةُ الَّتِي بعدَها فَنَسَخَتْها. ولفظُ مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة:184]، كَانَ مَنْ أَرَادَ أنْ يُفْطِرَ ويَفْتَدِيَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيةُ الَّتِي بعدَها فنَسَخَتْهَا.
وفي «مُسْتَدْرَكِ» الحَاكمِ عَنْهُ _وقَالَ: صحيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ_ أنَّه قَرَأَ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وَاحِدٍ {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة:184]. قَالَ: زَادَ مِسْكِيْنًا آخرَ {فَهُوَ خيرٌ لَهُ} ولَيسَتْ مَنْسُوخَةً، إلَّا أنَّه رَخَّصَ للشَّيخِ الكبيرِ الَّذِي لَا يستطيعُ الصِّيَامَ، وأَمَرَ أَنْ يُطْعِمَ الَّذِي يَعْلَمُ أنَّه لَا يُطِيْقُهُ، وفي روايةٍ لَهُ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ: ولَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
وفي الجزءِ الخامسِ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ بنِ رُهَيْلٍ البَغْدَادِيِّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة:184] قَالَ: الشَّيخُ الكبيرُ الَّذِي لَا يَستَطِيعُ الصِّيامَ يُفْطِرُ ويُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ مَكَانَ كُلِّ يومٍ، ثُمَّ قَالَ: محفوظٌ مِنْ حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ يعني عَنْ منصورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ موقوفٌ. ومَلِيْحٌ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيْدِ العَدَنِيِّ عَنْهُ، ثُمَّ سَاقَهُ، وتعليقُ ابنِ نُمَيْرٍ أَسْنَدَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا ابنُ زَيْدَانَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ والحَسَنُ بنُ عَفَّانَ قَالَا: حَدَّثَنَا ابنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ بِلَفْظِ: حَدَّثَنَا صاحِبُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ عَلَى ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، قَالَ: وَنَزَلَ رمضانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ. الحديثَ. وأَسْنَدَهُ البَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيْثِ عليٍّ يَعْنِي: ابنَ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيَّ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ بلفظِ: حَدَّثَنَا أصحابُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أُحِيلَ الصَّومُ عَلَى ثلاثةِ أحوالٍ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيْثِ المَسْعُوْدِيِّ عَنْ عُمَرَ عَنِ ابنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: أُحِيلَ الصِّيَامُ ثلاثةَ أحوالٍ... فَذَكَرَهُ. وهَذَا يُبَيِّنُ الصَّاحِبَ مَنْ هُوَ، لكنْ قَالَ البَيْهَقِيُّ: إنَّه مُرْسَلٌ، ابنُ أَبِي لَيْلَى لم يُدْرِكْ مُعَاذًا، وللحَازِمِيِّ مِنْ طريقِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، قَالَ: وذَكَرَ فِيْهِ أنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ لَا عَلَى جهةِ الفَرْضِ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي تأويلِ هَذِهِ الآيةِ؛ فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وابنِ عَبَّاسٍ _في روايةٍ_ وعِكْرِمَةَ وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ وَمُجَاهِدٍ: أنَّهم قَرَؤُوهَا: «يَطَّوَّقُونَهُ» _بفتحِ أوَّلِهِ وثانيهِ مُشَدَّدًا_ قَالَ: الَّذِينَ يَحمِلُونَه ولَا يُطِيقُونَهُ فديةٌ، فعَلَى هَذَا القولِ الآيةُ مُحْكَمَةٌ غيرُ منسوخةٍ يَعْنِي: فِي الشَّيخِ والحَامِلِ والمُرْضِعِ، وَهُوَ قَوْلٌ / حَسَنٌ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، ولكنَّ النَّاسَ ليسُوا عَلَيْهِ لأنَّ الَّذِي ثَبَتَ بينَ اللَّوحِينِ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ العراقِ والحجازِ والشَّامِ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة:184] ولَا تكونُ الآيةُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ إلَّا منسوخةً، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابنِ عُمَرَ وسَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ ومُعَاذٍ وابنِ أَبِي لَيْلَى وعَلْقَمَةَ والنَّخَعِيِّ والحَسَنِ والشَّعْبِيِّ والزُّهْرِيِّ، ونَقَلَهُ القَاضِي عِيَاَضٌ عَنِ الجمهورِ. فتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي ناسخِ هَذِهِ الآيةِ ومنسوخِها عَلَى أربعةِ مَنازِلَ، لكلِّ واحدةٍ مِنْهُنَّ حُكْمٌ سِوَى حُكْمِ الأُخْرَى:
فالفِرْقَةُ الأُولَى مِنْهُمْ: وهُمْ أَصِحَّاءٌ ففرضُهم الصِّيَامُ ولَا يُجْزِئُهُمْ غيرُه، لَزِمَهُمْ ذَلِكَ بالآيةِ المُحْكَمَةِ وهِيَ قولُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185].
