عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قصة يأجوج ومأجوج
  
              

          ░7▒ (ص) بابُ قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ.
          (يأجوج) رجلٌ، و(مأجوج) كذلك، ابنا يافث بن نوحٍ ◙ ؛ كذا ذكره عياضٌ، مشتقَّان مِن تأجُّج النار؛ وهي حرارتُها، سُمُّوا بذلك؛ لكثرتهم وشدَّتهم، وهذا على قراءة مَن همز، / وقيل: مِنَ الأُجاج؛ وهو الماء الشديدُ الملوحةِ، وقيل: هما اسمان أعجميَّان غيرُ مشتقَّين، وفي «المنتهى»: مَن همزهما؛ جعل وزن «يأجوج» «يَفْعُولًا»، مِن أجيج النار أو الظَّليم وغيرهما، و«مأجوج» «مَفْعُولًا»، ومَن لم يهمزْهما؛ جعلهما عجميَّين، وقال الأخفش: مَن همزهما؛ جَعَل الهمزةَ أصليَّةً، ومَن لا يهمزُهما؛ جعل الألفَين زائدتَين، بجعل «يأجوج» «فاعولًا»، مِن «يججت»، و«مأجوج» «فاعولًا»، مِن مججتُ الشيءَ في فمي، وقال الزَّمَخْشَريُّ: يأجوج ومأجوج اسمانِ أعجميَّانِ؛ بدليلِ منعِ الصرف.
          قُلْت: العلَّةُ في منع الصرف العجمةُ والعلميَّةُ، وهم مِن ذرِّيَّة آدمَ بلا خلاف، ولكنِ اختلفوا؛ فقيل: إنَّهم مِن ولد يافث بن نوحٍ ◙ ، قاله مجاهد، وقيل: إنَّهم جيلٌ مِنَ الترك، قاله الضحَّاك، وقيل: يأجوجُ مِنَ الترك، ومأجوجُ مِنَ الجيل والديلم، ذكره الزَّمَخْشَريُّ، وقيل: هم مِنَ التُّرك مثل المغول، وهم أشدُّ بأسًا وأكثرُ فسادًا مِن هؤلاء، وقيل: هم مِن آدمَ، ولكنْ مِن غير حوَّاءَ؛ لأنَّ آدمَ نام، فاحتلم، فامتزجت نطفتُه بالتراب، فلمَّا انتبه؛ أسِف على ذلك الماءِ الذي خرج منه، فخلق الله مِن ذلك الماء يأجوجَ ومأجوجَ، وهم متعلِّقون بنا مِن جهة الأب دون الأمِّ، حكاه الثعلبيُّ عن كعب الأحبار، وحكاه النوويُّ أيضًا في «شرح مسلم» وغيره، ولكنَّ العلماءَ ضعَّفوه، وقال ابن كثير: وهو جديرٌ بذلك؛ إذ لا دليلَ عليه، بل هو مخالفٌ لِما ذكروا مِن أنَّ جميعَ الناس اليوم مِن ذرِّيَّة نوح ◙ بنصِّ القرآن.
          قُلْت: جاء في الحديث أيضًا امتناع الاحتلام على الأنبياء ‰ .
          وقال نُعَيم بن حمَّاد: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد: حدَّثني سليمان بن عيسى قال: بلغني أنَّهم عشرون أمَّةً؛ يأجوج ومأجوج، ويأجيج وأجيج، والغيلانين، والغسلين، والقرانين، والقرطنين؛ وهو الذي يلتحف أُذنه، والقريطين، والكنعانين، والدفرانين، والجاجونين، والأنطارنين، واليعاسين، ورؤوسُهم رؤوس الكلاب.
          وعن عبد الله بن عُمَر بإسنادٍ جَيِّدٍ: الإنس عشرة أجزاءٍ؛ تسعةُ أجزاءٍ يأجوجُ ومأجوجُ، وسائر الناس جزءٌ واحدٌ، وعن عطيَّة بن حسان: أنَّهم أمَّتان؛ في كلِّ أمَّةٍ أربعُ مئة ألف أمَّةٍ، ليس فيها أمَّةٌ تشبه الأخرى، وذكر القرطبيُّ مرفوعًا: «يأجوجُ أمَّةٌ لها أربع مئة أميرٍ»، وكذلك مأجوجُ، صنفٌ منهم طوله مئةٌ وعشرون ذراعًا، قال: ويُروَى: أنَّهم يأكلون جميع حشرات الأرض مِنَ الحيَّات والعقارب، وكلَّ ذي روح مِنَ الطير وغيره، وليس لله خلقٌ يُنمى نماءَهم في العام الواحد، يتداعَون تداعيَ الحمام، ويعوون عِواءَ الكلاب، ومنهم مَن له قرنٌ وذنَبٌ، وأنيابٌ بارزةٌ، يأكلون اللُّحومَ النيَّةَ.
