عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث أبي مسعود: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة
  
              

          3483- (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ؛ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ».
          (ش) مطابقته للترجمة يمكن تُؤخَذ مِن أَوَّل الحديث؛ لأنَّ المرادَ من الناس الأوائلُ، وهو يشمل بني إسرائيل وغيرَهم، فافهم.
          و(أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ) هو أحمد بن عبد الله بن يونس، اليربرعيُّ الكوفيُّ، و(زُهَيْرٌ) هو ابن معاويةَ الكوفيُّ، و(مَنْصُورٌ) هو ابن المعتمر الكوفيُّ، و(رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ) مرَّ عن قريبٍ، و(أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ) ابن عَمْرٍو البدريُّ، وهذا هو المحفوظُ، وحكى الدَّارَقُطْنيُّ في «العِلَل»: رواه إبراهيمُ بن سعدٍ عن منصورٍ عن عبد الملك فقال: عن رِبْعيٍّ عن حذيفةَ، ورواه أيضًا أبو مالكٍ الأشجعيُّ عن رِبْعيِّ بن حِراشٍ عن حذيفةَ قيل: لا يبعد أن يكون رِبْعيٌّ سمِعَه مِن أبي مسعودٍ ومِن حذيفة جميعًا.
          والحديث أخرجه البُخَاريُّ أيضًا في (الأدب) عن أحمدَ ابن يونسَ، وأخرجه أبو داود في (الأدب) عن القَعْنبيِّ، وأخرجه ابن ماجه في (الزهد) عن عَمْرو بن رافعٍ.
          قوله: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَُ) بالرفع والنصب؛ أي: مِمَّا أدركه الناسُ، أو مِمَّا بلغ الناسَ.
          قوله: (مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ) أي: مِمَّا اتَّفق عليه الأنبياءُ؛ أي: إنَّهُ مِمَّا ندَب إليه الأنبياءُ، ولم يُنْسَخْ فيما نُسِخَ مِن شرائعهم؛ لأنَّه أمرٌ أطبقت عليه العقولُ، وفي رواية أبي داود وأحمد وغيرِهما: «مِن كلام النبوَّة الأولى»، وفي بعض نسخ البُخَاريِّ هكذا أيضًا.
          قوله: (فَافْعَلْ مَا شِئْتَ)، ويُروى: <فاصنعْ ما شئت>.
          وفيه أوجهٌ:
          أحدها: إذا لم تستحِ مِنَ العتب، ولم تخش العارَ؛ فافعلْ ما تحدِّثك به نفسُك، حسنًا كان أو قبيحًا، ولفظه أمرٌ، ومعناه توبيخٌ.
          الثاني: أن يُحمَل الأمرُ على بابه، تقول: إذا كنتَ آمنًا في فعلك أن تستحيَ منه؛ لجريك فيه على الصواب، وليس / مِنَ الأفعال التي تَسْتَحي منها؛ فاصنع ما شئتَ.
          الثالث: معناه الوعيدُ؛ أي: افعل ما شئت؛ تُجَازَ به؛ كقوله ╡ : {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}[فصلت:40].
          الرابع: لا يمنعك الحياء مِن فعل الخير.
          الخامس: هو على طريق المبالغة في الذم؛ أي: تركُكَ الحياءَ أعظمُ مِمَّا تفعله.
          واعلم أنَّ الجملةَ أعني قوله: (إذا لم تستحِ) اسمُ (إنَّ) على تقدير القول، أو خبرُه على تأويل مِن التبعيضيَّة، بلفظ البعض، ولفظ (اصنع) أمرٌ بمعنى الخبر، أو أمرٌ تهديديٌّ؛ أي: اصنع ما شئت؛ فإنَّ الله يجزيك.