والثَّانِيَةُ: هُمْ مُخَيَّرُونَ بينَ الإفطارِ والصِّيَامِ، ثُمَّ عَلَيْهِمُ القَضَاءُ بعدَ ذَلِكَ _ولَا إِطْعَامَ عَلَيْهِمْ_ وهُمُ المسَافِرُونَ والمَرضَى بقولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185].
والثَّالِثَةُ: هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ الرُّخْصَةُ فِي الإطعامِ _ولا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ_ وهُمُ الشُّيُوخُ الَّذِينَ لَا يستطيعونَ الصِّيَامَ.
والرَّابِعَةُ: هُمُ الَّذِينَ اختَلَفَ العُلَمَاءُ فِيهِمْ بينَ القضاءِ والإطعامِ، وبكلِّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ بِهِ تأويلُ الُقرْآنِ، وأَفتَتْ بِهِ الفقهاءُ، فَذَهَبَ القَاسِمُ وسالمٌ وربيعةُ ومكحولٌ وأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أنَّ الشَّيخَ إِنِ استطاعَ الصَّومَ صَامَ، وإلَّا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شيءٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، إلَّا أنَّ مالكًا استَحَبَّ لَهُ الإطعامَ عَنْ كلِّ يومٍ مُدًّا، وحُجَّةُ هَذَا القولِ أنَّ اللهَ تَعَالَى إنَّما أوجبَ الفِدْيَةَ قبلَ النَّسْخِ عَلَى المُطِيقِينَ دونَ غيرهِم، وخَيَّرَهُمْ فِيْهِ بينَ أنْ يَصُومُوا بقولِه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة:184]، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ وأَلْزَمَهُمُ الصَّومَ حتمًا، وسَكَتَ عَمَّنْ لَا يُطيقُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الآيةِ، فصَارَ فرضُ الصِّيَامِ زائلًا عنهم كَمَا زَالَ فرضُ الزَّكَاةِ والحَجِّ عَنِ المُعْدِمِينَ الَّذِينَ لَا يَجِدوُن إِلَيْهِ سبيلًا. وأَبَى ذَلِكَ أَهْلُ العِرَاقِ والثَّوْرِيُّ، وأوجبُوا الفديةَ عَلَى الشَّيخِ وقَالُوا: إنَّ الزَّكَاةَ والحَجَّ لَا يُشْبِهَانِ الصِّيَامَ؛ لأنَّ الكتابَ والسُّنَّةَ فَرَّقَ بينهما؛ وذَلِكَ أنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ مِنَ الصَّوْمِ بَدَلًا أوجبَه عَلَى كلِّ مَنْ حِيلَ بينَه وبينَ الصِّيَامِ _وهُوَ الفديةُ_ كَمَا جَعَلَ التَّيَمُّمَ بَدَلًا مِنَ الطَّهُورِ واجبًا عَلَى مَنْ أَعْوَزَهُ الماءُ، وكَمَا جَعَلَ الإيماءَ بَدَلًا مِنَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا، ولَمْ يَجعَلْ مِنَ الزَّكَاةِ والحَجِّ بَدَلًا لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا. وإِلَى هَذَا ذَهَبَ الكُوْفِيُّوْنَ والأَوْزَاعِيُّ والشَّافِعِيُّ، وحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وابنِ عَبَّاسٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ وأَنَسٍ وسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ وطَاوُسٍ وأَحْمَدَ.
