عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: {ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}
  
              

          ░15▒ (ص) باب: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ. فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغَابِرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذَرِينَ}[النمل:54-58].
          (ش) أي: هذا بابٌ يذكرُ فيه قوله تعالى: ({وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ...}) إلى آخره، و({لوطًا}) منصوبٌ؛ بتقدير: واذكُر لوطًا، أو بتقدير: أرسلنا لوطًا؛ بدلالة قوله فيما قبله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}[النمل:45]، وكلمة {إذ} بَدَلٌ على الأَوَّل، ظرفٌ على الثاني.
          قوله: ({أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ}) أي: الفِعْلة القَبيحة الشَّنيعة؛ وهي اللِّواطة.
          قوله: ({وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}) أي: والحالُ أنَّكم تعلمون أنَّها فاحشةٌ لم تُسْبَقوا إليها، و{تُبصِرُون} مِن بصر القلبُ، والله تعالى إِنَّما خلق الأنثى للذَّكَر، ولم يخلق الذَّكَر للذكر، ولا الأنثى للأنثى، وقيل: {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أي: يُبصِر بعضُكم بعضًا؛ لأنَّهم كانوا في نادِيهِم يرتكبونها مجاهرين بها، لا يستترون؛ عتوًّا منهم، وتمرُّدًا، وخَلاعةً، ومَجانةً.
          قوله: ({أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ}) الهمزةُ فيه للاستفهام على سبيل الإنكار.
          قوله: ({شَهْوَةً}) أي: لأجلِ الشَّهوة.
          قوله: ({تَجْهَلُونَ}) أي: عاقبةَ العصيان ويومَ الجزاء، وقيل: تجهلون موضعَ قضاءِ الشهوة.
          قال الزَّمَخْشَريُّ: فَإِنْ قُلْتَ: فسَّرت {تبصرون} بالعلم، وبعده: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} فكيف يكونون عُلَماء جُهَلاء؟! قُلْت: أراد: تفعلون فعلَ الجاهلين بأنَّها فاحشةٌ، مع علمكم بذلك، واجتمعتِ الغَيبة والمخاطَبة في قوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، فغلبتِ المخاطبةُ، فقيل: {تَجْهَلُون}؛ لأنَّ المخاطبةَ أقوى وأرسخُ أصلًا مِنَ الغَيبة.
          قوله: ({فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ}) أي: قوم لوط ({إِلَّا أَنْ قَالُوا}) كلمة {أنْ} مصدريَّة؛ أي: إلَّا قولُهم.
          قوله: ({يَتَطَهَّرُونَ}) مِن أدبار الرجال، يقولونه استهزاءً بهم وتهكُّمًا.
          قوله: ({فَأَنْجَيْنَاهُ}) أي: أنجينا لوطًا مِنَ العذاب، وأنجينا أهلَه ({إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا}) أي: جعلناها بتقديرِنا وقضائنا عليها ({مِنَ الغَابِرِينَ}) أي: الباقين في العذاب.
          قوله: ({وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا}) أي: الحجارة ({فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذَرِينَ}) الذين أُنْذِرُوا بالعذاب، وقال الداوديُّ: أينما كان المطرُ في كتاب الله؛ فهو العقاب، والمذكور في التفسير أنَّهُ يُقال: (أمطر) في العذاب، و(مَطَر) في الرحمة، وأهلُ اللُّغة يقولون: مَطَرتِ السماءُ وأمطرت.