التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: الحائض تترك الصوم والصلاة

          ░41▒ بَابٌ: الحَائِضُ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ
          وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ المُسْلِمُونَ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ.
          1951- ثُمَّ سَاقَ حَديثَ أَبِي سَعِيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا).
          هَذَا الحديثُ سَلَفَ فِي أثناءِ الحيضِ مطوَّلًا [خ¦304]، وأَثَرُ أَبِي الزِّنَادِ حَسَنٌ بَيِّنٌ، وأَبْدَلَهُ ابنُ بَطَّالٍ بأَبِي الدَّرْدَاءِ فاجتَنِبْهُ، وهُوَ أصلٌ لتركِ الحائضِ الصَّومَ والصَّلَاةَ.
          وفِيْهِ مِنَ الفقهِ أنَّ للمريضِ أنْ يتركَ الصِّيَامَ وإنْ كَانَ فِيْهِ بَعْضُ القُوَّةِ إِذَا كَانَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ المَشَقَّةَ والخَوْفَ. أَلَا تَرَى أنَّ الحائضَ ليستْ تَضْعُفُ عَنِ الصِّيَامِ ضَعْفًا قَوِيًا، وإِنَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهَا بعضَ المَشَقَّةِ مِنْ أجلِ نزفِ دَمِهَا وضَعْفِ النَّفْسِ عندَ خُرُوجِ الدَّمِ معلومٌ ذَلِكَ مِنْ عادةِ البَشَرِ، فخُفِّفَ بالتَّرْكِ وأُمِرَتْ بإعادةِ الصِّيَامِ عَمَلًا بقولِه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة:184].
          والنَّزْفُ مرضٌ بخلافِ الصَّلَاةِ فإنَّها أكبرُ الفرائضِ وأكثرُها تَرَدُّدًا، وكَمَا يلزمُ مِنَ المحافظةِ عَلَى وضوئِها والقيامِ إليها وإحضارِ النِّيَّةِ للمناجاةِ {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ} [البقرة:45] وهِيَ الَّتِي حَطَّهَا تَعَالَى فِي أصلِ الفَرْضِ مِنَ خمسينَ إِلَى خمسٍ فلو أُمِرَتْ بإعادتِها لتَضَاعَفَ عَلَيْهَا الفرضُ؛ إذِ المرأةُ نِصْفُ دَهْرِهَا ونحوِه حائضٌ، فكأنَّ النَّاسَ يُصَلُّونَ صلاةً واحدةً وتُصَلِّي هِيَ فِي كلِّ صَلَاةٍ صَلَاتَينِ.
          فَرْعٌ: طَهُرَتْ قبلَ طُلُوعِ الفجرِ ونَوَتْ ليلًا، صَحَّ عندنا وعِنْدَ مالكٍ وأهلِ العراقِ، وخَالَفَ ابنُ مَسْلَمَةَ فقَالَ: تَصُومُهُ وتَقضِيهِ.
          فَرْعٌ: طَهُرَتْ فِي أثناءِ النَّهَار / لم يَلزَمْهَا إتمامُه خلافًا للأَوْزاعيِّ، قَالَ مَالِكٌ: أَوْزَاعِيُّكُمْ _يا أهلَ الشَّامِ_ كُلِّفَ فتَكَلَّفَ، وكَانَ رجلًا صالحًا. وقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: اختَلَفَ الفُقَهَاءُ فِي المرأةِ تَطْهُرُ مِنْ حيضِها فِي أثناءِ النَّهَارِ، والمسافرِ يَقْدَمُ والمريضِ يَبْرَأ، فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ والأَوْزَاعِيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ: يلزمُهم كلَّهم الإمساكُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ، وإنْ قَدِمَ المسافرُ مفطرًا فلا يَطَأُ زَوجَتَهُ لعِظَمِ حُرْمةِ الشَّهْرِ، وقَالَ مَالِكٌ والشَّافِعِيُّ وأَبُو ثَوْرٍ: يأكلونَ بَقِيَّةَ يومِهم، وللمسافرِ المفطرِ يَقْدَمُ وَطْءُ زوجتِه إِذَا وَجَدَهَا طَهُرَتْ مِنْ حيضِها، حُجَّةُ الأَوَّلِينَ قولُه ◙ يومَ عَاشُوْرَاءَ: ((مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ)) فأمرَهم بالإمساكِ مَعَ الفطرِ، وهذا المعنى موجودٌ فِي الإقامةِ الطَّارِئَةِ فِي أثناءِ النَّهَارِ، وحُجَّةُ الباقينَ الآيةُ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، وهَؤُلَاءِ قَدْ أَفْطَرَوا فحُكْمُ الإفطارِ لهم باقٍ، والفِطرُ رخصةٌ للمسافرِ، ومِنْ تمامِها ألَّا يَجِبَ عَلَيْهِ أكثرُ مِنْ يومٍ، فلو أَمَرنَاهُ بالإمساكِ والقضاءِ مَنَعنَاهُ منها وأَوجَبْنَا عَلَيْهِ فِي بدلِ اليومِ أكثرَ مِنْ يومٍ، والله تَعَالَى إنَّما قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} كذلكَ الحائضُ كَانَ يلزمُها أكثرُ مِنْ يومٍ، وإِنَّمَا يلزمُ الصِّيَامُ مَنْ يصحُّ مِنْهُ الَّذِي لَا قَضَاءَ مَعَهُ. وأمَّا صومُ عَاشُوْرَاءَ فإنَّما خوطبُوا بِهِ إذْ ذاكَ ولَمْ يَعْلَمُوا غيرَه، وأَيْضًا فإنَّهم مُتَطَوِّعُونَ، وأمرُه بالإمساكِ لهم عَلَى وَجْهِ الاستحبابِ.