وأمَّا الفِرقَةُ الرَّابِعَةُ: فالحَامِلُ والمُرضِعُ؛ وفيهما اختَلفَ النَّاسُ قديمًا وحديثًا، فَقَالَ بعضُ العلماءِ: إِذَا ضَعُفَتَا عَنِ الصِّيَامِ وخَافَتْ عَلَى نَفسِها ووَلَدِهَا أَفْطَرَتْ وأَطعَمَتْ عَنْ كلِّ يومٍ مِسْكِيْنًا، فَإِذَا فَطَمَتْ وَلَدَهَا قَضَتْهُ، وهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وأَحْمَدَ، وعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إِنْ أَفْطَرَتَا خوفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَجَبَ القَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، أَوْ عَلَى الوَلَدِ فالقَضَاءُ والفِدْيَةُ، وقَالَ المُزَنِيُّ: تُسْتَحَبُّ الفِدْيَةُ، وقِيْلَ: تَجِبُ عَلَى المُرْضِعِ دونَ الحَامِلِ، وعَنْ إِسْحَاقَ: تُخَيَّرَانِ بينَ القَضَاءِ ولَا فِدْيَةَ، وبينَ الفِدْيَةِ ولَا قَضَاءَ، وقَالَت الظَّاهِرِيَّةُ: لَا قَضَاءَ ولَا فِدْيَةَ، وقَالَ آخرونَ: عَلَيْهِمَا الإطعامُ ولَا قَضَاءَ، وهُوَ قَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ وابنِ عُمَرَ وسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ وقَتَادَةَ، وقَالَ آخرونَ: عَلَيْهِمَا القَضَاءُ ولَا كَفَّارَةَ كالمريضِ، وهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ والنَّخَعِيِّ والحَسَنِ والزُّهْرِيِّ وابنِ جُبَيْرٍ ورَبِيعَةَ والأَوْزَاعِيِّ وأَبِي حَنِيْفَةَ والثَّورِيِّ، ورَوَى ابنُ عبدِ الحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ مثلَه، وهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وفرقةٌ رابعةٌ: فَرَّقَتْ بينَ الحُبلَى والمُرضِعِ؛ فَقَالَتْ فِي الحُبلَى: هِيَ بمنزلةِ المريضِ تُفْطِرُ وتَقضِي ولَا إِطعْاَمَ عَلَيْهَا، والمُرْضِعُ تُفْطِرُ وتُطْعِمُ وتَقضِي، هَذَا قولُ مالكٍ فِي «المُدَوَّنَةِ» واللَّيثِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وكلُّ هؤلاءِ إنَّما تَأَوَّلُوا قولَه تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة:184] فمَنْ أوجبَ القَضَاءَ والإطعامَ مَعًا ذَهَبَ إِلَى أنَّ اللهَ تَعَالَى حَكَمَ فِي تاركِ الصَّومِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بحُكْمَينِ، فجَعَلَ الفديةَ فِي آيةٍ والقَضَاءَ فِي أُخرَى، فَلَمَّا لم يَجِدْ ذِكْرَ الحَامِلِ والمُرضِعِ مُسَمًّى فِي وَاحِدَةٍ منهما جَمَعَهُمَا جميعًا عَلَيْهِمَا احتياطًا لهما وأخذًا بالثِّقَةِ، ومَنْ أوجبَ الإطعامَ فقطْ فقَالَ: لَيْسَا كالسَّفَرِ والمَرَضِ، ولكنَّهما مِمَّنْ كُلِّفَ الصَّومَ وطُوِّقَهُ ولَيْسَ بمُطِيقٍ فهُمْ مِنْ أهلِ الإطعامِ فقطْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ▬وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكينَ ↨[البقرة:184]، وهِيَ قراءةُ ابنِ عَبَّاسٍ وفُتيَاهُ، وقَدْ يجوزُ هَذَا عَلَى قراءةِ {يُطِيقُونَهُ} أي بجهدٍ ومَشَقَّةِ فيَتَّحِدُ معناهما، قَالَهُ غيرُ أبي عُبِيْدٍ، ومَنْ أوجبَ القَضَاءَ فقطْ ذَهَبَ إِلَى أنَّ الحَمْلَ والرَّضَاعَ عِلَّتَانِ مِنَ العِلَلِ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ فِيْهِمَا مِنَ التَّلَفِ عَلَى الأنفسِ مَا يُخَافُ مِنَ المرضِ، وشَاهِدُهُ حديثُ أَنَسٍ: أَتَيتُ النَّبِيَّ صلعم فِي إبلٍ لجارٍ لِي أُخِذَتْ فوافقتُه يَأْكُلُ فَدَعَانِي إِلَى طَعَامِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ فقَالَ: ((ادْنُ أُخْبِرْكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنِ المُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الحَامِلِ وَالمُرْضِعِ))، فَقَرَنَهُمَا بالمسافرِ ولَا يلزمُه غيَر القَضَاءِ. وقَالَ القاضي عِيَاضٌ: اختَلفَ السَّلَفُ هَلْ هِيَ مُحْكَمةٌ أو مخصوصةٌ أو منسوخةٌ كلُّها أو بعضُها؟ فَقَالَ الجمهورُ: هِيَ منسوخةٌ ثُمَّ استَدَلَّ بقولِ سَلَمَةَ، ثُمَّ اختَلَفُوا هَلْ بَقِيَ منها مَا لم يُنْسَخْ؟ فَرُوِيَ عَنِ ابنِ عُمَرَ والجمهورِ أنَّ حُكْمَ الإطعامِ باقٍ عَلَى مَنْ لم يُطِقِ الصَّومَ لكِبَرِهِ، وقَالَ جماعةٌ مِنَ السَّلَفِ ومالكٌ وأَبُو ثَوْرٍ ودَاوُدُ: جميعُ الإطعامِ منسوخٌ وليسَ عَلَى الكبيرِ إِذَا لم يُطِقِ الصَّومَ إطعامٌ، واستَحَبَّهُ لَهُ مالكٌ.
وقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الرُّخْصَةُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الصَّومِ ثُمَّ نُسِخَ فِيْهِ، وبَقِيَ فِيْهِ فِيمَنْ لَا يُطِيقُ، وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وغيرُه: نَزَلَتْ فِي الكبيرِ والمريضِ اللَّذِينِ لَا يقدرانِ عَلَى الصَّومِ؛ فهي عندَه محكمةٌ، لكنَّ المريضَ يَقضِي إِذَا بَرَأَ، وأكثرُ العلماءِ عَلَى أنَّه لَا إطعامَ عَلَى المريضِ. وقَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ والزُّهْرِيُّ ومَالِكٌ: هِيَ محكمةٌ، ونَزَلَتْ فِي المريضِ يُفْطِرُ ثُمَّ يَبْرَأُ فلَا يَقضِي حَتَّى يَدْخَلَ رمضانُ آخرُ فيلزمُه صومُه ثُمَّ يَقضِي بعدَما أَفْطَرَ، ويُطْعِمُ عَنْ كلِّ يومٍ مُدًّا مِنْ حنطةٍ، فأمَّا مَنِ اتَّصَلَ صومُه برمضانَ ثانٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إطعامٌ بَلْ عَلَيْهِ القَضَاءُ فقطْ. وقَالَ الحَسَنُ وغيرُه: / الضَّمِيرُ فِي {يُطَوَّقُونَه} عَائِدٌ عَلَى الإطعامِ لَا عَلَى الصَّومِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَهِيَ عندَه عَامَّةٌ. ثُمَّ جمهورُ العلماءِ عَلَى أنَّ الإطعامَ عَنْ كلِّ يومٍ مُدٌّ، وقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: مُدَّانِ، ووَافَقَهُ صَاحِبَاهُ.
فَائِدَةٌ: ((يَطَّوَّقُوْنَهُ)) بفتحِ أَوَّلِهِ وثانيهِ مُشَدَّدًا كَمَا أسلفتُه، وقُرِئَ بضَمِّ الياءِ وفتحِ الطَّاءِ وتشديدِ الواوِ وفتحِها، حَكَاهُمَا ابنُ التِّيْنِ مَعَ الأُولَى، وعَزَا الأُولَى إِلَى مجاهدٍ، قَالَ: والنَّاسِخُ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} خِلَافًا لابنِ أَبِي لَيْلَى كَمَا سَلَفَ، قَالَ: وهُوَ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ ابنِ عَبَّاسٍ: إنَّها محكمةٌ، قَالَ: وحَمْلُ (يُطِيْقُوْنَهُ) عَلَى (يُطَوَّقُوْنَهُ) مَجَازٌ بعيدٌ بغيرِ دليلٍ، ولَا يُقَالُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ أنْ يَصُومَ: أَنْ تَصُومَ خيرٌ لَكَ، وقولُه: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة:184] قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: زَادَ مِسْكِيْنًا آخَرَ، وقَالَ مجاهدٌ: أَطْعَمَ صَاعًا فتَطَوَّعَ بثلاثةِ أَمْدَادٍ.