عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل}
  
              

          ░1م▒ (ص) باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة:30].
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ...} إلى آخره؛ يعني: اذكر يا مُحَمَّدُ حين ({قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ...}) الآية، أخبر اللهُ تعالى بامتنانه على بني آدمَ بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم بقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ}، وحكى ابن جرير عن أبي عُبيدة: أنَّهُ زعم أنَّ (إذ) ههنا زائدةٌ، وأنَّ تقديرَ الكلام: وقال ربُّك، وردَّ عليه ابن جريرٍ، قال القرطبيُّ: وكذا ردَّه جميعُ المفسِّرين، حَتَّى قال الزَّجَّاج: هذا اجتراءٌ مِن أبي عبيدةَ.
          قوله: ({إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}) أي: قومًا يخلفُ بعضُهم بعضًا، قرنًا بعد قرنٍ، وجيلًا بعد جيلٍ؛ كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الأَرْضِ}[الأنعام:165] قال أكثر المفسِّرين: وليس المرادَ هنا بالخليفة آدمُ ◙ فقط، كما قاله طائفة؛ إذ لو كان المرادَ آدمُ عَينًا؛ لمَا حسُنَ قولُ الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}[البقرة:30].
          قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} ليس على وجه الاعتراض، ولا على وجه الحسَد، وإِنَّما هو سؤالُ استعلامٍ واستكشافٍ عن الحكمة في ذلك، مع أنَّ فيهم مَن يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فإن كان المرادَ عبادتُك؛ فنحن نسبِّح بحمدك، ونقدِّس لك؛ أي: نصلِّي، ولا يصدرُ منَّا شيءٌ خلافَ ذلك، فقال الله في جوابهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة:30] أي: إنِّي أعلم بالمصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها، فإنِّي سأجعل فيهم الأنبياءَ والرسلَ، ويوجد فيهم الصِّدِّيقون، والشُّهداءُ، والصَّالحون، والعُبَّادُ، والزُّهَّادُ، والأولياءُ، والأبرارُ المقرَّبون، والعلماءُ العامِلون، والخاشِعون، والمتَّبعون رسلَه، وفي هذا المقامِ مقالٌ كثيرٌ ليس هذا الكتابَ موضعُه، وإِنَّما ذكرنا نُبذةً منه؛ لأجل الترجمة.
          (ص) قال ابنُ عَبَّاس: {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4] إلَّا عليْها حافِظٌ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4]، ثُمَّ فسَّر بأنَّ {لمَّا} هنا بمعنى: (إِلَّا) التي هي حرف الاستثناء، واختلف القُرَّاءُ في تشديد {لمَّا} وتخفيفه؛ فقرأ ابن عامر [وعاصم] وحمزة والكسائيُّ بالتشديد؛ على أن تكون {إنْ} نافية، وتكون {لمَّا} بمعنى: (إلَّا)، وهي لغة هذيلٍ، يقولون: نشدتُكَ الله لمَّا قمتَ؛ يَعْنون: إلَّا قمتَ؛ والمعنى: ما نفسٌ إلَّا عليها حافظٌ مِن ربِّها، والباقون قرؤوا بالتخفيف؛ جعلوا (ما) صلةً، و{إنْ} مُخَفَّفَة مِنَ المثقَّلة؛ أي: إنَّ كلَّ نفسٍ لَعَلَيها حافظٌ مِن ربِّها، يحفظُ عملَها، ويُحصِي عليها ما تكسِبُ مِن خيرٍ أو شرٍّ، وعن ابن عَبَّاس: / همُ الحفظةُ مِنَ الملائكة، وقال قتادة: هم حفظةٌ يحفظون عملكَ ورزقك وأجَلَك، وقيل: هو الله رقيبٌ عليها.
          (ص) {في كَبَدٍ} فِي شِدَّةِ خَلْقٍ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}[البلد:4]، ثُمَّ فسَّر (الكَبَد) بقوله: (فِي شِدَّةِ خَلْقٍ)، وهكذا رواه ابن عُيَينة في «تفسيره»، وأخرجه الحاكم في «مستدرَكِه».
          (ص) ورِياشًا: المالُ، وقال غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ والرِّيشُ واحِدٌ؛ وهُوَ ما ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا}[الأعراف:36]، وفسَّر (الرِّياش) بـ(المَالِ)، هو قولُ ابن عَبَّاس، رواه ابن أبي حاتم مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه.
