عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة
  
              

          3486- 3487- (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدَّثَنِي ابْنُ طاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ كُلُّ أُمَّةٍ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا اليَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى».
          -«عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ».
          (ش) مطابقته للترجمة تُؤخَذ مِن قوله: (أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا) ؛ لأنَّهم مِن بني إسرائيل وغيرِهم.
          و(ابْنُ طَاوُوسٍ) هو عبد الله، يروي عن أبيه طاووس.
          والحديث مضى في أَوَّل (كتاب الجمعة) مِن وجهٍ آخرَ، فَإِنَّهُ أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شُعَيْب، عن أبي الزناد، عن الأعرج: أنَّهُ سمع أبا هُرَيْرَة... إلى آخره، وهنا زائدٌ على ذلك؛ وهو من قوله: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ...) إلى آخره.
          قوله: (نَحْنُ الآخِرُونَ) أي: في الدنيا (السَّابِقُونَ) في الآخرة.
          قوله: (بَيْدَ) بفتح الباء المُوَحَّدة، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الدال المُهْمَلة؛ ومعناه: (غير) يقال: فلانٌ كثيرُ المال، بيدَ أنَّهُ بخيلٌ، ويجيء بمعنى: (إلَّا)، وبمعنى: (لكن)، وقال المالكيُّ: المختارُ عندي في «بيدَ» أن يُجعَلَ حرفَ استثناءٍ؛ بمعنى: «لكن»؛ لأنَّ معنى «إلَّا» مفهومٌ منها، ولا دليلَ على اسميَّتها، والمشهورُ استعمالُها متلوَّةً بـ«أنَّ»؛ كما في الحديث، فالأصل فيه: بيدَ أنَّ كلَّ أمَّةٍ... فحذف «أنَّ»، وبطَل عملُها، قال أبو عبيد: وفيه لغةٌ أخرى: «ميدَ» بالميم، وجاء في الحديث: «أنا أفصح العرب ميدَ أنِّي مِن قريشٍ»، وقال الطيبيُّ: قيل: معنى «بيدَ»: «على أنَّهُ»، وعن المزنيِّ: سمعت الشَّافِعِيَّ يقول: «بيدَ»: «مِن أجل».
          قوله: (اخْتَلَفُوا فِيهِ) معنى الاختلافِ فيه: أنَّهُ فُرِضَ يوم للجمع للعبادة، ووُكِلَ إلى اختيارهم، فمالت اليهود إلى السبت، والنصارى إلى الأحد، وهدانا الله إلى يوم الجمعة الذي هو أفضلُ الأيام.
          قوله: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ...) إلى آخره؛ المراد به: يوم الجمعة؛ لأنَّه في كلِّ سبعة أيَّامٍ يومٌ، وأشار بقوله: (يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ) / إلى الاغتسال يوم الجمعة؛ فَإِنَّ له فضلًا عظيمًا، حَتَّى صرَّح في الحديث الصحيح أنَّهُ واجبٌ، وإليه ذهب مالكٌ وآخرون.