عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: أن رجلًا كان قبلكم رغسه الله مالًا فقال لبنيه لما حضر
  
              

          3478- (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم : «أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللهُ مَالًا، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ؛ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللهُ ╡ ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ / بِرَحْمَتِهِ».
          (ش) مطابقته للترجمة في قوله: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ).
          و(أَبُو الوَلِيدِ) هو هشام بن عبد الملك، و(أَبُو عَوَانَةَ) بفتح العين، الوضَّاحُ بن عبد الله اليشكريُّ، و(عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الغَافِرِ) أبو نهارٍ، الأزديُّ الكوفيُّ، وليس له في البُخَاريِّ سوى هذا الحديث، وحديثٍ آخرَ مضى في (الوكالة).
          والحديث أخرجه البُخَاريُّ أيضًا في (الرقاق) عن موسى بن إسماعيل، وفي (التوحيد) عن عبد الله بن أبي الأسود، وأخرجه مسلم في (التوبة) عن عُبيد الله بن معاذٍ، وعن يحيى بن حبيبٍ، وعن أبي موسى، وعن ابن أبي شَيْبَةَ.
          قوله: (رَغَسَهُ اللهُ) بفتح الراء، والغين المُعْجَمة، والسين المُهْمَلة؛ أي: أعطاه الله، وقيل: أي: أكثرَ له، وبارك فيه، وهو مِنَ (الرَّغَس) ؛ وهو البركة والنماء والخير، ورجلٌ مرغوسٌ: كثير المال والخير، وقيل: رغسُ كلِّ شيءٍ: أصلُه، فكأنَّه جعلَ له أصلًا مِنَ المال، وقيل: يُروى: <رأَسَهُ اللهُ>، بالسين المُهْمَلة، وقال ابن التين: هذا غلطٌ، فإن صحَّ؛ فهو بشينٍ مُعْجَمةٍ، مِنَ الريش والرياش؛ وهو المال.
          قُلْت: في رواية مسلم: راشه الله، بالراء والشين المُعْجَمة، مِنَ الريش؛ وهو المالُ.
          قوله: (لَمَّا حُضِرَ) على صيغة المجهول؛ أي: لمَّا حضره الموتُ.
          [قوله: (فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) ؛ أي: عاصفٍ ريحُه؛ أي: شديدٍ.
          قوله: (مَا حَمَلَكَ؟) أي: أيُّ شيءٍ حملك على هذه الوصيَّة؟]
.
          قوله: (مَخَافَتُكَ) أي: حملتني مخافتُك؛ أي: لأجل الخوف منك، فيكون ارتفاع (مخافتُك) بالفعل المحذوف، وقال الكَرْمَانِيُّ: ارتفاعُه بأنَّه مبتدأٌ محذوفُ الخبر، أو بالعكس، ويُروى: بالنصب على نزع الخافض؛ أي: لأجل مخافتِك.
          قُلْت: الذي ذكرنا أوجهُ وأنسبُ على ما لا يخفى على المعرِب.
          قوله: (فَتَلَقَّاهُ) بالقاف عند أبي ذرٍّ؛ أي: استقبله برحمته، وقال ابن التين: لا أعلم للفاء وجهًا، إلَّا أن يكون أصلُه فتلفَّفته رحمتُه، فلمَّا اجتمعت الفاءات الثلاثُ؛ أبدلت الأخيرة ألفًا، فصار: تلفَّاه، ويُروى: <فتلافاه>، وهي رواية الكُشْميهَنيِّ.
          (ص) وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الغَافِرِ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) هذا التعليقُ وصله مسلمٌ عن عُبيد الله بن معاذٍ العنبريِّ عن أبيه: حَدَّثَنَا أبي: حَدَّثَنَا شعبة عن قتادة: سمع عُقْبَةَ بنَ عبد الغافِر يقول: سمعتُ أبا سعيد الخُدْريَّ يُحدِّث عنِ النَّبِيِّ صلعم : «أنَّ رجلًا فيمن كان قبلكم راشه الله تعالى مالًا وولدًا، فقال لولده: لتفعلُنَّ ما آمرُكم به، أو لأولِيَنَّ ميراثي غيرَكم، إذا أنا متُّ؛ فأحرقوني _وأكبرُ عِلمِي أنَّهُ قال: ثُمَّ اسحقوني_ واذروني في الريح؛ فإنِّي لم أبتهرْ عند الله خيرًا، وإنَّ اللهَ يقدر على أن يعذِّبَني، قال: فأخذ منهم ميثاقًا، ففعلوا ذلك به وربِّي! فقال الله تعالى: ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك، قال: فما تلافاه غيرها».