عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب خلق آدم صلوات الله وسلامه عليه وذريته
  
              

          ░1▒ (ص) بابُ خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان خلق آدمَ ◙ .
          قوله: (وَذُرِّيَّتِهِ) أي: وفي بيان خلق ذرِّيَّته، وإِنَّما سُمِّيَ آدمَ؛ لأنَّه خُلِقَ مِنْ أُدْمة الأرض؛ وهي لونُها، والأُدْمةُ في الناس السُّمْرةُ الشديدةُ، وروى سعيد بن جُبَير عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ آدمَ خُلِق مِن أديم الأرض؛ وهو وجهُها، وروى مجاهدٌ عنه أيضًا: أنَّهُ مشتق مِنَ الأُدْمة، وقال أبو إسحاق الثعلبيُّ: التراب بلسان العبريَّة (آدام)، فسُمِّيَ آدمُ به، وحُذِفَت الألف الثانية، وقيل: إنَّهُ اسمٌ سُريانيٌّ، وقال الجَوْهَريُّ: إنَّهُ اسمٌ عربيٌّ، وليس بعجميٍّ، وذكر أبو منصور الجواليقيُّ في كتاب «المعرَّب»: أسماءُ الأنبياءِ كلُّها أعجميَّةٌ إلَّا أربعةً؛ وهي: آدم، وصالح، وشعيب، ومُحَمَّد، ‰ .
          والمشهورُ أنَّ كنيتَه: أبو البشَر، وروى الوالبيُّ عن ابن عَبَّاس: أنَّ كنيتَه أبو مُحَمَّد، وقال قتادة: لا يُكْنَى في الجنَّة إلَّا آدمُ، يُقَال له: يا أبا مُحَمَّدٍ؛ إظهارًا لشرفِ نبيِّنا صلعم ، ولا ينصرف آدمُ؛ لأنَّه على وزن (أَفْعَل)، وهو معرفةٌ، وذكره اللهُ تعالى في القرآن في سبعةٍ وعشرين موضعًا.
          وأَمَّا الذرِّيَّةُ؛ فأصلُها مِن ذَرأ اللهُ الخلقَ، يذرؤهم ذَرْءًا: خلقهم، قال الجَوْهَريُّ: الذرِّيَّةُ نسلُ الثقلين، إلَّا أنَّ العربَ تركت همزتَها، والجمعُ (الذراريُّ)، وفي «المُغرِب»: ذرِّيَّةُ الرجل: أولادُه، ويكون واحدًا وجمعًا، ومنه قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}[آل عِمْرَان:38].
          (ص) {صَلْصَالٌ} طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ، فَصَلْصَلَ؛ كَما يُصَلْصِلُ الفَخَّارُ.
          (ش) أشار بقوله: ({صَلْصَالٌ}) إلى ما في قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ}[الرَّحْمَن:14]، ثُمَّ فسَّر (الصَّلصال) بقوله: طينٌ خُلِط برملٍ، وحقيقةُ الصَّلصال: الطِّينُ اليابس المصوِّت. /
          قوله: (فَصَلْصَلَ) أي: صوَّت، وهو فعلٌ ماضٍ، ويصلصِلُ مضارعه، ومصدرُه: صلصلة، وصِلصال؛ بالكسر، وعن ابن عَبَّاس: الصلصال: هو الماءُ يقع على الأرض، فتنشقُّ، فيجفُّ ويصير له صوتٌ.
          قوله: (الفَخَّارُ) بفتح الفاء وتشديد الخاء، وهو ضربٌ مِنَ الخزَف، يُعمَل منه الجِرارُ والكِيزانُ وغيرُها.
          (ص) ويُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ؛ كَما يُقالُ: صَرَّ البابُ وصَرْصَرَ عِنْدَ الإغْلَاقِ؛ مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ؛ يَعْنِي: كَبَبْتُهُ.
          (ش) أراد بهذا أنَّهُ جاء في اللغة: (صلصال) بمعنى: (مُنْتِنٌ)، ومنه: صَلَّ اللحمُ يصلُّ صلولًا؛ أي: أنتنَ، مطبوخًا كان أو نيِّئًا، وأشار بقوله: (يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ) إلى أنَّ أصلَ (صلصل) الذي هو الماضي (صلَّ)، فضُوعِف فاءُ الفعل، فصار (صلصل) ؛ كما يقال: (صَرَّ البابُ) ؛ إذا صوَّت عند الإغلاق، فضُوعِفَ فيه كذلك، فقيل: (صَرْصَرَ) ؛ كما يقال: (كَبْكَبْتُهُ) في (كَبَبْتُهُ) بتضعيف الكاف، يقال: كبكبتُ الإناء؛ أي: قلبتُه.
          (ص) {فَمَرَّتْ بِهِ} اسْتَمَرَّ بِها الحَمْلُ، فأتَمَّتْهُ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ}[الأعراف:189]، وفسَّره بقوله: (اسْتَمَرَّ بِهَا الحَمْلُ) حَتَّى وضعتْهُ، والضمير في قوله: {فَمَرَّتْ بِهِ} يرجع إلى حوَّاءَ ♀، وسيأتي هذا في تفسير (سورة الأعراف).
          (ص) {ألَّا تَسْجُدَ} أي: تَسْجُدَ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ}[الأعراف:12]، ثُمَّ نبَّه على أنَّ كلمةَ (لَا) صلةٌ؛ فلذلك فسَّره بقوله: (أي: تَسْجُدَ)، وقيل: فيه حذفٌ؛ تقديرُه: ما يمنعك مِنَ السجود، فأحْوجَك ألَّا تَسْجُدَ إذ أمرتُك؟!.