-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
باب وجوب صوم رمضان
-
باب فضل الصوم
-
باب الصوم كفارة
-
باب الريان للصائمين
-
باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ومن رأى كله واسعًا
-
باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونيةً
-
باب: أجود ما كانَ النبي يكون في رمضان
-
باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم
-
باب: هل يقول: إني صائم إذا شتم؟
-
باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة
-
باب قول النبي: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا
-
باب: شهرا عيد لا ينقصان
-
باب قول النبي: لا نكتب ولا نحسب
-
باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين
-
باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}
-
باب قول الله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض}
-
باب قول النبي: لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال
-
باب تأخير السحور
-
باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر
-
باب بركة السحور من غير إيجاب
-
باب: إذا نوى بالنهار صومًا
-
باب الصائم يصبح جنبًا
-
باب المباشرة للصائم
-
باب القبلة للصائم
-
باب اغتسال الصائم
-
باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا
-
باب سواك الرطب واليابس للصائم
-
باب قول النبي: إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء
-
باب: إذا جامع في رمضان
-
باب: إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر
-
باب الحجامة والقيء للصائم
-
باب الصوم في السفر والإفطار
-
باب: إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر
-
باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر
-
باب: لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضًا في الصوم والإفطار
-
باب من أفطر في السفر ليراه الناس
-
باب: {وعلى الذين يطيقونه فدية}
-
باب: متى يقضى قضاء رمضان؟
-
باب: الحائض تترك الصوم والصلاة
-
باب من مات وعليه صوم
-
باب: متى يحل فطر الصائم؟
-
باب: يفطر بما تيسر عليه بالماء وغيره
-
باب: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس
-
باب صوم الصبيان
-
باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام
-
باب التنكيل لمن أكثر الوصال
-
باب الوصال إلى السحر
-
باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه
-
باب صوم شعبان
-
باب ما يذكر من صوم النبي وإفطاره
-
باب حق الضيف في الصوم
-
باب حق الجسم في الصوم
-
باب صوم الدهر
-
باب حق الأهل في الصوم
-
باب صوم يوم وإفطار يوم
-
باب صوم داود
-
باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة
-
باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم
-
باب الصوم آخر الشهر
-
باب صوم يوم الجمعة
-
باب: هل يخص شيئًا من الأيام؟
-
باب صوم يوم عرفة.
-
باب صوم يوم الفطر
-
باب الصوم يوم النحر
-
باب صيام أيام التشريق
-
باب صيام يوم عاشوراء
-
باب وجوب صوم رمضان
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░40▒ بَابٌ: مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ؟
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185].
وَقَالَ ابنُ المُسَيِّبِ فِي صَوْمِ العَشْرِ: لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا.
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا وَابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُطْعِمُ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللهُ الإِطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184].
1950- ثُمَّ سَاقَ حَدِيْثَ عَائِشَةَ: (كَانَ يَكُوْنُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ)، قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صلعم.
الشَّرْحُ: أَثَرُ ابنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ عَنْهُ: فِيْمَنْ عَلَيْهِ قضاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ يقضيهِ مُفَرَّقًا، فإنَّ الله تَعَالَى قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185].
وأَثَرُ ابنِ المُسَيِّبِ أَرَادَ بِهِ أنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ أَوْلَى مِنَ التَّطَوُّعِ، وقَدْ رَوَى ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيْدٍ: أنَّه كَانَ لَا يَرَى بأسًا أنْ يُقضَى رَمَضَانُ فِي العَشْرِ، وقَدْ أخرجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: أنَّه كَانَ لَا يَرَى بأسًا بقَضَاءِ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، ثُمَّ ذَكَرَهُ مَوْقُوْفًا أَيْضًا، وعَن الحَارِثِ عَنْ عليٍّ مَرْفُوْعًا: ((لَا يُقْضَى رَمَضَانُ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ))، ثُمَّ قَالَ: الموقوفُ أَصَحُّ، زَادَ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ: ((فَإِنَّهُ شَهْرُ نُسُكٍ))، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا بَأْسَ أن يَصُومَها فِي العَشْرِ، وعَنْ إِبْرَاهِيْمَ وابنِ المُسَيِّبِ مثلُه، وعَنْ عَطَاءٍ وطَاوُسٍ ومجاهدٍ: اقْضِ رَمَضَانَ مَتَى شِئْتَ.
وقَالَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، يَعْنِي: فِي العَشْرِ، وعَنِ الحَسَنِ: أنَّه كَرِهَهُ، وقَالَ ابنُ المُنْذِرِ: اختُلِفَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فِي ذِي الحِجَّةِ فكَانَ ابنُ المُسَيِّبِ والشَّافِعِيُّ وغيرُهما يَقُولُونَ: ذَلِكَ جائزٌ إلَّا أَيَّامَ النَّهيِ، ورُوِّيْنَا عَنْ عليٍّ أنَّه كَرِهَهُ وبِهِ قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، قَالَ: وجوازُها أَولَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] إلَّا يَومَ النَّحرِ وأَيَّامَ التَّشرِيقِ.
وقولُه: ((وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)) إِلَى آخِرِهِ، يَعْنِي: أنَّه رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا، وابنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوْفًا، وذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا مِنْ طَرِيْقِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ _ولم يَسْمَعْ مِنْهُ فِيْمَا ذَكَرَهُ البَرْدِيْجِيُّ_ ولَعَلَّ هَذَا مُرَادُ البُخَارِيِّ بالإرسالِ.
ولفظُه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ فِي شهرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ صَحَّ ولَمْ يَصُمْ ثُمَّ أَدركَهُ رَمَضَانُ، قَالَ: ((يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ يَصُومُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ، وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْنًا))، ثُمَّ قَالَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ وابنُ وَجِيْهٍ ضَعِيفَانِ، ورَوَاهُ مِنْ طريقِ مجاهدٍ وعَطَاءٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوْفًا، وقَالَ: فِي كلٍّ منهما إسنادٌ صحيحٌ موقوفٌ، وفي طريقِ عَطَاءٍ: ((مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ))، ومِنْ طَرِيْقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوْفًا: ((يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْنًا))، ولِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيْثِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ: ((وَيَقْضِيهِ))، ثُمَّ قَالَ: ورُوِّيْنَا عَنِ ابنِ عُمَرَ وأَبِي هُرَيْرَةَ فِي الَّذِي لم يصحَّ حَتَّى أدركَهُ رَمَضَانُ آخَرُ: يُطعِمُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وعَنِ الحَسَنِ وطَاوُسٍ والنَّخَعِيِّ: يَقضِي ولَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
وحديثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، ويَحْيَى هُوَ ابنُ سَعِيدٍ كَمَا أَخْرَجَهُ ابنُ مَاجَهْ مُصَرَّحًا بِهِ، وجَزَمَ بِهِ عَبْدُ الحَقِّ فِي «جَمْعِهِ»، وجَزَمَ الضِّيَاءُ بأنَّه يَحْيَى القَطَّانُ، وقِيْلَ: يَحْيَى بنُ أبي كَثيرٍ، حَكَاهُ ابنُ التِّيْنِ وهما غريبانِ، ولِلتِّرْمِذِيِّ مُصَحَّحًا: مَا كُنْتُ أَقضِي مَا عليَّ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا فِي شَعْبَانَ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم.
إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فالإجماعُ قائمٌ عَلَى أنَّ مَنْ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ بعدَه أنَّه مُؤَدٍّ لفَرْضِهِ غَيْرُ مُفَرِّطٍ.