          وقال ابن عبد البرِّ في «كتاب الأمم»: هم أمَّةٌ لا يقدر أحدٌ على استقصاء ذكرهم؛ لكثرتهم، ومقدارُ الربع العامر مئةٌ وعشرون سنةً، وإنَّ تسعين منها ليأجوجَ ومأجوجَ، وهم أربعون أمَّةً مختَلِفُو الخَلْقِ والقُدود، في كلِّ أمَّةٍ ملِكٌ ولغةٌ، ومنهم مَن مَشيُه وَثْبٌ، وبعضهم يُغِيرُ على بعضٍ، ومنهم مَن لا يتكلَّم إلا همهمةً، ومنهم مشوَّهون، وفيهم شدَّةٌ وبأسٌ، وأكثرُ طعامهم الصيدُ، وربَّما أكل بعضُهم بعضًا.
          وذكر الباجيُّ عن عبد الرَّحْمَن بن ثابتٍ قال: الأرضُ خمسُ مئة عامٍ؛ منها ثلاث مئةٍ بُحورٌ، ومئةٌ وتسعون لِيأجوج ومأجوج، وسبعٌ للحبشة، وثلاثٌ لسائر الناس.
          وروى ابن مَرْدويه في «تفسيره» عن أحمد بن كامل: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سعد العوفيُّ: حَدَّثَنَا أبي: حَدَّثَنَا عمِّي: حَدَّثَنَا أبي عن أبيه عن ابن عَبَّاس، عن أبي سعيد الخُدْريِّ: قال نبيُّ الله صلعم _وذكر يأجوج ومأجوج_: «لا يموت الرجلُ منهم حَتَّى يُولَد لصُلبِه ألفُ رجلٍ»، وبإسناده عن حذيفة مرفوعًا: «يأجوج أمَّةٌ، ومأجوج أمَّةٌ، كلُّ أمَّةٍ أربع مئة ألف رجلٍ، لا يموت أحدهم حَتَّى ينظر إلى ألف رجلٍ مِن صُلبه، كلُّهم قد حملوا السلاح...» الحديث.
          وذكر أَبُو نُعَيْم: أنَّ صنفًا منهم أربعة أذرع طولًا، وأربعة أذرع عَرِضًا، يأكلون مشائم نسائهم، وعن عليٍّ ☺ : صنفٌ منهم في طول شبرٍ، له مخاليبُ وأنيابُ السباع، وتداعي الحمام، وعِواءُ الذئب، وشعورٌ تقيهمُ الحرَّ والبردَ، وآذانٌ عظامٌ؛ إحداها وبرةٌ يشتون فيها، والأُخرى جِلدة يُصَيِّفون فيها، وفي «التذكرة»: / وصنفٌ منهم كالأرزِّ، طولهم مئةٌ وعشرون ذراعًا، وصنفٌ يفترشُ أُذنه ويلتحف بالأخرى، ويأكلون مَن مات منهم، وعن كعب الأحبار: أنَّ التِّنِّين إذا آذى أهلَ الأرض؛ نقله اللهُ إلى يأجوج ومأجوج، فجعله رزقًا لهم، فيجزرونها كما يجزرون الإبلَ والبقرَ، ذكره نُعَيم بن حمَّاد في «كتاب الفِتَن»، وروى مُقاتِل بن حيَّان عن عِكْرِمَة مرفوعًا: «بعثني الله ليلةَ أُسْرِيَ بي إلى يأجوج ومأجوج، فدعوتُهم إلى دين اللهِ، فأبَوا أن يُجيبوني؛ فهم في النار مع مَن عصى مِن ولد آدمَ وولد إبليسَ».
          (ص) وقَوْلِ الله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ}[الكهف:94].
