عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما ينهى من التحاسد والتدابر
  
              

          ░57▒ (ص) بابُ مَا يُنْهَى مِنَ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق:5].
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان النهيِ _وكلمة (ما) مصدريَّة_ (مِنَ التَّحَاسُدِ) ويروى: <عَنِ التَّحَاسُدِ> والأَوَّل رواية الكُشْميهَنيِّ، و(التَّحاسُد) و(التَّدابر) مِن (باب التَّفاعل)، و(الحَسَد) أن يرى الرَّجل لأخيه نعمةً فيتمنَّى أن تزولَ عنه وتكون له دونه، و(التَّدابُر) هو أن يعطيَ كلُّ واحد مِنَ النَّاس أخاه دُبُرَه وقَفاه، فيُعرِض عنه ويهجره، قاله ابن الأثير، وقال الهرويُّ: التَّدابر التَّقاطع، يقال: تدابر القوم؛ أي: أدبَرَ كلُّ واحدٍ عَن صاحبه.
          قوله: (وَقَوْلِهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفٌ على قوله: (مَا يُنْهَى) وأشار به إلى أنَّ الحسد مذمومٌ جدًّا، وقال بعضهم: أشار بذكر هذه الآية إلى أنَّ النَّهي عَنِ التَّحاسد ليس مقصورًا على وقوعه مِنَ الجانبين، بل الحسد منهيٌّ عنه ولو وقع مِن جانبٍ واحد.
          قُلْت: هذا كلامٌ واهٍ من وجهين:
          أحدهما: أنَّ قوله: (مِنَ الجانبين) غيرُ مستقيم؛ لأنَّ (باب التَّفاعُل) بين القوم، لا بين الاثنين.
          والآخر: أنَّهُ يصدق على كلِّ واحد مِنَ الجمعِ المتحاسِدِين أنَّهُ حاسدٌ، فالحسد واقعٌ مِن كلِّ واحد منهم، والوجه ما ذكرناه.