التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: شهرا عيد لا ينقصان

          ░12▒ بَابٌ: شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ.
          قَالَ إِسْحَاقُ: وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَهُوَ تَمَامٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ يَجْتَمِعَانِ كِلاَهُمَا نَاقِصٌ.
          1912- ثمَّ ذكر حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بَكْرَةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ رَسول الله _صلعم_: (شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ، شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ، وَذُو الحِجَّةِ).
          حديث أبي بَكْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، ونقل الدَّاوُدِيُّ عن بعضِ العلماء أنَّه لم يروِه أهلُ المدينة، وإسحاقُ هذا هو ابنُ سُوَيْدِ بن هُبَيْرَةَ العَدَوِيُّ، عَدِيُّ بنُ عبدِ مَنَاةَ بن أُدِّ بنِ طابخةَ بن إلْياسَ بن مُضَرَ، رَوَى له البخاريُّ حديثًا واحدًا مقرونًا وهو المذكور بعدُ في حديث أبي بَكْرَةَ الرَّاوي عن عبد الرَّحمن بن أبي بَكْرَةَ، عن أبيه، مات في الطَّاعون سنةَ إحدى وثلاثين ومِئَةٍ.
          وعبدُ الرَّحمن بنُ أبي بَكْرَةَ أوَّلُ مولودٍ وُلد بالبصرةِ في الإسلام سنة أربعَ عشْرَةَ، ومات سنةَ ستٍّ وتسعين، ومات أبو بَكْرَةَ نُفَيْعُ بنُ مَسْرُوحٍ سنةَ إحدى وخَمسينَ بالبصرة، ولمَّا خرَّج التِّرمذيُّ حديثَ أبي بكْرَةَ حسَّنه، قال: وقد رُوي عن عبد الرَّحمن بن أبي بَكْرَةَ، عن النَّبيِّ _صلعم_ مرسَلًا، وسُمِّي شهرُ رمضانَ شهرَ عيدٍ، وإنَّما العيدُ في شوَّالٍ؛ لأنَّه قد يُرى هلالُ شوَّالٍ بعد الزَّوال مِنْ آخرِ يوم مِنْ رمضانَ، أو أنَّه لمَّا قرُب العيد مِنَ الصَّوم أضافتْه العربُ إليه بما قَرُب مِنْه، ذكرهما الأثرمُ، واختُلف في معناه على تأويلين: أحدُهما: لا ينقُصان مِنْ سنةٍ، أي غالبًا، والثاني: لا ينقصُ ثوابُهما بل ثوابُ النَّاقصِ كالكامل، وقد ذكرهما البخاريُّ أوَّلَ الباب، أو المراد لا ينقص العملُ في عَشْرِ ذي الحِجَّة ولا رمضانَ، وفيه قوَّةٌ، وبالأوَّل قَالَ البزَّارُ: إنْ نَقَصَ أحدُهما تمَّ الآخَرُ.
          وقال الطَّحاويُّ: رَوَى عبدُ الرَّحمن بنُ إسحاقَ، عن عبدِ الرَّحمن بن أبي بَكْرَةَ، عن النَّبيِّ _صلعم_ أنَّه قال: ((كُلُّ شَهْرٍ حَرَامٍ ثَلَاثُونَ)) قال: وليس بشيءٍ لأنَّ ابنَ إسحاقَ لا يقاومُ خالدًا الحذَّاء، ولأنَّ العِيان يمنعُه، وَقَالَ المهلَّب: رَوَى زيدُ بن عُقْبَةَ عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ مرفوعًا: ((شَهْرَا عيدٍ لَا يَكونَانِ ثَمانيةً وخَمْسِيْنَ يَوْمًا))، وبالثَّاني قَالَ الطَّحاويُّ والبَيْهَقِيُّ: والأحكامُ متكاملةٌ فيهما لأنَّ في الأوَّل الصَّومَ وفي الثَّاني الحجَّ.
          فإن قلتَ: موضعُ العبادة مِنْ ذي الحجَّة لا يتأثَّر بالنَّقص؛ لأنَّ موضعَ العبادة مِنْه في أوَّله خاصَّةً، فجوابُه أنَّه قد يكون في أيَّام الحجِّ مِنَ النُّقصان والإغماء مثلُ مَا يكون في آخرِ رمضان، وذلك أنَّه قد يُغمى هلالُ ذي القَعْدة ويقع فيه غلطٌ بزيادةِ يومٍ أو نُقصانِه، فإذا كَانَ ذلك وقعَ وقوفُ الناس بعرفةَ في ثامنِ ذي الحجَّة ومرَّة عاشرِه، وقد اختلف العلماء فيمَنْ وقف بعرفَةَ بخطأٍ شاملٍ لجميع أهلِ الموقف في يومٍ قبلَ عرفةَ أو بعدَه، أيجزئ عنه؟ لأنَّهما لا ينقصان عند الله مِنْ أجر المتعبِّدين بالاجتهاد، كما لا ينقُص أجرُ رمضانَ النَّاقصِ، والإجزاء هو قولُ عطاءٍ والحسنِ وأبي حَنِيْفَةَ والشَّافعيِّ، واحتجَّ أصحاب الشَّافعيِّ على جواز ذلك بصيامِ مَنِ التَبَسَتْ عليه الشُّهور أنَّه جائزٌ أن يقعَ صيامُه قبلَ رمضانَ وبعدَه، قالوا: كما يجزئ حجُّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قبلَ يومِ عرَفَةَ أو بعده.
          وقَالَ ابْنُ القاسم: إنْ أخطؤوا ووقفوا العاشرَ أجزأهم، وإن قدَّموا الوقوف يوم التَّروية أعادوا الوقوفَ مِنَ الغد ولم يجزئْهم، وهذا يخرج على أصل مالكٍ فيمَنِ التَبَسَتْ عليه الشُّهور فصام شهرًا ثمَّ تبيَّن أنَّه أوقعه بعدَ رمضان، أنَّه يجزئه دون مَا إذا أوقعه قبلَه، كمَنِ اجتهدَ وصلَّى قبلَ الوقتِ أنَّه لا يجزئُه، وَقَالَ بعضُ العلماء: إنَّه لا يقع وقوفُ الثَّامن أصلًا؛ لأنَّه إن كَانَ برؤيةٍ وقفوا التَّاسعَ، وإن كَانَ بإغماءٍ فالعاشرَ.