          (ش) (وَقَولِ اللهِ) بالجرِّ، عطفًا على لفظ (قصَّة يأجوج ومأجوج)، و(ذو القرنين) المذكور في القرآن، المذكور في ألسنة الناس بالإسكندر، ليس الإسكندر اليونانيَّ؛ فَإِنَّهُ مُشرِكٌ، ووزيره أرسطاطاليس، والإسكندر المؤمنُ الذي ذكره الله في القرآن اسمُه عبد الله بن الضحَّاك بن مَعَدٍّ، قاله ابن عَبَّاس، ونُسِبَ هذا القولُ أيضًا إلى عليِّ بن أبي طالب ☺ ، وقيل: مُصعب بن عبد الله بن قَنان بن منصور بن عبد الله بن الأزد بن عَوْن بن نبت بن مالك بن زيد بن كَهْلان بن سبأ بن قَحْطان، وقد جاء في حديث: أنَّهُ مِن حِمْيَر، وأمُّه روميَّةٌ، وأنَّه كان يُقَال له: ابن الفيلسوف؛ لعقله، وذكر ابن هشامٍ: أنَّ اسمَه الصَّعبُ ذي مَراثد، وهو أَوَّلُ التبابِعة، وقال مقاتل: مِن حِمْيَر، وَفَد أبوه إلى الرُّوم، فتزوَّج امرأةً مِن غسَّان، فولدت له ذا القرنين، وقال وَهْب بن منبِّه: اسمه الإسكندر.
          قُلْت: ومِن هذا يُشارِك هو الإسكندرَ اليونانيَّ في الاسم، وكثيرٌ مِنَ الناس يُخطِئون في هذا، ويزعُمون أنَّ الإسكندرَ المذكور في القرآن هو الإسكندرُ اليونانيُّ، وهذا زعمٌ فاسدٌ؛ لأنَّ الإسكندرَ اليونانيَّ الذي بنى الإسكندريَّة كافرٌ مُشركٌ، وذو القرنين عبدٌ صالحٌ مَلِكٌ، مَلَكَ الأرض شرقًا وغربًا، حَتَّى ذهب جماعةٌ إلى نبوَّته؛ منهم الضحَّاك وعبد الله بن عَمْرو، وقيل: كان رسولًا، وقال الثعلبيُّ: والصحيحُ _إن شاء الله_ كان نبيًّا غيرَ مُرسَلٍ، ووزيره الخضِر ◙ ، فأنَّى يتساويان؟!
          واختلفوا في زمانه؛ فقيل: في القرن الأَوَّل مِن ولد يافث بن نوحٍ ◙ ، قاله عليٌّ ☺ ، وإنَّه وُلِدَ بأرض الروم، وقيل: كان بعد نُمرود، قاله الحسن، وقيل: إنَّهُ مِن ولد إسحاق، مِن ذرِّيَّة العيص، قاله مقاتل، وقيل: كان في الفترة بين موسى وعيسى ♂ ، وقيل: في الفترة بين عيسى ومُحَمَّد ♂ ، والأصحُّ أنَّهُ كان في أيَّام إبراهيم الخليل ◙ ، واجتمع به في الشام، وقيل: بِمَكَّةَ، ولمَّا فاته عينُ الحياة، وحظيَ بها الخضر ◙ ؛ اغتمَّ غمًّا شديدًا، فأيقن بالموت، فمات بدومةَ الجندَل، وكان منزلَه، هكذا رُوِيَ عن عليٍّ ☺ ، وقيل: بشهرزور، وقيل: بأرض بابِل، وكان قد ترك الدنيا وتزهَّد، وهو الأصحُّ، وقيل: مات بالقُدس، ذكره في «فضائل القُدس» لأبي بكر الواسطيِّ الخطيب، وكان عددُ ما سار في الأرض في البلاد منذ يوم بعثه الله إلى أن قُبِض خمسَ مئة عامٍ، وقال مجاهد: عاش ألفَ سنةٍ مثلَ آدم ◙ ، وقال ابن عساكر: بلغني أنَّهُ عاش ستًّا وثلاثين سنةً، وقيل: ثِنتينِ وثلاثين سنةً.
          واختُلِف لمَ سُمِّي (ذا القرنين) ؟ فعن عليٍّ ☺ : لمَّا دعا قومه؛ ضربوه على قرنه الأيمن، [فمات، ثُمَّ بُعِث، ثُمَّ دعاهم، فضربوه على الأيسر]، فمات، ثُمَّ بُعِثَ، وقيل: لأنَّه بلغ قُطرَي الأرض؛ المشرق والمغرب، وقيل: لأنَّه ملَكَ فارسَ والروم، وقيل: كان ذا ضفيرتَين مِن شَعرٍ، والعرب تُسمِّي الخُصْلةَ مِنَ الشَّعر قرنًا، وقيل: كانت له ذؤابتان، وقيل: كان لِتاجِه قرنان، وعن مجاهدٍ: كانت صَفحتا رأسه مِن نحاسٍ، وقيل: كان في رأسه شبهُ القرنين، وقيل: لأنَّه سلك الظُّلمة والضوء، قاله الربيع، وقيل: لأنَّه أُعْطِيَ علمَ الظاهر والباطن، حكاه الثعلبيُّ.
