عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله ╡ : {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}
  
              

          ░3▒ (ص) باب قَوْلِ اللهِ ╡ : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}[هود:25].
          (ش) أي: هذا بابٌ معقودٌ في (قَوْلِ اللهِ ╡ : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا}[هود:25])، وهو نُوحُ ابن لَمْك؛ بفتح اللام وسكون الميم، وقيل: لَمَك؛ بفتحتين، وقيل: لامَِك؛ بفتح الميم وكسرها، وقال ابن هشام: بالعبرانيَّة: لامَخ؛ بفتح الميم وفي آخره خاء مُعْجَمة، وبالعربيَّة: لمك، وبالسُّريانيَّة: لمخ؛ وتفسيره: متواضِع، ويقال: لمكان، ويقال: ملكان؛ بتقديم الميم [على اللَّام.
          وقال السُّهيليُّ: ولمك هو أَوَّلُ مَنِ اتَّخذ العودَ للغناء، واتَّخذ مصانعَ الماء]
، وهو ابن مَتُّوْشَلَخ؛ بفتح الميم، وضمِّ التاء المُثَنَّاة مِن فوق المشدَّدة، وسكون الواو، وفتح الشين المُعْجَمة واللام، وفي آخره خاءٌ مُعْجَمةٌ؛ كذا ضبطه ابن المصريِّ، وضبطه أبو العَبَّاس عبدُ الله بن مُحَمَّدٍ الناشئُ _في قصيدةٍ يمدح بها رسولَ الله صلعم ، وهي طويلةٌ ذكرتُها في أَوَّل «معاني الأخبار في رجال معاني الآثار»_ بِضَمِّ الميم، وفتح التاء والواو، وسكون الشين، وكسر اللام، وبالخاء المُعْجَمة، وقال السُّهيليُّ: بِضَمِّ الميم، وفتح التاء، وسكون الواو، ومنهم مَن ضبط في آخره بالحاء المُهْمَلة؛ ومعناه في الكلِّ: مات الرسول؛ لأنَّ أباه كان رسولًا، وهو خَنُوْخ؛ بفتح الخاء المُعْجَمة، وضمِّ النون، وسكون الواو، وفي آخره مُعْجَمةٌ أخرى، ويقال: بالحاء المُهْمَلة في أوَّله، ويقال: بالمهملتين، ويقال: أخنوخ؛ بزيادة همزةٍ في أوَّله، ويقال: أُخنُخ؛ بإسقاط الواو، ويقال: أُهنُح؛ بالهاء بعد الهمزة، ومعناه _على الاختلاف_ بالعربيَّة: إدريس ◙ ، سُمِّيَ به؛ لكثرة دَرْسِه الكتبَ وصحفَ آدمَ وشِيثَ، وأمُّه أَشوَّث، وأدرك مِن حياة آدمَ ثلاث مئة سنةٍ وثمان سنين.
          وهو ابن يارَد؛ بالياء آخر الحروف وفتح الراء؛ كذا ضبطه أبو عُمَر، وكذا ضبطه النسَّابة الجوَّانيُّ، إلَّا أنَّهُ قال: بالذال المُعْجَمة، وقيل: يَرْد؛ بفتح الياء وسكون الراء، وقال ابن هشام: اسمُه في التوراة يارد، وهو عبرانيٌّ؛ وتفسيره: ضابِط، واسمُه في الإنجيل بالسُّريانيَّة: يرد، وتفسيره بالعربيِّ: ضبط، وقيل: اسمه رائدٌ، ولم يثبُتْ.
          وهو ابن مَهْلائيل؛ بفتح الميم، وسكون الهاء، [وبالهمز، وقد يقال بالياء بلا همز؛ ومعناه: المُمدَّح، وقال ابن هشام: مَهْليل؛ بفتح الميم، وسكون الهاء]، وكسر اللام، وهو اسمٌ عبرانيٌّ، وتفسيره بالعربيَّة: ممدوحٌ، وقال السُّهيليُّ: واسمُه بالسُّريانيَّة في الإنجيل: نابل؛ بالنون والباء المُوَحَّدة؛ وتفسيره بالعربيِّ: مسيح الله، وفي زمنه كان بَدْءُ عبادة الأصنام.
          وهو ابن قَيْنان؛ بفتح القاف، وسكون الياء آخر الحروف، وبالنونين بينهما ألف؛ ومعناه: المستولي، وجاء فيه: قَيْنَن وقاين، واسمه في الإنجيل: ماقيان؛ وتفسيره بالعربيِّ: عيسى.
