عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه}
  
              

          ░23▒ (ص) باب: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيْمَانَهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28].
          (ش) أي: هذا بابٌ يذكر فيه: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:28].
          وقعت هذه الترجمةُ هكذا بغير حديثٍ، فكأنَّه أراد يذكر فيها حديثًا، ولم يظفرْ به على شرطه، فبقيت كذا، والله أعلم.
          قوله: ({وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ}) في اسمه سِتَّة أقوالٍ:
          الأَوَّل: شمعان؛ بالشين المُعْجَمة، قال الدَّارَقُطْنيُّ: لا يُعرَفُ «شمعان» بالمُعْجَمة إلا مؤمنُ آلِ فِرْعَونَ.
          الثاني: يوشَع بن نون، وبه جزم ابنُ التين، وهو بعيدٌ؛ لأنَّ يوشعَ مِن ذرِّيَّة يوسف ◙ ، ولم يكن مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ.
          الثالث: حزئيل، وعليه أكثر العلماء.
          الرابع: جابوت، وهو الذي التقطه إذ كان في التابوت.
          الخامس: حبيب، ابن عمِّ فرعون، قاله ابن إسحاق.
          السادس: جبر، قاله الطَّبَريُّ، وقال مقاتلٌ: كان قبطيًّا يَكْتُمُ إِيْمَانَهُ مئةَ سنةٍ مِن فرعونَ، وكان له المِلكُ بعد فرعون، وكان على بقيَّةٍ مِن دين إبراهيم ◙ ، وقال ابن خالويه في «كتاب ليس»: لم يؤمنْ مِن أهل مِصْرَ إلَّا أربعةٌ: آسية، وحزئيل مؤمن آلِ فِرْعَونَ، ومريم بنت لابوس الملِكِ، التي دلَّت على عظام يوسفَ، والماشطة.
          قوله: ({أَتَقْتُلُونَ}) الهمزةُ فيه على الاستفهام الإنكاريِّ.
          قوله: ({أَنْ يَقُولَ}) أي: لأنْ يقول، وهذا إنكارٌ منه عظيمٌ، وتبكيتٌ شديدٌ، وهذا كان منه نصحٌ عظيمٌ لهم، ولم يقتصرْ على بيِّنةٍ واحدةٍ؛ وهي قوله: ({رَبِّيَ اللهُ}) حَتَّى قال: ({وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ})، وحكى الله تعالى عنه: ثُمَّ أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم، فقال: لا يخلو مِن أن يكون كاذبًا أو صادقًا؛ فـ({إِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ}) أي: يعود عليه كذبُه، ولا يتخطَّاه؛ ضرورةً ({وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}) إن تعرَّضتم.
          قوله: ({مُسْرِفٌ}) أي: مشرِكٌ، قال السُّدِّيُّ: أي: الكذَّابُ على الله.