عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله ╡ : {وهل أتاك حديث موسى}
  
              

          ░24▒ (ص) باب قَوْلِ اللهِ ╡ : {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}.
          (ش) أي: هذا بابٌ في ذكر قول الله ╡ ؛ وهو قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى. إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}[طه:9-10]، وقد مرَّ الكلام فيه عن قريبٍ قبل الباب الذي قبله.
          قوله: ({وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}) وقبله: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:164].
          قوله: ({وَرُسُلًا}) منصوبٌ على تقدير: قَصَصنا رُسُلًا.
          وقوله: ({قَدْ قَصَصْنَاهُمْ}) مفسِّرٌ له، فحُذف الناصب، حَتَّى لا يجتمِع [المفسِّر والمفسَّر].
          قوله: ({مِنْ قَبْلُ}) أي: مِن قبلِ هذه الآية؛ يعني: في السُّور المكِّيَّة وغيرها.
          قوله: ({وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}) أي: لم نسمِّهم لك.
          قوله: ({وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}) قال ابن عَبَّاس: لمَّا بيَّن الله لمُحَمَّدٍ صلعم أمرَ النَّبِيِّين، ولم يبيِّن أمرَ موسى / ◙ ؛ شكُّوا في نبوَّته، فأنزل الله: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ}[البقرة:253]، وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيمًا حقيقةً، لا كما زعمت القدريَّةُ أنَّ الله خلق كلامًا في شجرةٍ، فسمعه موسى ◙ ؛ لأنَّه لا يكون ذلك كلامُ الله، ولو كان مِن غير التأكيد؛ لاحتمل ما قالوا؛ لأنَّ أفعالَ المجاز لا تُؤَكَّدُ بذكر المصادر، لا يقال: أراد الجدارُ أن يسقط إرادةً، وعلِم موسى أنَّهُ كلامُ الله؛ لأنَّه كلامٌ يعجِز الخلق أن يأتوا بمثله.
          وقال ابن مردويه بإسناده عن جويبِر عنِ الضحَّاك عنِ ابنِ عَبَّاس قال: إنَّ الله ناجى موسى بمئة ألف كلمةٍ وأربعين ألف كلمةٍ في ثلاثة أيَّام، كلُّها وصايا، فلمَّا سمع موسى كلامَ الآدميِّين؛ مقَتَهم؛ مِمَّا وقع في مسامعه مِن كلام الربِّ، وجويبِرٌ ضعيفٌ، والضحَّاك لم يدركِ ابنَ عَبَّاسٍ.