واختَلَفُوا فِي جَوَازِ قَضَائِهِ مُتَفَرِّقًا فَقَالَتْ طائفةٌ: لا بَلْ متتابعًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وابنِ عُمَرَ وعَائِشَةَ، وبِهِ قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ والنَّخَعِيُّ والشَّعْبِيُّ ونَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ ومُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وهُوَ قَوْلُ أهلِ الظَّاهِرِ، وقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ أنْ يُقضَى مُتَفَرِّقًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ وأَنَسٍ ومُعَاذٍ وحُذَيْفَةَ ورَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وهُوَ قَوْلُ جماعةِ أَئِمَّةِ الأمصارِ منهم الأربعةُ، وعَدَّدَ ابنُ أَبِي حاتِمٍ فِي «تفسيرِه» منهم فوقَ الثَّلاثينَ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِيْنَ وأتباعِهم، وفِيْهِ حديثٌ مُرسَلٌ، وحُجَّةُ الجماعةِ ظاهرةٌ فإِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((نَزَلَ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184-185] مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٌ))، قُلْتُ: قَدْ أَخبَرَتْ بسُقُوطِهَا فَلَا حُكْمَ لَهَا حَتَّى تَثْبُتَ القراءةُ وذَلِكَ حُجَّةٌ لَنَا.
ونَاقَضَ ابنُ حزمٍ فَادَّعَى الوُجُوبَ لِقَوْلِهِ: {وَسَارِعُوا} [آل عمران:133] ثمَّ قَالَ: فإنْ لم يفعلْ فَيَقضِيهَا مُتَفَرِّقَةً؛ لِقَوْلِهِ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولَمْ يَحُدَّ لَهُ حَدًّا، وقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي «استذكارِه»: رَوَى مالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّه كَانَ يَقُولُ بِهِ، يَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ متتابعًا مَنْ أَفْطَرَ مِنْ مَرَضٍ أو سَفَرٍ، وعَنِ ابنِ شِهَابٍ: أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ وأَبَا هُرَيْرَةَ: اختَلَفَا فَقَالَ أحدُهما: يُفَرَّقُ، وَقَالَ الآخَرُ: لَا يُفَرَّقُ، وعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، سَمِعَ ابنَ المُسَيِّبِ يَقُولُ: أَحَبُّ إليَّ ألَّا يُفَرَّقَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وإنْ تَوَاتَرَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: صَحَّ عندنا عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ أنَّهما أَجَازَا أنْ يُفَرَّقَ قَضَاءُ رَمَضَانَ. وصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إسنادَ حديثِ عَائِشَةَ: ((نَزَلَتْ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٌ))، وقَالَ ابنُ قُدَامَةَ: لم يَثْبُتْ عندنا صِحَّتُهُ، ولو صَحَّ فَقَدْ سَقَطَتِ اللَّفظَةُ وهِيَ لَا يحتجُّ بِهَا، وإنْ صَحَّ حملناهُ عَلَى الاستحبابِ والأفضليَّةِ.
وقَالَ غيرُه: لو ثَبَتَ كَانَتْ منسوخةً لفظًا وحكمًا؛ ولِهَذَا أَنَّه لم يقرأْ بِهِ فِي الشَّوَاذِّ، وادَّعَى القُرْطُبِيُّ أنَّها قراءةٌ فِي قراءةِ ابن مَسْعُوْدٍ. وحديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا: ((مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ / فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يُقَطِّعْهُ)) أَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ عَلَى روايةِ عبدِ الرَّحمَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَاصِّ، واختَلَفَ العُلَمَاءُ فِي المسافرِ والمريضِ إِذَا فَرَّطَ فِي قضاءِ رَمَضَانَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخرُ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وابنِ عَبَّاسٍ أنَّه يَصُومُ الَّذِي حَصَلَ فِيْهِ فَإِذَا خَرَجَ قَضَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وعَلَيْهِ الفِدْيَةُ، وهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ والقَاسِمِ والزُّهْرِيِّ ومَالِكٍ والأَوْزَاعِيِّ والثَّوْرِيِّ والشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ وإِسْحَاقَ، وقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ وأصحابُه: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا القَضَاءُ فقطْ وَلَا إطعامَ عَلَيْهِ، وحَكَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ _وهُوَ النَّخَعِيُّ_ وقَالَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ وقَتَادَةُ: يُطْعِمُ ولَا يَقضِي، وحُجَّة مَنْ قَالَ بالإطعامِ مَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عن يَحْيَى بن أَكْثَمَ قَالَ: فَتَّشْتُ عَنْ أقاويلِ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ المسألةِ فوَجَدْتُ عَنْ سِتَّةٍ منهم قَالُوا: عَلَيْهِ القَضَاءُ والفِدْيَةُ ولَمْ أَجَدْ لهم مُخَالِفًا.