          وهو ابن آنُوش؛ بفتح الهمزة الممدودة، وضمِّ النون، وفي / آخره شينٌ مُعْجَمة؛ ومعناه: الصادق، ويقال: إيناش؛ بكسر الهمزة، وهو في اللغة العبرانيَّة، وتفسيره بالعربيَّة: إنسان، ويقال: يانش؛ بالياء آخر الحروف؛ ومعناه: المستوي.
          وهو ابن شِيث؛ بكسر الشين المُعْجَمة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره ثاءٌ مُثَلَّثةٌ؛ ومعناه: هبة الله، ويقال: عطيَّة الله، وهذا اسمُه بالعبرانيَّة، وبالسُّريانيَّة: شاث؛ بالألف موضع الياء، وتوفِّي شِيث وعمره تسعُ مئة سنةٍ واثنتَي عَشْرَةَ سنةً، ودُفِن مع أبوَيهِ آدمَ وحوَّاءَ في غار أبي قُبَيس، وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة، وكانت هناك خيمةٌ لآدمَ ◙ ، وضعها الله له مِنَ الجنَّة.
          وكان أبَوَا نوحٍ ◙ مؤمنَين، واسم أمِّه قينوش بنت بركاييل بن مخواييل بن خنوخ، وذكر الزَّمَخْشَريُّ: أنَّ اسم أمِّ نوحٍ شمخا بنت آنوش.
          وأرسل الله نوحًا ◙ إلى ولد قابيل ومَن تابعهم مِن ولد شِيث وهو ابنُ خمسين سنةً، وقيل: ابن ثلاث مئةٍ وخمسين سنةً، وقيل: ابن ثمانين وأربع مئة سنةٍ.
          واختلفوا في مقامه على قولين؛ أحدهما: بالهند، قاله مجاهد، والثاني: بأرض بابِل والكوفة، قاله الحسن البِصْريُّ.
          وقال ابن جَرير: كان مولده بعد وفاة آدمَ بمئة سنة وستٍّ وعشرين، وقال مقاتلٌ: بينه وبين آدمَ ألفُ سنةٍ، وبينه وبين إدريسَ مئةُ سنةٍ، وهو أَوَّل نبيٍّ بعد إدريسَ ◙ ، وقال مقاتل: اسمه السكن، وقيل: ساكن، وقال السُّدِّيُّ: إِنَّما سُمِّي سكَنًا؛ لأنَّ الأرضَ سكنت به، وقيل: اسمه عبد الغفَّار، ذكره الطَّبَريُّ، وسُمِّي نوحًا؛ لكثرة نوحه وبكائه، ويقال: إنَّ اللهَ أوحى إليه: لِمَ تَنُوح؟ لكثرة بكائه، فسُمِّي نوحًا، ويقال: إنَّهُ نظر يومًا إلى كلبٍ قبيح المنظر، فقال: ما أقبح صورة هذا الكلبَ! فأنطقه الله ╡ وقال: يا سكنُ؛ على مَن عِبْت؟ على النقش أو على النقَّاش؟ فإن كان على النقش؛ فلو كان خلقي بيدي؛ حسَّنْتُه؟ وإن كان على النقَّاش؛ فالعيب عليه اعتراضٌ في مُلكه، فعلم أنَّ اللهَ أنطقه، فناح على نفسه، وبكى أربعين سنةً، قاله السُّدِّيُّ عن أشياخه.
          ومات نوحٌ وعمرُه ألفُ سنةٍ وأربع مئة سنةٍ، قاله ابنُ الجوزيِّ في كتاب «أعمار الأعيان»، وقيل: ألفٌ وثلاث مئة سنةٍ، وقيل: ألفٌ وسبع مئةٍ وثمانون سنةً، قيل: إنَّهُ مات بقرية الثمانين؛ وهي القرية التي بناها عند الجوديِّ الذي أرسَت عليه السفينةُ، وهو بقرب موصلَ بالشرق، حكاه هارونُ بن المأمون، وقال ابن إسحاق: مات بالهند على جبل نُود، وقيل: بِمَكَّةَ، وقال عبد الرَّحْمَن بن ساباط: قبر هودٍ وصالحٍ وشعيبٍ ونوحٍ ‰ بين زمزم والرُّكن والمقام، وقيل: مات ببابلَ، وبِبَلَدِ بعلبكَّ في البقاع قريةٌ يُقال لها: الكَرْك، فيها قبرٌ يُقَال له: قبرُ نوح، وتُعرَف الآن بِكَرْك نوحٍ ◙ ، وقال ابن كثير: وأَمَّا قبره؛ فروى ابن جريرٍ والأزرقيُّ: أنَّهُ في المسجد الحرام، وهذا أقوى وأثبتُ مِنَ الذي ذكره كثيرٌ مِنَ المتأخِّرين مِن أنَّهُ ببلدةٍ بالبقاع تُعرَف بكَرْك.
