التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صوم داود

          ░59▒ وَبَابُ صَوْم نَبِي اللهِ دَاوُدَ ◙
          1979- 1980- وَذَكَرَهُ مِنْ طريقينِ عَنْهُ، وَفِيْهِ أَبُو قِلَابَةَ واسمُه عبدُ اللهِ بنُ زَيْدٍ، وأَبُو المَلِيْحِ واسمُه عَامِرُ بنُ أُسَامَةَ، وقولُه: (إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ) سَلَفَ بيانُه قريبًا [خ¦1975].
          وقولُه: (وَنَهَتَتْ) هُوَ بالنُّونِ ثُمَّ هَاءٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوقُ ثُمَّ أُخْرَى مثلُها، ومعناها: ضَعُفَتْ، ولأَبِي الهَيْثَمِ: نَهِكَتْ، وليستْ هَذِهِ الكلمةُ معروفةً فِي كلامِهم حَتَّى «الصِّحَاحِ» كَذَا بخطِّ الدِّمْيَاطِيِّ فِي «الحاشيةِ»، وقَالَ ابنُ التِّيْنِ: ضُبِطَ بكسرِ التَّاءِ في بعضِ الرِّوَايَاتِ وبالفتحِ فِي بعضِها، وأعجمَ التَّاءُ ثلاثًا، ثُمَّ قَالَ: ولَمْ يذكرْه أحدٌ مِنْ أهلِ اللُّغَةِ، وإِنَّمَا ذَكَرَهُ الهَرَوِيُّ، وابنُ فارسٍ بتَاءٍ معجمةٍ باثنتينِ، قَالَ ابنُ فَارِسٍ: النَّهِيْتُ دُونَ الزَّئِيرِ. قَالَ: وكَذَلِكَ ذَكَرَ صَاحِبُ «الصِّحَاحِ»، قَالَ الهَرَوِيُّ: نَهَتَ يَنْهِتُ أي: صَوَّتَ، والنَّهِيْتُ: صَوتٌ يخرجُ مِنَ الصَّدْرِ شبيهٌ بالزَّجْرِ، وقَالَ في روايةٍ أُخْرَى: نَهِكَتْ، ولَا وَجْهَ لَهُ إلَّا أنْ يُقرَأَ بضَمِّ النُّونِ مِنْ نَهِكَتْهُ الحُمَّى إِذَا نَقَضَتْهُ.
          وسَلَفَ عَقِبَ بَابِ: مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُوْمُهُ: فإنَّك إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ ونَفِهَتْ نَفْسُكَ [خ¦1153].
          (وَنَفِهَتْ): أَعْيَتْ ومَلَّتْ، وكَذَا فِي «كِتَابِ مُسْلِمٍ» وذَكَرَه الهَرَوِيُّ، وقَالَ الدَّاوُدِيُّ: قَولُه: جَهَشَتْ لَهُ النَّفْسُ أي ضَعُفَتْ ومَلَّتْ لِمَا نَالَ الجِسْمَ والعَينَ فيقطعانِ عَنْ فُرُوضِهما، والَّذِي ذَكَرُه أهلُ اللُّغَةِ أنَّ جَهَشَ وأَجْهَشَ إِذَا تَهَيَّأ للبُكَاءِ.
          وقولُه فِي دَاوُدَ ◙: ((وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى)) يُرِيدُ أنَّه لم يَتَكَلَّفْ مِنَ العَمَلِ مَا يُوْهِنُهُ عَنْ لِقَاءِ العَدُوِّ، وقَولُه فِي البابِ الأوَّلِ: (أَسْرُدُ الصَّوْمَ) أي: أُدِيْمُهُ، وقَولُه: (فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ) أَوْ (لَقِيتُهُ) الشَّكُّ مِنْ عبدِ اللهِ رَاوِيْهِ، وسَبَبُهُ طُوْلُ الزَّمَنِ.
          وقولُه: (أَمَا يَكْفِيكَ مِنَ الشَّهْرِ صَوْمُ ثَلَاثَة أَيَّامٍ) وسَبَقَ: ((صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ)) [خ¦1976]، وفي أُخْرَى: وذَكَرَ (خَمْسًا) و(سَبْعًا) و(تِسْعًا) و(إِحْدَى عَشْرَةَ) فإمَّا أَنْ يَكُوْنَ اختَصَرَ المُحَدِّثُ فِي بعضِها، أو حَفِظَ بعضًا ونَسِيَ بعضًا، أو حَدَّثَ عبدُ اللهِ ببعضِه تارةً وبكمالِه أُخْرَى.
          وقولُه فِي بابِ صَوْمِ الدَّهْرِ: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) أي أَفْدِيكَ بهما [خ¦1976]، وهَذَا مِنْ جُمْلَةِ تَوْقِيْرِهِ وحَقِيْقِ فِدَائِهِ بِالأَنْفُسِ، وقولُه: (إِحْدَى عَشْرَةَ) هُوَ الصَّوَابُ، ووَقَعَ فِي روايةِ أَبِي الحَسَنِ بحذفِ الهاءِ، والصَّوَابُ إثباتُها، وكَذَا هُوَ عندَ أَبِي ذَرٍّ، ولِلْأَصِيْلِيِّ <أَحَدَ عَشَرَ> بغيرِ ياءٍ.
          ودُخُولُه ◙ عَلَى عبدِ اللهِ فِيْهِ زيارةُ المَفضُولِ وإكرامُه، وإلقاءُ الوِسَادَةِ لَهُ مِنْ بابِ التَّكرِيمِ، وتَوَاضُعُهُ ◙ وجُلُوسُهُ بالأرضِ.
          و(الأَدَمُ): الجُلُودُ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الأَدَمُ: الجِلْدُ، والَّذِي ذَكَرَهُ أهلُ اللُّغَةِ أَنَّ الأَدَمَ _بفتحِ الألِفِ والدَّالِ_: جمعُ أَدِيْمٍ، وهُوَ جمعٌ نادرٌ فِي أَحْرُفٍ، ومِنْهُ: أَفِيْقٌ وأَفَقٌ، وأَدِيْمٌ وأَدَمٌ، وأَهِيْبٌ وأَهَبٌ، زَادَ الهَرَوِيُّ: قَضِيْمٌ وقَضَمٌ، قَالَ: وهِيَ الجُلُودُ البِيْضُ، ولَمْ يَذْكُرْ أنَّه نَادِرٌ مثلمَا ذَكَرَهُ الخَطَّابِيُّ، و(اللِّيْفُ) جَمْعُ لِيْفَةٍ.
          وحَقُّ الأهلِ أنْ تَبقَى فِي نفسِه قُوَّةٌ يُمْكِنُهُ مَعَهَا الجِمَاعُ، فإنَّه حَقٌّ يَجِبُ للمرأةِ المُطَالَبَةُ بِهِ لزوجِها عندَ بعضِ أهلِ العِلْمِ، كَمَا لَهَا المُطَالَبَةُ بالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا؛ فإنْ عَجَزَ عَنْ وَاحِدٍ منهما طُلِّقَتْ عَلَيْهِ بعدَ الأَجَلِ فِي ذلكَ، هَذَا قولُ أَبِي ثَوْرٍ، وحَكَاهُ عَنْ بعضِ أهلِ الأَثَرِ، ذَكَرَهُ ابنُ المُنْذِرِ، وجماعةُ الفُقَهَاءِ عَلَى خِلَافِه فِي الطَّلَاقِ إِذَا عَجَزَ عَنِ الوَطْءِ، وسَيَأْتِي الكلامُ فِي أحكامِ ذَلِكَ فِي مَوضِعِهِ مِنَ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللهُ.