عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: أتشفع في حد من حدود الله
  
              

          3475- (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ♦: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلعم ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ ابْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلعم ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟!»، ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّما أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ؛ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ؛ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ؛ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ؛ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
          (ش) مطابقته للترجمة في قوله: (إِنَّما أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ؛ لأنَّ المرادَ منهم بنو إسرائيل؛ والدليلُ عليه قوله في بعض طرقه: «إنَّ بني إسرائيل كانوا».
          والحديث أخرجه البُخَاريُّ أيضًا في (فضل أسامة) عن قُتيبة، وفي الحدود عن أبي الوليد، وأخرجه مسلم في (الحدود) عن قُتيبة ومُحَمَّد بن رمحٍ، وأخرجه أبو داود فيه عن يزيد بن خالدٍ وقُتيبة، / وأخرجه التِّرْمِذيُّ فيه، والنَّسائيُّ في (القطع) جميعًا عن قُتيبة، وأخرجه ابن ماجه في (الحدود) عن مُحَمَّد بن رمحٍ.
          قوله: (أَهَمَّهُمْ) أي: أحزنهم.
          قوله: (شَأْنُ المَرْأَةِ) أي: حال المرأة (المَخْزُومِيَّةِ) وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسود بنت أخي أبي سَلَمَةَ عبدِ الله بن عبد الأسد، وكانت سرقت حُليًّا، وكان ذلك في غزوة الفتح، وقُتِلَ أبوها كافرًا يوم بدرٍ، وكان حلف ليكسرنَّ حوضَ رسول الله صلعم ، فقاتل حَتَّى وصل إليه، فأدركه حمزة ☺ وهو يكسره، فقتله، فاختلط دمُه بالماء.
          قوله: (فَقَالُوا) أي: قريشٌ.
          قوله: (فِيهَا) أي: في المرأة المخزوميَّة؛ أي: لأجلها.
          قوله: (وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ؟!) أي: مَن يتجاسر عليه؟! بطريق الإدلال.
          قوله: (حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلعم ) بكسر الحاء المُهْمَلة وتشديد الباء المُوَحَّدة؛ أي: محبوب رسول الله صلعم .
          قوله: (أَتَشْفَعُ؟!) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار.
          قوله: (أَنَّهُمْ) بفتح الهمزة.
          قوله: (وَايْمُ اللهِ) اختُلِف في همزته؛ هل هي للوصل أو للقطع؟ وهو مِن ألفاظ القسم؛ نحو: (لَعَمْرُ الله)، و(عهدُ الله)، وفيه لغاتٌ كثيرةٌ، وتُفتَح همزتُه وتُكسَر، قال ابن الأثير: وهمزتُها همزةُ وصلٍ، وقد تُقْطَع، وأهل الكوفةِ مِنَ النحاة يزعمون أنَّهُ جمع (يمين)، وغيرهم يقول: هو اسمٌ موضوعٌ للقسم.
          وفيه: النهي عن الشفاعة في الحدود، ولكنَّ ذلك بعد بلوغه إلى الإمام.
          وفيه: منقبةٌ ظاهرةٌ لأسامة ☺ .