          (ص) وقَوْلِ الله تَعَالَى: {ويَسْألُونَكَ عنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سأتْلُو علَيْكُمْ / مِنْهُ ذِكْرًا إنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سبَبًا}[الكهف:83]، إلى قوله: {آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ}[الكهف:96].
          (ش) (وقولِ اللهِ) بالجرِّ عطفًا على (قول الله) الأَوَّلِ، وفي بعض النُّسَخ: <باب قول الله تعالى... إلى آخره>، ورواية أبي ذرٍّ: <إلى قوله: {سببًا}> وساق غيرُه الآيةَ، ثُمَّ اتَّفقوا إلى قوله: {آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ}[الكهف:96]، وبعد قوله: {سببًا} هو قوله: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وإمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا. قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا. كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا. حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا. قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا. قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا. آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}[الكهف:85-97].
          قوله: ({ويَسْألُونَكَ}) السائلون هم اليهود، سألوا النَّبِيَّ صلعم على جهة الامتحان، وقيل: سأله أبو جهلٍ وأشياعُه.
          قوله: ({قُلْ}) خطابٌ للنبيِّ صلعم .
          قوله: ({سأتْلُو علَيْكُمْ}) قال الزَّمَخْشَريُّ: الخطابُ لأحد الفريقَين.
          قوله: ({مِنْهُ ذِكْرًا}) أي: مِن أخباره.
          قوله: ({إنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}) أي: مِن أسباب كلِّ شيءٍ أراده مِن أغراضه ومقاصده في مِلكه، ويقال: سهَّلنا عليه الأمرَ في السَّير في الأرض حَتَّى بلغ مشارقَها ومغاربها، قال عليٌّ ☺ : سخَّر الله له السَّحابَ، فحُمِلَ عليه، وبُسِطَ له النُّورُ، فكان اللَّيلُ والنهارُ عليه سواءً.
          قوله: ({وآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سبَبًا}) أي: عِلمًا يتسبَّب به إلى ما يريد، قاله ابن عَبَّاس، وقيل: عِلمًا بالطُّرق والمسالك، فسخَّرنا له أقطار الأرض؛ كما سخَّر الريحَ لسليمان ◙ ، وقيل: جَعَل له في كلِّ أمَّةٍ سلطانًا وهيبةً، وقيل: ما يستعين به على لقاء العدوِّ، ووقع في بعض نسخ البُخَاريِّ بعد قوله: {سببًا}: <طريقًا>.
          قوله: ({فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}) أي: ذات حمأة، ومَن قرأ: {حَامِيَةٍ}؛ فمعناه مثله، وقيل: حارَّة، ويجوز أن تكون حارَّة، وهي ذات حَمْأة.
          قوله: ({وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا}) أي: عند العين، أو عند نهاية العمارة، قومًا لباسُهم جلودُ السباع، وليس لهم طعامٌ إلَّا ما أحرقته الشمسُ مِنَ الدوابِّ إذا غربت نحوها، وما لفظت العينُ مِنَ الحيتان إذا وقعت، وعن ابن السائب: هناك قومٌ مؤمنون، وقومٌ كافرون.
          قوله: ({قُلْنَا يَا ذَا القَرْنَيْنِ}) مَن قال: إنَّهُ نبيٌّ؛ قال: هذا القولُ وحيٌ، ومَن منع؛ قال: إلهامٌ.
          قوله: ({إمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وإمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}) قال الزَّمَخْشَريُّ: كانوا كَفَرةً، فخيَّره الله بين أن يعذِّبهم بالقتل وأن يدعوَهم إلى الإسلام، فاختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم، فقال: أَمَّا مَن دعوته، فأبى إلَّا البقاءَ على الظُّلم العظيم الذي هو الشرك؛ فذلك هو المعذَّب في الدارينِ.
          قوله: ({أَمَّا مَنْ ظَلَمَ}) أي: أشرَكَ.
