عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الحذر من الغضب
  
              

          ░76▒ (ص) بابُ الْحَذَرِ مِنَ الْغَضَبِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ الحذر مِن أجلِ الغضب، وهو غليان دم القلب لإرادة الانتقام.
          (ص) لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37]، وقوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عِمْرَان:134].
          (ش) احتجَّ للحذر مِنَ الغضب بالآيتين الكريمتين، كذا سوق الآيتين في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذرٍّ ساق إلى قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، ثُمَّ قال: <الآية>، وقال بعضهم: وليس في الآيتين دلالة على التحذُّر مِنَ الغضب إلَّا أنَّهُ لمَّا ضمَّ مَن / يكظم غيظه إلى مَن يجتنب الفواحش كان في ذلك إشارة إلى المقصود.
          قُلْت: ليس كما قاله، بل في كلٍّ منهما دلالةٌ على التحذُّر مِنَ الغضب، أَمَّا الآية الأولى ففي مدح الذين يجتنبون كبائر الإثم، قال ابن عَبَّاسٍ: هو الشرك، والفواحش: قال السُّدِّيُّ: يعني: الزنا، وقال مقاتلٌ: يعني: موجبات الحدود، {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} يعني: يتجاوزون ويحلمون، وقد قيل: إنَّ هذه وما قبلها نزلت في أبي بكرٍ الصِّدِّيق ☺ ، فإذا كان ما ذكر فيها مدحًا يكون ضدُّه ذمًّا، ومِنَ الذَّمِّ في ضدِّه ألَّا يتجاوز الشخص إذا غضب، فدلَّ ذلك بالضرورة على التحذُّر مِنَ الغضب المذموم، وأَمَّا الآية الأخرى ففي مدحِ المتَّقين الذين وصفهم بهذه الأوصاف المذكورة فيها، فيدلُّ ضدُّ هذه الأوصاف على الذمِّ، ومِنَ الذمِّ: عدم كظم الغيظ وعدم العفو عَنِ الناس، وعدمُ كظم الغيظ هو عينُ الغضب، فدلَّ ذلك أيضًا على التحذُّر مِنَ الغضب، فافهم والله أعلم.