          قوله: (وقال غَيْرُهُ) أي: غيرُ ابن عَبَّاس... إلى آخره، قولُ أبي عبيدة، وقيل: (الرِّيشُ) الجمال والهيئة، وقيل: المعاش.
          (ص) {ما تُمْنُونَ} النُّطُفَةُ في أرْحَامِ النِساءِ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ}[الواقعة:58]، ثُمَّ فسَّره بقوله: (النُّطُفَةُ في أرْحَامِ النِّساءِ)، وهذا قول الفَرَّاء، ويقال: مَنَى الرجلُ وأمْنَى.
          (ص) وقال مُجَاهِدٌ: {إنَّهُ علَى رَجْعِهِ لَقادِرٌ}[الطارق:8]: النُّطْفَةُ في الإحْلِيلِ.
          (ش) يعني: قادرٌ على رجع النُّطْفَة إلى الإحْلِيلِ، وهذا التعليقُ وصله ابنُ جريرٍ مِن حديث ابن أبي نَجِيح عن عبد الله بن أبي بكر، عن مجاهد، وفي لفظٍ: (الماء) بدل (النطفة)، وفي رواية: <إن شئتُ رددتُه مِنَ الكِبَر إلى الشباب، ومِنَ الصِّبا إلى القطيعة>، وقال ابن زيد: إنَّهُ على حبس ذلك الماء لَقادِرٌ، وعن قتادة: معناه: إنَّ اللهَ قادرٌ على بعثه وإعادته.
          (ص) {كلِّ شَيْءٍ} خَلَقَهُ؛ فَهْوَ شَفْعٌ، السَّماءُ شَفْعٌ، والوِتْرُ اللهُ ╡ .
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}[الذاريات:49] أي: كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ الله تعالى؛ فَهُوَ شَفْعٌ.
          قوله: (السَّماءُ شَفْعٌ) معناه: أنَّهُ شفعٌ للأرض؛ كما أنَّ الحارَّ شفعٌ للبارد مثلًا، وبهذا يندفع وهمُ مَن يتوهَّم أنَّ السماواتِ سبعٌ، فكيف يقول: شَفعٌ؟ وهذا الذي قاله هو قول مجاهد، وصله الطَّبَريُّ، ولفظُه؛: (كلُّ خلقٍ خلقَه الله شفعٌ؛ السماءُ والأرضُ، والبحرُ والبرُّ، والجنُّ والإنسُ، والشمسُ والقمرُ، ونحو هذا شفعٌ، والوترُ اللهُ وحدَه).
          (ص) {أحْسَنِ تَقْوِيمٍ} في أحْسَنِ خَلْقٍ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:4]، ثُمَّ فسَّره بقوله: (في أحْسَنِ خَلْقٍ)، وقيل: أحسن تعديلٍ لشكله وصورته وتسوية الأعضاء، وقيل: {في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} في أعدل قامةٍ وأحسن صورةٍ، وذلك أنَّهُ خلق كلَّ شيءٍ مُنكَّسًا على وجهه إلَّا الإنسانَ، وقال أبو بَكْر بن الطاهر: مُزيَّنًا بالعقل، مؤدَّبًا بالأمر، مهذَّبًا بالتمييز، مديدَ القامة، يتناول مأكولَه بيمينِه.
          (ص) {أسْفَلَ سافِلِينَ} إلَّا مَنْ آمَنَ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}[التين:5-6] معناه: أنَّ الإنسانَ تكون عاقبةُ أمره إذا لم يشكر نعمةَ تلك الخلقةِ الحسنة القويمة السويَّة أنْ رددناه أسفلَ من سَفل خَلقًا وتركيبًا؛ يعني: أقبح مَن قبُح صورةً، وأشوهه خلقةً، وهم أصحاب النار؛ فعلى هذا التَّفسير الاستثناءُ _وهو قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}[التين:6]_ متَّصلٌ ظاهرُ الاتصال، وقيل: السَّافلون الضَّعفى والهَرمَى والزَّمنَى؛ لأنَّ ذاك التقويمَ يزولُ عنهم، وتتبدَّل خلقتهم، فعلى هذا الاستثناءُ منقطعٌ؛ فالمعنى: لكنَّ الذين كانوا صالحينَ مِنَ الهَرْمى {فَلَهُمْ أَجْرٌ} دائمٌ {غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي: غير مقطوعٍ على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة والهَرَم، وعلى مقاساة المشاقِّ والقيام بالعبادة، فيُكتَب لهم في حال هَرَمهم وخَرَفهم مثلُ الذي كانوا يعملون في حال شبابِهم وصحَّتهم.