فإنْ قُلْتَ: فالشَّارِعُ أَمَرَ الوَاطِئَ فِي رَمَضَانَ بالقَضَاءِ عَلَى مَا وَرَدَ كَمَا مَضَى ولَمْ يذكرْ لَهُ حَدًّا، قُلْتُ: قَدْ حَدَّتْهُ عَائِشَةُ هُنَا إِلَى شَعْبَانَ فعُلِمَ أنَّه الوقتُ المُضَيَّقُ، فَإِذَا ثَبَتَ أنَّ للقَضَاءِ وقتًا يُؤَدَّى فِيْهِ ويَفُوتُ ثَبَتَتِ الفِدْيَةُ لِأَنَّهُ يُشْبهُ الحجَّ الَّذِي يَفُوتُ وقتُه، أَلَا تَرَى أنَّ حَجَّةَ القَضَاءِ إِذَا دَخَلَ فِيْهَا وفَاتَتْ وَجَبَ الدَّمُ؟ فكَذَا إِذَا فَاتَ الصَّومُ وَجَبَتِ الفِدْيَةُ، واختَلَفُوا فِيْمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إنْ لم يصحَّ مِنْ مرضِه حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ المُقبِلُ، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ عُمَرَ وسَعِيْدُ بن جُبَيْرٍ: يَصُومُ عَنِ الثَّانِي ويُطْعِمُ عَنِ الأوَّلِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وقَالَ الحَسَنُ والنَّخَعِيُّ وطَاوُسٌ والأَوْزَاعِيُّ والثَّورِيُّ والأَرْبَعَةُ وإِسْحَاقُ: يَصُومُ الثَّانِي ويَقضِي الأَوَّلَ ولَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يُفَرِّطْ.
تَنْبِيْهَاتٌ: أَحَدُهَا: إنَّما حَمَلَ عَائِشَةَ ♦ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ الأَخْذُ بالرُّخْصَةِ والتَّوسِعَةِ؛ لأنَّ مَا بينَ رَمَضَانِ عَامِهَا ورَمَضَانِ العَامِ المُقْبِلِ وقتٌ للقَضَاءِ، كَمَا أنَّ وقتَ الصَّلَاةِ لَهُ طرفانِ، ومثلُه قولُه ◙: ((لَيْسَ التَّفْرِيطُ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى)).
