عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول النبي: «سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي»
  
              

          ░106▒ (ص) باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : «سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» قَالَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ قول النَّبِيِّ صلعم : (سَمُّوا) أمرٌ مِنَ سَمَّى يُسمِّي تسميةً، (وَلَا تَكْتَنُوا) مِنَ الاكتناء، والكنية كلُّ مركَّب إضافيٍّ صدرُه أبٌ أو أمٌّ؛ كأبي بكرٍ وأمِّ كلثوم.
          قوله: (قَالَهُ أَنَسٌ) أي: قال أنسٌ ما قاله النَّبِيُّ صلعم .
          ومضى هذا التعليق موصولًا في (كتاب البيوع) في (باب ما ذكر في الأسواق) قال البُخَاريُّ: حَدَّثَنَا آدم بن أبي إياس: حَدَّثَنَا شعبة عن حُمَيدٍ الطويل عن أنس بن مالكٍ ☺ قال: كان النَّبِيُّ صلعم في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم؛ فالتفت إليه النَّبِيُّ صلعم ، فقال: إِنَّما دَعَوْتُ هذا، فقال النَّبِيُّ صلعم : «سمُّوا باسمي ولا تَكْتَنُوا بكنيتي»، وهذا الباب فيه خلاف.
          وقد عقد الطَّحَاويُّ في هذا بابًا، وطوَّل فيه مِنَ الأحاديثِ والمباحث الكثيرة، فأَوَّل ما روى حديث عليٍّ ☺ قال: قُلْت: يا رسول الله؛ إِنْ وُلِدَ لي وَلَدٌ أن أسمِّيه باسمك وأَكْنِيه بكُنيَتِك؟ قال: «نعم»، قال: وكانت رخصةً مِن رسول الله صلعم لعليٍّ ☺ ، ثُمَّ قال: فذهب قوم إلى أنَّهُ لا بأس بأن يَكْتَنِي الرجل بأبي القاسم، وأن يتسمَّى مع ذلك بمُحَمَّدٍ، واحتجُّوا بالحديث المذكور.
          قُلْت: أراد بـ(القوم) هؤلاء مُحَمَّد ابن الحَنَفيَّة ومالكًا وأحمد في رواية، ثُمَّ افترق هؤلاء فرقتين؛ فقالت فرقة _وهم مُحَمَّد ابن سِيرِين وإبراهيم النَّخَعِيُّ والشَّافِعِيُّ_: لا ينبغي لأحدٍ أن يتكنَّى بأبي القاسم، كان اسمَه مُحَمَّدٌ أوْ لم يكن، وقالت فرقةٌ أخرى _وهم الظاهريَّة وأحمد في رواية_: لا ينبغي لمن يَتَسمَّى مُحَمَّدًا أن يتكنَّى بأبي القاسم، ولا بأس لِمَن لم يتسمَّ مُحَمَّدًا بأن يتكنَّى بأبي القاسم، وفي حديث الباب عن جابرٍ _على ما يأتي_ النهيُ عَن الجمع بينهما؛ أعني: بين الاسم والكنية، وقيل: المنع في حياته صلعم للإيذاء، وأبعَدَ بعضُهم فمنع التسمية بمُحَمَّدٍ، وروى سالم بن أبي الجَعْد: كتب عمر ☺ إلى أهل الكوفة: لا تسمُّوا باسم نبيٍّ، وروى أبو داود عَنِ الحكَم بن عطيَّة عن ثابت عن أنسٍ رفعه: «تسمُّون أولادكم مُحَمَّدًا ثُمَّ تلعنوه؟!» وقال الطَّبَريُّ: يُحمل النهي على الكراهة دون التحريم، وصحَّح الأخبار كلَّها، ولا تعارض ولا نسخ، وكان إطلاقه لعليٍّ ☺ في ذلك إعلامًا منه أمَّتَه جوازَه مع الكراهة، وتركُ الإنكار عليه دليلُ الكراهة.