          قوله: ({فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}) أي: مُنكَرًا، وقال الحسن: كان يطبخُهم في القِدْر.
          قوله: ({وَأَمَّا مَنْ آمَنَ}) أي: تَرَك الكفر، ({وَعَمِلَ صَالِحًا}) في إيمانه؛ ({فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى}) أي: الجنَّة.
          قوله: ({يُسْرًا}) أي: قولًا جميلًا.
          قوله: ({ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}) أي: طريقًا آخرَ يوصِله إلى المشرق.
          قوله: ({لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا}) أي: مِن دون الشمس ({سِتْرًا}) ؛ لأنَّهم كانوا في مكانٍ لا يستقرُّ عليه البناء، وكانوا في أسرابٍ لهم، حَتَّى إذا زالت الشمس؛ خرجوا إلى معايِشهم وحُروثهم، وقال الحسنُ: كانت أرضُهم على شاطئ البحر على الماء، لا تحتمل البناء، فإذا طلعت عليهم الشمس؛ دخلوا في الماء، وإذا ارتفعت عنهم؛ خرجوا.
          قوله: ({كَذَلِكَ}) أي: كما وَجَد قومًا عند مغرب الشمس، وحكم فيهم؛ وجد قومًا عند مطلعها، وحكم فيهم كذلك.
          قوله: ({وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ}) / أي: مِنَ الجنود والآلات وأسباب المِلك.
          قوله: ({خُبْرًا}) قال الزَّمَخْشَريُّ: تكثيرًا، وقال ابن الأثير: «الخُبْرُ» النصيب.
          قوله: ({ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}) أي: طريقًا بين الشَّرق والغرب.
          قوله: ({حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ}) أي: الجَبَلين؛ ({وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا}) يعني: أمام السدِّ، قال الزَّمَخْشَريُّ: القوم: التُّرك.
          قوله: ({لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}) لأنَّهم لا يعرفون غيرَ لغتهم.
          ثُمَّ نذكر بقيَّة التفسير في ألفاظ البُخَاريِّ.
          (ص) وَاحِدُهَا: زُبْرَةٌ؛ وَهْيَ القِطَعُ.
          (ش) أي: واحد (الزُّبر) (زُبْرَةٌ)، (وَهْيَ القِطَعُ) ؛ وهكذا فسَّره أبو عبيد، فقال: {زُبَرَ الحَدِيدِ}؛ أي: قِطَع الحديد.
          (ص) {حَتَّى إذَا ساوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} يُقَالُ عنِ ابنِ عَبَّاس: الجَبَلَيْنِ، و{السَّدَّيْنِ}: الجَبَلَيْنِ.
          (ش) قرأ أَبَان: {حَتَّى إذا سوَّى} بتشديد الواو، وبحذف الألف، وقال أبو عبيدة: قوله: {بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} أي: ما بين الناحيتين مِنَ الجَبَلين، و{الصدفين} بضمَّتَين، وفتحتَين، وضمَّةٍ وسكونٍ، وفتحةٍ وضمَّةٍ.
          قوله: (يُقَالُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) تعليقٌ بصيغة التمريض، ووصله ابن أبي حاتم مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاس.
          و({السَُّدَّيْنِ}) بِضَمِّ السين وفتحها، بمعنًى واحدٍ، قاله الكسائيُّ، وقال أبو عَمْرو بن العلاء: ما كان مِن صُنْعِ الله؛ فبالضمِّ، وما كان مِن صنع الآدميِّ؛ فبالفتح، وقيل: بالفتح: ما رأيتَه، وبالضمِّ: ما توارى عنكَ.
          (ص) {خَرْجًا} أجْرًا.
          (ش) أشار به إلى لفظ ({خَرْجًا}) في قوله: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا}، ثُمَّ فسَّره بقوله: (أَجْرًا)، وروى ابن أبي حاتمٍ مِن طريق ابن جُرَيْج عن عطاءٍ عن ابن عَبَّاسٍ: {خرجًا} قال: أجرًا عظيمًا.
          (ص) {قَاَل انْفُخُوا حَتَّى إذَا جَعَلَهُ نارًا قال آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أصْبُبْ رَِصاصًا، ويُقالُ: الحَدِيدُ، ويُقالُ: الصُّفْرُ، وقال ابنُ عَبَّاس: النُّحَاسُ.
