التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: أجود ما كانَ النبي يكون في رمضان

          ░7▒ بَابٌ: أَجْوَدُ مَا كَانَ النَّبِيُّ _صلعم_ فِي رَمَضَانَ.
          1902- ذَكَرَ فيه حديثَ ابن عبَّاسٍ قال: (كَانَ النَّبِيُّ _صلعم_ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ _◙_ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عليه النَّبِيُّ _صلعم_ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ).
          هذا الحديث أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا و(أَجْوَدَ) الأوَّلُ بالفتح، وقوله: (وَكَانَ أَجْوَدَ) كذلك، وجوَّز ابنُ مالكٍ رفعه أيضًا، وامتثلَ النَّبيُّ _صلعم_ في هذا قوله _تعالى_ وأمرَه بتقديم الصَّدقة بين يدي نجوى الرسول _صلعم_ الَّذِي كَانَ أمر به _تعالى_ عبادَه ثمَّ عفا عنهم لإشفاقهم مِنْ ذلك، فامتثل ذلك عند مناجاته جبريلَ، وقد سلف هذا المعنى [خ¦6].
          وَفيه بركةُ مجالسَةِ الصَّالحين، وأنَّ فيها تذكيرًا لفعل الخير وتنبيهًا على الازدياد مِنَ العمل الصالح، وكذلك أمر _صلعم_ بمجالسة العلماء، ولزوم حِلَقِ الذِّكر، وشبَّه الجليسَ الصَّالح بالعطَّار إنْ لم يحذك مِنْ متاعُه لم تَعْدَمْ طِيبَ ريحِه، ألا ترى قول لقمانَ لابنه: يا بنيَّ جالسِ العلماءَ وزاحمْهم بركبتيك، فإنَّ الله _تعالى_ يحيي القلوبَ بنورِ الحكمةِ كما يحيي الأرضَ الميْتةَ بوابلِ السَّماء، وَقَالَ مرَّةً أُخْرَى: فلعلَّ أن تصيبَهم رحمةٌ فتنالَك معهم، فهذه ثمرةُ مجالسةِ أهلِ الفضل ولقائهم.
          وَفيه بركةُ / أعمالِ الخير، وأنَّ بعضَها يفتَحُ بعضًا ويعينُ على بعضٍ، ألا ترى أنَّ بركةَ الصِّيام ولقاءَ جبريلَ _◙_ وعرضَه القرآنَ عليه زاد في جُوده _صلعم_ وصدقتِه، حتَّى كَانَ أجودَ مِنَ الرِّيح المرسلَة؟ ونزولُ جبريلَ _◙_ في رمضانَ للتِّلاوة دليلٌ عظيمٌ لفضلِ تلاوةِ القرآن فيه، وهذا أصلُ تلاوةِ النَّاسِ القرآنَ في كلِّ رمضانٍ تأسِّيًا به ومعنى مدارستِه إيَّاه فيه؛ لأنَّه الشَّهر الَّذِي أُنزل فيه القرآنُ كما نطق به القرآنُ، وَفيه أنَّ المؤمن كلَّما ازداد عملًا صالحًا وفُتح له بابٌ مِنَ الخير، فإنَّه ينبغي له أن يطلُب بابًا آخرَ وتكونُ عينُه ممتدَّةً في الخير إلى فوقِ عمله، ويكونُ خائفًا وجِلًا غيرَ معجَبٍ بعمله، طالبًا للارتقاءِ في درجات الزِّيادة.