عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب {فلما جاء آل لوط المرسلون،قال إنكم قوم منكرون}
  
              

          ░16▒ (ص) باب {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ المُرْسَلُونَ. قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}[الحجر:61-62]
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه قولُه تعالى: ({فَلَمَّا جَاءَ}...) إلى آخره، وفاعل {جَاءَ} هو قوله: {المُرْسَلُونَ} وهم الملائكة المرسَلون مِن عند الله لهلاك قوم لوطٍ، وقوله: ({آلَ لُوطٍ}) بالنصب مفعول {جَاءَ}.
          قوله: ({قَالَ}) أي: لوطٌ ◙ .
          قوله: ({إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}) أي: لا أعرفُكم، قالوا: بل جئناك بالحقِّ؛ أي: اليقين، وإنَّا لصادقون في قولنا، ثُمَّ حكى الله تعالى بقيَّة القصَّة بقوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ...} إلى آخرها[الحجر:65].
          (ص) {بِرُكْنِهِ} بِمَنْ مَعَهُ؛ لأِنَّهُمْ قُوَّتُهُ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله: {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:39]، وأَوَّلُ الآية: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ.فَتَوَلَّى}...
          قوله: {وَفِي مُوسَى} عطفٌ على قوله: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ}[الذاريات:20].
          قوله: ({بِرُكْنِهِ}) يعني: بقوَّته ومَن معه؛ يعني: المَنَعة والعشير، وقال المُؤَرِّج: بجانِبِه وجميعِ بدنه، وهو كنايةٌ عنِ المبالغة في الإعراض والإنكار، و(الرُّكن) ما رَكَن إليه الإنسان مِن مالٍ وجندٍ وقوَّةٍ.
          قوله: {وَقَالَ سَاحِرٌ} أي: وقال فرعون: موسى ساحرٌ {أَوْ مَجْنُونٌ}.
          وهذا الذي ذكره البُخَاريُّ ههنا لا وجهَ له؛ لأنَّه في قصَّة موسى، والترجمةُ في قصَّة لوط ◙ ، ومعَ هذا التفاسيرُ التي ذَكَر هنا لم توجد إلَّا في رواية المُسْتَمْلِي وحده.
          (ص) {تَرْكَنُوا} تَمِيلُوا.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}[هود:113] أي: لا تميلوا إليهم، وهذا أيضًا لا تعلُّق له بقصَّة لوطٍ، [وقيل: كأنَّه ذكره هنا؛ لوجود مادَّة (ركن).
          قُلْت: هذا بعيدٌ؛ حيث لم يذكرْه بهيئة ما وقع في قصَّة لوطٍ]
.
          (ص) فأنْكَرَهُمْ و{نَكِرَهُمْ} واسْتَنْكَرَهُمْ واحِدٌ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ}[هود:70]، وهذا أيضًا لا وجهَ له؛ لأنَّ هذا الإنكارَ في الآية مِن إبراهيم ◙ ، وهو غيرُ إنكار لوطٍ ◙ ؛ وذلك أنَّ الملائكةَ الأربعةَ الذين ذكرناهم عن قريبٍ لمَّا دخلوا على إبراهيم ◙ في صُوَر مُرْدٍ حِسانٍ؛ جاء إليهم بعِجْلٍ حَنيذٍ، فأمسكوا أيديَهم، {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}[هود:70]، وأَمَّا إنكار لوط؛ ففي مجيء قومه إليهم، كما هو المذكور في قصَّته.
          (ص) {يُهْرَعُونَ} يُسْرِعُونَ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}[هود:78] أي: جاء لوطًا قومُه ({يُهْرَعُونَ}) أي: يُسرِعون ويُهَروِلون؛ وذلك أنَّ امرأةَ لوطٍ هي التي أخبرتْهم بمجيءِ هؤلاء الملائكة في صورة الرجال المُردَان، وقصَّتُه مشهورةٌ.
          (ص) {دَابِرَ} آخِرَ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ}[الحجر:66] أي: آخرهُم مقطوعٌ مستأصَلٌ.
          (ص) {صَيْحَةً} هَلَكَةً.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}[يس:29]، وهذا أيضًا لا وجهَ له ههنا؛ لأنَّ هذه الآيةَ لا تعلُّقَ لها بقصَّة لوطٍ.
          (ص) {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} لِلنَّاظِرِينَ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر:75]، وفسَّره بقوله: (للنَّاظِرِينَ)، وهكذا فسَّره الضحَّاك، وقال مجاهد: معناه: للمتفرِّسين، وقال الفَرَّاء: للمتفكِّرين، وقال أبو عُبيدة: للمتبصِّرِين، وحقيقُته: مِن توسَّمت الشيءَ؛ نظرتُ نظرَ متثبِّتٍ.
          (ص) {لَبِسَبِيلٍ} لَبِطَرِيقٍ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ}[الحجر:76]، وفسَّر (السَّبِيلَ) بـ(الطَرِيقِ)، وكذا فسَّره أبو عبيدة، والضمير في قوله: {وَإِنَّهَا} يرجع إلى مدائن قوم لوطٍ ◙ ، وقيل: إلى الآيات.