          (ص) {خُسْرٍ} ضَلَالٌ، ثُمَّ اسْتَثْنى {إلَّا مَنْ آمَنَ}.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[العصر:2]، ثُمَّ فسَّر (الخُسْرَ) بـ(الضَّلال)، ثُمَّ استثنى اللهُ تعالى مِن أهل الخُسْر {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[العصر:3].
          (ص) {لَازِبٍ} لازِمٌ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ}[الصافات:11] أي: (لازِم)، وهكذا رُوِي عنِ ابن عَبَّاس مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه.
          (ص) {نُنْشِئَكُمْ} فِي أيِّ خَلْقٍ / نَشَاءُ.
          (ش) أشار بهذا إلى قوله تعالى: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الواقعة:61]، ثُمَّ فسَّر ذلك بقوله: (فِي أيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ).
          (ص) {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}: نُعَظِّمُكَ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}[البقرة:30]، ثُمَّ فسَّر ذلك بقوله: (نُعَظِّمُكَ)، وكذا رُويَ عن مجاهدٍ.
          (ص) وقال أبُو العالِيَةِ: {فتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}[البقرة:37] فَهْوَ قولُه: {رَبَّنا ظلَمْنا أنْفُسَنا}[الأعراف:23].
          (ش) (أبُو العالِيَةِ) اسمُه رُفَيع بن مِهْرَان الرِّياحيُّ، أدرك الجاهليَّةَ، وأسلم بعد موت النَّبِيِّ صلعم بسنتينِ، ودخل على أبي بكر الصدِّيق، وصلَّى خلف عُمَر بن الخَطَّاب، وروى عن جماعةٍ مِنَ الصحابة ♥ ، وقد فسَّر أبو العالية (الكلماتِ) في قوله تعالى: ({فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}) [البقرة:37] بقوله تعالى: ({رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ}[الأعراف:23]، ورُويَ ذلك أيضًا عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبير، والحسن البِصْريِّ، والربيع بن أنس، وقتادة، ومُحَمَّد بن كعب القُرظيِّ، وخالد بن مَعْدان، وعطاء الخراسانيِّ، وعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، وقال أبو إسحاق السَّبِيعيُّ عن رجلٍ مِن بني تميمٍ قال: أتيتُ ابنَ عَبَّاس، فسألتُه: ما الكلماتُ التي تلقَّى آدمُ ◙ مِن ربَّه؟ قال: علَّم آدمَ شأنَ الحجِّ.
          (ص) {فأزَلَّهُمَا}: فاسْتَزَلَّهُمَا.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}[البقرة:38]، ثُمَّ فسَّره بقوله: (فاسْتَزَلَّهُمَا) أي: دعاهما إلى الزِّلَّة، وفي «تفسير ابن كثير»: يصحُّ أن يكون الضميرُ عائدًا إلى الجنَّة؛ فيكون المعنى كما قرأ حمزة وعاصم: {فأزالهما} أي: نحَّاهما، ويصحُّ أن يكون عائدًا على أقربِ المذكورَين؛ وهو الشجرةُ، فيكون المعنى كما قال الحسن وقتادة: فأزلَّهما؛ أي: مِن قَبْل الزَّلَل؛ فيكون تقديرُ الكلام: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} أي: بسببها.
          (ص) وَ{يَتَسَنَّهُ} يَتَغَيَّرْ، {آسِنٌ} مُتَغَيِّرٌ، والمَسْنُونُ: المُتَغَيِّرُ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ}[البقرة:259] أي: لم يتغيَّر، وأشار بقوله: (آسِنٌ) إلى ما في قوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}[مُحَمَّد:15] أي: غير (مُتَغَيِّر)، وأشار بقوله: (وَالمَسْنُونُ) إلى ما في قوله تعالى: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}[الحجر:26] أي: مِن طينٍ متغيِّرٍ، وكلُّ هذه مِن مادَّةٍ واحدةٍ.
          وقال الكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: ما وجهُ تعلُّقِه بقصَّة آدمَ ◙ ؟ قُلْت: ذُكِر بتبعيَّة «المسنون»؛ لأنَّه قد يقال باشتقاقه منه، انتهى.