وقَدْ بَيَّنَتِ السَّبَبَ المُقتَضِي للتَّأجِيلِ وهُوَ الشُّغْلُ برَسُولِ اللهِ صلعم هَذَا مَحَلُّ الرَّفْعِ وهُوَ الاستمتاعُ أَوِ التَّصَرُّفُ فِي حَوَائِجِهِ، ووَرَدَ أنَّها قَالَتْ: كَانَتْ كلُّ واحدةٍ مِنْهُنَّ مُهَيِّئةً نَفسَهَا لِرَسُوْلِ اللهِ صلعم مُرْصِدَةً لاستمتاعِهِ فِي جميعِ أوقاتِها إن أَرَادَ ذَلِكَ، ولَا تَدرِي مَتَى يُرِيدُه، ولَمْ تستأذنْه فِي الصَّومِ مخافةَ أنْ يأذنَ، وقَدْ يكونُ لَهُ حاجةٌ فِيْهَا فتُفَوِّتُهَا عَلَيْهِ وهذا مِنْ أَدَبِهِنَّ، وقَد اتَّفَقَ العلماءُ عَلَى أنَّ المرأةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا صَومُ التَّطَوُّعِ وبَعْلُهَا حاضرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتِ فِي «مسلمٍ»: ((وَلَا تَصُومُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))، وصَومُهَا مِنْ شَعْبَانَ إنَّما كَانَ لِأَنَّهُ كَانَ يَصُومُ معظمَ شَعْبَانَ، وفي «عِلَلِ ابنِ أَبِي حَاتِمٍ»: فَمَا أَقْضِيهَا إلَّا فِي شَعْبَانَ مِنَ العَامِ المقبلِ، وكَانَ صلعم يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا، قَالَ أَبِي: هَذِهِ الكلمةُ الأخيرةُ: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قليلًا، لم يَرْوِها غيرُ ابنِ إِسْحَاقَ. قَالَ البَاجِيُّ فِي «منتقاهُ»: والظَّاهِرُ أنَّه لَيْسَ للزَّوجِ جَبرُها عَلَى تأخيرِ القَضَاءِ إِلَى شَعْبَانَ بخلافِ صَومِ التَّطَوُّعِ. ونَقَلَ القُرْطُبِيُّ عَنْ بعضِ أشياخِه أنَّ لَهَا أنْ تَقضِيَ بغيرِ إذنِه لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، ويُحمَلُ الحديثُ عَلَى التَّطَوُّعِ.
ثَانِيْهَا: قَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: أجمعَ العلماءُ عَلَى أنَّ مَنْ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ أيَّامِ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ بعدَه فَهُوَ مُؤَدٍّ لفَرْضِهِ غيرُ مُفَرِّطٍ، قُلْتُ: وحديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا: ((مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ، لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ، وَمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ)) ضعيفٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي «عِلَلِهِ».
ثَالِثُهَا: الإطعامُ فِي ذَلِكَ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِيْنٍ عندَ جمهورِ القائلينَ بِهِ، وقَالَ أَشْهَبُ: يُطْعِمُ فِي غيرِ المدينةِ مُدًّا ونصفًا وهُوَ قَدْرُ شِبَعِ أهلِ مِصْرَ، وقِيْلَ: إنَّه استحبابٌ، وقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُطْعِمُ نصفَ صاعٍ.
رَابِعُهَا: لو مَنَعَهُ مانعٌ مِنْ قَضَائِهِ بعدَ الإمكانِ فلا شيءَ عَلَيْهِ عندَ البَغدَادِيِّينَ مِنَ المَالِكِيِّينَ، وقِيْلَ: إنَّه مَعنَى مَا فِي «المُدَوَّنَةِ» وفي روايةِ عِيْسَى: نعم. وعَنْ مَالِكٍ: أنَّه إِذَا استَمَرَّ المرضُ إِلَى الموتِ يُطْعَمُ عَنْهُ، وقَالَ ابنُ الْمَاجِشُوْنِ: إِذَا غُلِبَ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخرُ كَفَّرَ، حَكَاهُ ابنُ التِّيْنِ عنهم.
خَامِسُهَا: قَالَ الخَطَّابِيُّ: إنَّ للزَّوجِ مَنْعَ زَوجَتِهِ مِنَ الخُرُوجِ إِلَى الحَجِّ؛ قَالَ ابنُ التِّيْنِ: يُرِيدُ حَجَّ النَّافِلَةِ، قُلْتُ: لَا بَلْ لَهُ أن يمنعَها مِنْ حَجِّ الفَرْضِ عَلَى الأَصَحِّ مِنْ مذهبِ الشَّافِعِيِّ.