          (ش) قال المفسِّرون: حشا ما بين الجَبَلين بالحديد، ونَسَج بين طبقات الحديد الحطبَ والفَحْم، ووضع عليها المنافيخ، ({قَاَل انْفُخُوا حَتَّى إذا جَعَلَهُ نارًا}) أي: كالنار مِنَ النفخ، ({قال آتُونِي}) أي: أعطوني ({أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا})، وفسَّر البُخَاريُّ قولَه: {أُفرِغ} بقوله: (أَصْبُبْ) مِن صبَّ يصبُّ؛ إذا سكب، وذكره بفكِّ الإدغام؛ لأنَّ المثلَينِ إذا اجتمعا في كلمةٍ واحدةٍ؛ يجوز فيه الإدغامُ والفكُّ، والإدغامُ أكثرُ، وفسَّر ({قِطْرًا}) بقوله: (رَِصاصًا)، وهو بكسر الراء وفتحها.
          قوله: (ويُقالُ: الحَدِيدُ) أي: القِطْر هو الحديد، (ويُقالُ: الصُّفْرُ) أي: القِطرُ الصُّفْرُ؛ بِضَمِّ الصاد وكسرها، وفي «المغرِب»: «الصُّفْرُ» النُّحاسُ الجيِّدُ الذي تُعْمَلُ منه الآنيةُ.
          قوله: (وَقالَ ابنُ عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ) أي: القِطْر، هو النحاس؛ وكذا قاله السُّدِّيُّ.
          (ص) {فَمَا اسْطاعُوا أنْ يظْهَروُهُ} يَعْلُوهُ، اسْطَاعَ: (اسْتَفْعَلَ) مِنْ طُعْتُ لَهُ؛ فَلِذَلِكَ فَتَحَ أَسْطاعَ يَسْطِيعُ، وقال بَعْضُهُمُ: أَسْطَاعَ يُسْطِيعُ، {وما اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}.
          (ش) ({فَمَا اسْطاعُوا}) أي: فما قدروا ({أَنْ يَظْهَرُوهُ}) أي: يعلوه، مِن قولهم: ظهرتُ فوق الجبل؛ إذا علوتَه؛ وهكذا فسَّره أبو عُبيدة.
          قوله: (اسْطاعَ: اسْتَفْعَلَ) أشار به إلى أنَّ {فَمَا اسْطاعُوا} _الذي هو بفتح الهمزة، وسكون السين، بلا تاء مُثَنَّاة مِن فوق_ جمعٌ، مفرده: (اسطاع)، ووزنُه في الأصل (استَفْعَل) ؛ لأنَّه مِن (طُعْتُ لَهُ) بِضَمِّ الطاء وسكون العين؛ لأنَّه مِن باب (فعَل يفعُل) مثل: (نصَر ينصُر)، ولكنَّه أجوفُ واويٌّ؛ لأنَّه مِنَ (الطوع)، يقال: طاع له، وطُعْت له؛ مثل: قال له، وقُلتُ له، ولمَّا نُقِلَ (طاع) إلى باب (الاستِفْعال) ؛ صار (استطاع)، على وزن (استفعل)، ثُمَّ حُذِفَت التاء للتخفيف بعد نقلِ حركتِها إلى الهمزة؛ فصار (أَسْطاع) بفتح الهمزة وسكون السين، وأشار إلى هذا بقوله: (فَلِذَلِكَ فَتَحَ أَسْطَاع) أي: فلأجل حذفِ التاء ونَقْلِ حركتها إلى الهمزة قيل: (أَسطاع يَسطيع) بفتح الهمزة في الماضي، وفتح الياء في المستقبل، ولكنَّ بعضَهم قال في المستقبل بِضَمِّ الياء، فمَن فتح الياء في المستقبل؛ جعله مِن (طاع يَطيع)، ومَن ضمَّها؛ جعله مِن (طاع يَطوع)، يُقَال: أطاعه يُطيعه؛ فهو مُطيع، وطاع له يَطوع ويَطيع؛ فهو طائعٌ؛ أي: أذعنَ له وانقادَ، والاسمُ: الطاعةُ، والاستطاعةُ: القدرةُ على الشيء.
          قوله: ({وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}[الكهف:97])، هو مِن قوله تعالى بعد قوله: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ}، ذكره إشارةً إلى أنَّ التصرُّفَ المذكورَ كان في قوله: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ}، وأَمَّا قولُه: {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}؛ فعلى الأصل مِن / باب (الاستِفْعال).
