عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: عقوق الوالدين من الكبائر
  
              

          ░6▒ (ص) بَابُ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ أنَّ عُقوق الوالدين مِن الكبائر، وقال بعضهم: «بابٌ» بالتنوين.
          قُلْت: لا يصحُّ بالتنوين إلَّا بشيءٍ مقدَّر؛ لأنَّ شرط الإعراب التركيب.
          و(العُقُوق) مشتقٌّ مِنَ العقِّ؛ وهو الشقُّ والقطع، وقد فرَّق الجَوْهَريُّ بين مصدر قوله: «عقَّ عن ولده» وبين مصدر «عقَّ والدَه» فقال: وعقَّ عن ولده يعق عقًّا؛ إذا ذبح عنه يوم أُسبوعه، وكذلك إذا حَلق عقيقتَه، وعقَّ والدَه عقوقًا ومعقَّةً فهو عاقٌّ وعُقَقٌ، والجمع: «عَقَقة» مثال: «كَفَرة»، وأَمَّا صاحب «المحكَم» فصدَّر كلامه بالتسوية بينهما، وقال: عَقَّه يعقُّه عقًّا فهو مُعقق وعقيق: شقَّه، قال: وعقَّ عن ابنه يعُقُّ ويعِقُّ: حلق عقيقتَه، أو ذبح عنه شاةً، واسم تلك الشاة: العقيقة، قال: وعقَّ والده يعقُّه عقًّا وعقوقًا: شقَّ عصا طاعته، قال: ورجلُ عُقَقٌ وعُقُقٌ وعقٌّ وعاقٌّ، وقال ابن الأثير: عقَّ والده؛ إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، قال: وهو ضدُّ البرِّ، وقال ابن دقيق العيد: ضبطُ الواجبِ مِنَ الطاعة لهما والمحرَّمِ مِن العقوق لهما فيه عُسرٌ، ورُتَبُ العقوق مختلفة، وقال / ابن عبد السَّلام: لم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصَّان به مِن الحقوق على ضابطٍ أعتمد عليه، فأيُّما يحرُمُ في حقِّ الأجانب فهو حرام في حقِّهما، وما يجب للأجانب فهو واجبٌ لهما، ولا يجبُ على الولد طاعتُهما في كلِّ ما يأمران به، ولا في كلِّ ما ينهيانِ عنه باتِّفاق العلماء، وقال الشيخ تقيُّ الدين السبكيُّ: إنَّ ضابط العقوق إيذاؤهما بأيِّ نوعٍ كان مِن أنواع الأذى، قلَّ أو كَثُرَ، نهيا عنه أو لم ينهيا، أو يُخالفهما فيما يأمران أو ينهيان بشرطِ انتفاء المعصية في الكلِّ، وحكى قولَ الغزاليِّ: إنَّ أكثر العلماء على وجوب طاعتهما في الشبهات، ووافقه عليه، وحكى قول الطرطوشيِّ مِن المالكيَّة: إنَّهما إذا نهياه عَن سُنَّة راتبة المرَّة بعد المرة؛ أطاعهما، وإن كان ذلك على الدوام فلا طاعة لهما فيه؛ لِما فيه مِن إماتة الشرع، ووافقه على ذلك أيضًا.
          (ص) قالَهُ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) هذا التعليق وقع في رواية أبي ذرٍّ: <عُمَر> بِضَمِّ العين، ووقع للأصيلي: <عَمْرو> بفتحها، وكذا في بعض النُّسَخ عن أبي ذرٍّ، وهو المحفوظُ، ووصله البُخَاريُّ في (كتاب الأَيمان والنذور) مِن رواية الشعبيِّ عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص عن النَّبِيِّ صلعم قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس» وأخرج النَّسائيُّ لابن عُمَر حديثًا في العاقِّ بلفظ: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، ومُدمِن الخمر، والمنَّان»، وأخرجه البَزَّار أيضًا وابن حِبَّان وصحَّحه، والحاكم كذلك.