          وقالوا: ذَكَره الله في القرآن في مواضعَ، فقيل: في ثمانية وعشرين موضعًا؛ منها ما ذكره البُخَاريُّ مِن قوله: باب قول الله ╡ : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}، وتمام الآية: {فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[هود:25].
          لمَّا ذكر اللهُ تعالى قصَّة آدمَ في أَوَّل السورة؛ وهي (سورة الأعراف)، وما يتعلَّق بذلك؛ شرع في ذكرِ قَصَص الأنبياء ‰ ، الأَوَّل فالأَوَّل، فابتدأ بذكر نوحٍ ◙ ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رسولٍ بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدمَ ◙ ، وقال ابن إسحاق: لم يلقَ نبيٌّ مِن قومه مِنَ الأذى مثلَ نوح ◙ إلَّا نبيٌّ قُتِل.
          (ص) قال ابْنُ عَبَّاس: {بادِيَ الرَّأيِ} ما ظَهَرَ لَنَا.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {فَقَالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}[هود:27]، ثُمَّ فسَّر ({بَادِيَ الرَّأْيِ}) بقوله: (مَا ظَهَرَ لَنَا)، وقُرِئ: {باديَ} بالهمزة وتركِها، قال الزَّمَخْشَريُّ: انتصابه على الظرف، و(الأراذل) جمع (أرذل) وهو الدُّون مِن كلِّ شيءٍ، وقال الزَّجَّاج: «الأراذل» الحاكَة.
          (ص) {أقْلِعِي} أمْسِكِي.
          (ش) / أشار به إلى ما في قوله تعالى: {يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي}[هود:44] وفسَّر (أَقْلِعِي) بقوله: (أَمْسِكِي) ؛ وكذا رواه عليُّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاس، و(أقلعي) أمرٌ مِنَ الإقلاع، وإقلاعُ الأمر: الكَفُّ عنه.
          (ص) {وفارَ التَّنُّورُ} نَبعَ المَاءُ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ}[هود:40] وفسَّر (فَارَ) بقوله: (نَبَعَ المَاءُ)، و(فار) مِنَ الفور؛ وهو الغليان، و(الفوَّارة) ما يفور مِنَ القِدر، و(التَّنُّورُ) اسمٌ فارسيٌّ معرَّبٌ، لا تعرِف له العربُ اسمًا غيرَه، قاله ابن دريد، وقال ابن عَبَّاس: «التنور» بكلٍّ لسانٍ، عربيٍّ وعجميٍّ، وعنه: أنَّهُ تنُّور المَلَّة، وقال الحسن: كان مِن حجارةٍ، وبه قال مجاهدٌ وابنُ مقاتلٍ، واختلفوا في موضعه؛ فقال مجاهدٌ: كان في ناحية الكوفة، وقال مقاتل: كان تنُّور آدمَ، وإِنَّما كان بالشام بموضعٍ يُقال له: عينُ وردةٍ، وعن عِكْرِمَة: فار التنُّور بالهند.
          (ص) وقال عِكْرِمَةُ: وجْهُ الأرْضِ.
          (ش) أي (قَالَ عِكْرِمَةُ) مولى ابن عَبَّاس: «التنور» (وَجْهُ الأَرْضِ) ؛ كذا رواه ابن جرير مِن طريق أبي إسحاق الشَّيْبَانيِّ عن عِكْرِمَة.
          (ص) وقال مُجَاهِدٌ: الجُودِيُّ جَبَلٌ بالجَزِيرَةِ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ}[هود:44] أي: السفينة استقرَّت على الجبل الذي يُسمَّى بـ(الجوديِّ)، وهو (جَبَلٌ) بجزيرة ابن عمر في الشَّرق، ما بين دجلة والفرات، ووصله ابن أبي حاتم مِن طريق ابن أبي نَجِيح عنه، وزاد: تشامختِ الجبالُ يومَ الغرق، وتواضعَ هو لله تعالى، فلم يغرقْ، وأرسَت عليه سفينة نوحٍ ◙ .
          (ص) دَأْبٌ مِثْلُ: حَالٌ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ}[غافر:31]وفسَّر الدَّأْبَ: بـ(الحَال) ؛ وهو العادة أيضًا.