عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله}
  
              

          ░41▒ (ص) باب قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}[لقمان:12].
          قوله: (إِلَى قَوْلِهِ) أي: اقرأ إلى قوله: ({إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ})، ومِن قوله: {غَنِيٌّ حَمِيدٌ} إلى قوله: {فَخُورٌ} ستُّ آياتٍ.
          قوله: ({الحِكْمَةَ}) أي: العقل والعلم والعمل به، والإصابة في الأمور.
          قوله: ({أَنِ اشْكُرِ}) قيل: لِأنْ تشكُرَ لله، ويجوز أن تكون {أن} المفسِّرة؛ أي: اشكرْ لله؛ والتقدير: قلنا له: اشكُر لله، وقيل: يُبدَل مِنَ {الحِكْمَة}.
          قوله: ({مُخْتَالٌ}) مِنَ الاختيال؛ وهو أن يرى لنفسه طولًا على غيره، فيشمَخ بأنفه.
          قوله: ({فَخُورٌ}) يُعدِّد مناقبه تطاوُلًا.
          و(لُقْمَانُ) ابن باعور بن ناحور بن تارخ؛ وهو آزرُ أبُ إبراهيم ◙ ، كذا قاله ابن إسحاقَ، وقال مقاتلٌ: لقمان بن عنقاء بن سدون، ويقال: لقمان بن ثاران، حكاه السهيليُّ عن ابن جريرٍ والقَعْنَبِيِّ، وقال وهب بن منبِّه: لقمان بن عبقر بن مرثد بن صادق بن التوت / مِن أهل أيلة، وُلِدَ على عشر سنين خلت مِن أيَّام داود ◙ ، وقال مقاتلٌ: كان ابن أخت أيُّوبَ ◙ ، وقيل: ابن خاله، وقال ابن إسحاق: عاش ألف سنةٍ، وأدرك داود ◙ ، وأخذ منه العلمَ، وحكى الثعلبيُّ عن ابن المُسَيَِّبِ: أنَّهُ كان عبدًا أسودَ عظيم الشفتَين، مشقَّقَ القدمَين، مِن سودان مصرَ ذا مشافرَ، وقال الربيع: كان عبدًا نوبيًّا، اشتراه رجلٌ مِن بني إسرائيلَ بثلاثين دينارًا ونصفَ دينارٍ، وقال السُّهيليُّ: كان نوبيًّا مِن أُبُلَّةَ، وعن ابن عَبَّاسٍ: كان عبدًا حبشيًّا نجَّارًا، وقيل: كان خيَّاطًا، وقيل: كان راعيًا، وقيل: كان يحتطب لمولاه حزمةً، ورُوِيَ: أنَّهُ كان عبدًا لقصَّابٍ، وقال الواقديُّ: كان قاضيًا لبني إسرائيلَ، وكان يسكن ببلدة أيلةَ ومدين، وقال مقاتلٌ: كان اسمُ أمِّه تارات، وفي «تفسير النَّسَفِيِّ»: واتَّفق العلماء أنَّهُ كان حكيمًا، ولم يكن نبيًّا إلَّا عِكْرِمَةَ، فَإِنَّهُ كان يقول: كان نبيًّا، قال الواقديُّ والسدِّيُّ: مات بأيلةَ، وقال قتادة: بالرملة.
          (ص) {تُصَعِّرْ} الإِعْرَاضُ بِالوَجْهِ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}[لقمان:18]، وفسَّر: ({تُصَعِّرْ}) بقوله: (الإِعْرَاضُ بِالوَجْهِ)، فكأنَّه جعل الإعراض بمعنى: التصعير المستفادِ مِن {لَا تُصَعِّرْ}، وهكذا فسَّره عِكْرِمَة، أورده عنه الطَّبَريُّ، وقال الطَّبَريُّ: أصل «الصَّعْرِ» داءٌ يأخذ الإبلَ في أعناقها، حَتَّى تُلفتَ أعناقها عن رؤوسها، فشَبَّهَ به الرجلَ المعرضَ عن الناس المتكبِّرَ.
          وقراءة عاصم وابن كثير: {وَلَا تُصَعِّرْ}، وقراءة الباقين: {وَلَا تُصَاعِرْ}، وقال الطَّبَريُّ: القراءتان مشهورتان، ومعناهما صحيحٌ.