عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب رفع البصر إلى السماء
  
              

          ░118▒ (ص) بابُ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان جواز رفع البصر إلى السماء، [وفيه الردُّ على مَن قال: لا ينبغي النظر إلى السماء] تخشُّعًا وتذلُّلًا لله تعالى، وهو بعض الزُّهَّاد، ورُوِيَ عن عطاءٍ السُّلَميِّ أنَّهُ مكث أربعين سنةً لا ينظر إلى السماء، فحانت منه نظرةٌ، فخرَّ مغشيًّا عليه، فأصابه فَتْقٌ في بَطْنِهِ، وذكر الطَّبَريُّ عن إبراهيم التَّيميِّ: أنَّهُ كره أن يرفع البصرَ إلى السماء في الدعاء، وإِنَّما نُهِيَ عن ذلك المصلِّي في دعاءٍ كان أو غيره؛ كما تَقَدَّمَ في (كتاب الصلاة) عن أنسٍ رفعه: «ما بال أقوامٍ يرفعون أبصارَهم إلى السماء في الصلاة؟» فاشتدَّ قوله في ذلك حَتَّى قال: «ليُنْتَهَيَنَّ عن ذلك أو ليُخطفنَّ أبصارهم» وفي رواية مسلمٍ عن جابرٍ نحوه، وفي رواية ابن ماجه عن ابن عمر نحوه، وقال: أن تلتمع، وصحَّحه ابن حِبَّان.
          (ص) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ}[الغاشية:17-18].
          (ش) (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفًا على (رَفْعِ الْبَصَرِ) ورواية أبي ذرٍّ إلى قوله: {كَيْفَ خُلِقَتْ} وزاد الأصيليُّ وغيره: <{وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ}> وهذا أَوْلى؛ لأنَّ الاستدلال في جواز رفع البصر إلى السماء بقوله: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} أي: أوَلا ينظرون إلى السماء كيف رُفِعَت وهي قائمةٌ على غير عُمُدٍ؟ وقد ذكر المفسِّرون في تخصيص الإبل بالذكر وجوهًا كثيرةً:
          منها: ما قال الكلبيُّ: إنَّها تنهض بحملِها وهي باركةٌ.
          ومنها: ما قال مقاتلٌ: إنَّها عَيشُ العرب وأعزُّ الأموال عندهم.
          ومنها: ما قال الحسن: إنَّه سُئل عن هذه الآية _وقيل له: الفيل أعظمُ في الأعجوبة_: العربُ بعيدة العهد بها، فلا يُركَب ظهرها، ولا يُؤكَل لحمها، ولا يُحلَب دَرُّها.
          ومنها: ما قيل: إنَّها في عِظَمها للحمل الثقيل تَنقادُ للقائد الضعيف.
          وقال قتادة: ذكر الله ارتفاع سُرُر الجنَّة وفُرُشها، فقالوا: كيف نصعدها؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
          (ص) وَقَالَ أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ: رَكَعَ النَّبِيُّ صلعم ، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ.
          (ش) لم يثبت هذا التعليقُ إلَّا لأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ والمُسْتَمْلِي، وهو طرفٌ مِن حديثٍ أوَّلُه: (مات رسول الله صلعم في بيتي ويومي وبين سَحْري ونَحْري...) الحديث، وفيه: (فرفع بصرَه إلى السماء وقال: «الرفيق الأعلى») أخرجه هكذا أحمد عن إسماعيل ابن عُلَيَّةَ عن أيُّوبَ السَّخْتيَانيِّ عن عبد الله بن أبي مُلَيكة عن عائشة، وقد مضى للبُخَاريِّ في (الوفاة النبويَّة) مِن طريق حمَّاد بن زيدٍ عن أيُّوب بتمامه، لكن فيه: فرفع رأسه إلى السماء، وأخرج مسلمٌ مِن حديث أبي موسى: (كان رسول الله صلعم كثيرًا ما يرفع بَصرَه إلى السماء) وأخرج أبو داود مِن حديث عبد الله بن سلامٍ: (كان رسول الله صلعم إذا جلس يتحدَّث يُكثِر أن يرفع رأسَه إلى السماء).