          قوله: ({نَقْبًا}) يعني: لم يتمكَّنوا أن ينقبُوا السدَّ مِن أسفله؛ لشدَّته وصلابتِه، ولم أرَ شارحًا حرَّر هذا الموضعَ كما ينبغي، فالحمدُ لله على ما أولانا مِن نِعَمِه.
          (ص) {قال: هذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فإذَا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكًّا} أَلْزَقَهُ بِالأَرْضِ، وناقَةٌ دَكَّاءُ: لَا سَنَامَ لَهَا، والدَّكْدَاكُ مِنَ الأرْضِ مِثْلهُ، حَتَّى صَلُبَ مِنَ الأرْضِ وتَلَبَّدَ، {وَكَانَ وعْدُ رَبِّي حَقًّا وتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ}.
          (ش) هذا إشارةٌ إلى السدِّ؛ أي: هذا السدُّ رحمةٌ مِنَ الله على عباده ونعمةٌ عظيمةٌ، قال الزَّمَخْشَريُّ: أو هذا الإقدارُ والتمكينُ مِن تسويته.
          قوله: ({فإذَا جاءَ وَعْدُ رَبِّي}) يعني: فإذا دنا يومُ القيامة، وشارف أن يأتيَ؛ ({جَعَلَهُ دَكًّا}) أي: (أَلْزَقَهُ بِالأَرْضِ) يعني: جعله مدكوكًا، مسوًّى بالأرض مبسوطًا، وكلُّ ما انبسط بعد الارتفاع؛ فقد اندكَّ، وقُرِئ: {دَكَّاءَ} بالمدِّ؛ أي: أرضًا مستويةً.
          قوله: (وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ) أي: لا سَنامَ لها، وكذلك يُقَال: جملٌ أدكُّ؛ إذا كان منبسطَ السَّنام.
          قوله: (وَالدَّكْدَاكُ مِنَ الأرْضِ مِثْلهُ) أي: المُلزَقُ بالأرض، المستوي بها، وقال الجَوْهَريُّ: الدكداك مِنَ الرَّمل: ما تلبَّد مِنه بالأرضِ ولم يرتفعْ.
          قوله: ({وَكَانَ وعْدُ رَبِّي حَقًّا}) هذا آخرُ حكايةِ قولِ ذي القرنينِ.
          قوله: ({وتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ}) ابتداءُ كلامٍ آخرَ؛ أي: وتركنا بعضَ الخلق يوم القيامة يموج _أي: يضطرب ويختلط_ بعضهم في بعض، وهم حَيارى مِن شدَّة يوم القيامة، ويجوز أن يكون الضمير في {بعضَهم} ليأجوجَ ومأجوجَ، وأنَّهم يموجون حين يخرجون مِمَّا وراء السدِّ مزدحمينَ في البلاد، ورُوِيَ: يأتون البحرَ، ويشربون ماءه، ويأكلون دوابَّه، ثُمَّ يأكلون الشجر ومَن ظفروا به ممَّن لم يتحصَّنْ مِنَ الناس، ولا يأتون مكَّةَ والمدينةَ وبيتَ المقدِس، هكذا ذكره الزَّمَخْشَريُّ في هذه الآية، وروى التِّرْمِذيُّ في حديث السَّدِّ عن أبي هُرَيْرَة، وفيه: «فيخرجون على الناس، فيستقون المياه»، وفي «تفسير مقاتل»: فإذا خرجوا؛ فيشرب أوَّلُهم دجلةَ والفراتَ، حَتَّى يمرُّ آخرُهم فيقول: قد كان ههنا مرَّةً ماءٌ.
          (ص) {حَتَّى إذَا فُتحَتْ يأجُوجُ ومَأجُوجُ وهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قال قَتَادَةُ: حَدَبٌ: أكَمَة.
          (ش) وفي بعض النُّسَخ قبلَ هذا: <بَابُ {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ}...> إلى آخره.
          كلمة ({حَتَّى}) حرفُ ابتداءٍ بسبب {إذَا}؛ لأنَّها تقتضي جوابًا هو المقصودُ ذكرُه، قيل: جوابه: {وَاقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ}[الأنبياء:97]، والواو زائدةٌ؛ نظيره: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}[الزمر:73] وقيل: جوابه في قوله: {يَا وَيْلَنا} بعده[الأنبياء:14]؛ التقدير: قَالُوا يَا وَيْلَنَا، وليست الواو بزائدةٍ، وقيل: الجواب في قوله: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ}[الأنبياء:97].