          قُلْت: الداعي إلى هذا السؤال والجواب هو أنَّ جميعَ ما ذكره مِنَ الألفاظ مِن أَوَّل الباب إلى الحديث الذي يأتي مُتعلِّقٌ بآدمَ وأحواله، غيرَ قوله: ({يَتَسَنَّهُ})، فَإِنَّهُ متعلِّقٌ بقصَّة عُزَير ◙ ، وغيرَ قوله: (آسِنٌ) فَإِنَّهُ متعلِّقٌ بـ(الماء) ؛ فلذلك سأل وأجاب، ومع هذا قال: وأمثالُ هذه تكبيرٌ لحجم الكتاب، لا تكثيرٌ للفوائد، واللهُ أعلمُ بمقصوده.
          قُلْت: لا يخلو عن زيادة فائدةٍ، ولكنَّ كتابَه موضوعٌ لبيان الأحاديث، لا لبيان اللُّغات لألفاظ القرآن.
          (ص) {حَمإٍ} جَمْعُ حَمْأَةٍ؛ وهْوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}[الحجر:26] وقال: (الحَمَأُ) (جَمْعُ حَمْأَةٍ)، ثُمَّ فسَّره بقوله: (وهْوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ)، وكذا فسَّره أبو عُبيدة.
          (ص) {يَخْصِفَانِ} أخَذَا الخِصَافَ مِنْ ورَقِ الجَنَّةِ، يُؤلِّفَانِ الوَرَقَ، ويَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ}[طه:121]، ثُمَّ فسَّر (يَخْصِفَانِ) بقوله: (أخَذَا) أي: آدمُ وحوَّاءُ ♂ ، (الخِصَافَ) وهو بكسر الخاء المُعْجَمة وتخفيف الصاد المُهْمَلة، جمع (خَصَفة) بالتحريك؛ وهي الحُلَّة التي تُعمَل مِنَ الخوص للتمر، ويُجْمَع على (خَصَف) أيضًا بفتحتين.
          قوله: (يُؤلِّفَانِ الوَرَقَ) أي: وَرَق الشجرة، و(يَخْصِفَانِ) يعني: يُلزِقان بعضَه ببعضٍ؛ ليستُرا به عورتَهما؛ وكذلك الاختصاف، ومنه قرأ الحسن: {يَخِصِّفان} بالتشديد؛ إلَّا أنَّهُ أدغمَ التاءَ في الصاد، وعن مجاهدٍ في تفسير قوله: {يَخْصِفَانِ} أي: يَرْقعان كهيئة الثوب، وتقول العربُ: خصفتُ النَّعلَ؛ أي: خرزتُها.
          (ص) {سَوْآتُهما} كِنَايَةٌ عنْ فَرْجِهِمَا.
          (ش) أشار بهذا إلى قوله تعالى: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}[طه:121] / ، ثُمَّ فسَّر (السَّوءَةَ) بأنَّه كنايةٌ عن الفَرْج، وكذا فسَّره أبو عُبيدة، و(فَرْجِهِمَا) بالإفراد، ويُروَى: <فرجَيهِما> بالتثنية، والضميرُ يرجع إلى آدمَ وحوَّاءَ.
          (ص) {ومتاعٌ إلى حِينٍ} هَهُنا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، والحِينُ عِنْدَ العَرَبِ: مِنْ ساعَةٍ إلى ما لا يُحْصَى عَددُهُ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[البقرة:36]، ثُمَّ فسَّر (الحِينَ) بأنَّه (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)، وكذا رواه الطَّبَريُّ بإسناده عن ابن عَبَّاس، وأشار بقوله: (والحِينُ عِنْدَ العَرَبِ...) إلى آخره: إلى أنَّ لفظَ (الحِين) يُستَعمَل لمعانٍ كثيرةٍ، والحاصلُ أنَّ (الحين) في الأصل بمعنى: الوقت، ثمَّ استُعْمِلَ.
          (ص) {قَبِيلُهُ} جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}[الأعراف:27]، ثُمَّ فسَّر (قَبِيلُهُ) أي: قبيل الشيطان بأنَّه (جِيلُهُ) بكسر الجيم؛ أي: جماعته الذين هو _أي: الشيطان_ منهم، وروى الطَّبَريُّ عن مجاهدٍ في قوله: {وَقَبِيلُهُ} قال: الجنُّ والشياطين.