          وقرأ ابن عامر: {فُتِّحَتْ} بالتشديد، والباقون بالتخفيف؛ والمعنى: حَتَّى إذا فُتِحَت سدُّ يأجوجَ ومأجوجَ؛ يخرجون حين يُفْتَح السدُّ.
          ({وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ}) أي: نَشز مِنَ الأرض، وفسَّره قتادة بقوله: (حَدَبٌ: أكَمَة).
          قوله: ({يَنْسِلُونَ}) أي: يُسرِعون، مِنَ النَّسَلان؛ وهو مقاربةُ الخَطْوِ مع الإسراع؛ كمشي الذئب إذا بادر، و(العَسَلان) بالعين المُهْمَلة مثله.
          (ص) وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلعم : رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ البُرْدِ المُحَبَّرِ، قَالَ: رأيْتَهُ.
          (ش) هذا التعليق وصله ابنُ أبي عُمَر مِن طريق سعيدٍ عن قتادةَ عن رجلٍ مِن أهل المدينة: أنَّهُ قال للنبيِّ صلعم : يا رسولَ الله؛ قد رأيتُ سدَّ يأجوجَ ومأجوجَ، قال: «كيف رأيتَه؟» قال: مثل البُرْد المحبَّر، طريقةٌ حمراءُ وطريقةٌ سوداءُ، قال: «قد رأيتَه»، ورواه الطبرانيُّ مِن طريق سعيدٍ عن قتادةَ عن رجلين، عن أبي بَكْرة: أنَّ رجلًا أتى النَّبِيَّ صلعم ، فقال...؛ فذكر نحوه، وأخرجه البَزَّار مِن طريق يوسف بن أبي مريم الحنفيِّ عن أبي بَكْرة ورجلٍ رأى السدَّ...؛ فساقه مطوَّلًا، وأخرجه ابن مردويه أيضًا في «تفسيره» عن سليمان بن أحمد: حَدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد بن يحيى: حَدَّثَنَا أبو الجماهِر: حَدَّثَنَا سعيد بن بشير عن قتادة عن رجلَين، عن أبي بَكْرة الثَّقَفيِّ: أنَّ رجلًا أتى رسول الله صلعم ، فقال: يا رسولَ الله؛ إنِّي قد رأيته _يعني: السدَّ_ فقال: «كيف هو؟» قال: كالبُرد المحبَّر، قال: «قد رأيتَه»، قال: وحدَّثنا قتادة: أنَّهُ قال: طريقةٌ حمراءُ مِن نحاسٍ، وطريقةٌ / سوداءُ مِن حديدٍ.
          قوله: (مِثْلَ البُرْدِ) بِضَمِّ الباء، وهو نوعٌ مِنَ الثياب معروفٌ، والجمعُ (أبراد) و(بُرود)، و(البُردة) الشَّمْلة المخطَّطة.
          قوله: (المُحَبَّر) بالحاء المُهْمَلة، وتشديد الباء المُوَحَّدة المفتوحة، وهو خطٌّ أبيضُ وخطٌّ أسودُ أو أحمرُ.
          قوله: (رَأَيتَهُ) أي: رأيتَه صحيحًا، وأنت صادقٌ في ذلك، وقال نُعَيم بن حمَّادٍ في كتاب «الفتن»: حَدَّثَنَا مَسْلَمَة بن عليٍّ: حَدَّثَنَا سعيد بن بشير عن قتادة: قال رجلٌ: يا رسولَ الله؛ قد رأيت الرَّدمَ، وإنَّ الناس يُكذِّبونَني، فقال: «كيف رأيتَه؟» قال: رأيته كالبُرْد المحبَّر، قال: «صدقتَ، والذي نفسي بيده؛ لقد رأيتُه ليلةَ الإسراء، لبِنة مِن ذهبٍ، ولبِنة مِن رَصاصٍ»، وقال الحَوفيُّ في «تفسيره»: بُعْدُ ما بين الجبلَينِ مئةُ فرسخٍ، فلمَّا أخذ ذو القرنين في عمله؛ حفر له أساسًا حَتَّى بلغ الماءَ، وجعل عَرضَه خمسين فرسخًا، وجعل حَشْوَه الصخورَ، وطينَه النُّحاسَ المُذَابَ، فبقي كأنَّه عرقٌ مِن جبلٍ تحت الأرض، ثُمَّ علاه وشرفه بزُبَر الحديد والنُّحاسِ المذابِ، وجعل خلالَه عرقًا مِن نحاسٍ، فصار كأنَّه بُردٌ محبَّرٌ.