نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق

          ░124▒ (باب مَا يَأْكُلُ) صاحب الهدي (مِنَ الْبُدْنِ وَمَا يُتَصَدَّقُ) منها؛ أراد: ما يجوز له الأكل، وما يجب عليه أن يتصدَّق، وفي بعض النُّسخ: <باب ما يُؤكل من البدن وما يُتَصدَّقُ منها> على البناء للمفعول فيهما (وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ) هو: ابن عمر العُمَري (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (نَافِعٌ) مولى ابن عمر (عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ) / أنَّه قال: (لاَ يُؤْكَلُ) على البناء للمفعول؛ أي لا يأكل المالك.
          (مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ) أي: من الذي جعله جزاء لصيده الحرام، ولا من المنذور، بل يجب التصدُّق بهما، وهو قول مالك ورواية عن أحمد، وزاد مالك إلا فدية الأذى. وعن أحمد: لا يؤكل إلا من هدي التطوُّع والمتعة والقِرَان، وهو قول أصحابنا الحنفيَّة؛ بناء على أنَّ دمَ التمتُّع والقِرَان دمُ نُسْك لا دم جُبْران.
          وذكر ابن المواز عن مالك: أنَّه يأكل من الهدي النَّذر إلا أن يكون نذره للمساكين، وكذلك ما أخرجه بمعنى الصَّدقة لا يأكل منه. وكان الأوزاعي يكره أن يأكل من جزاء الصَّيد أو فدية أو كفَّارة.
          (وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ) من هدي التطوُّع والمتعة والقران. وفي «التَّوضيح»: واختلف أهل العلم في هدي التطوُّع إذا عطب في الطَّريق قبل محله، فقالت طائفة: صاحبه ممنوع من الأكل منه، روي ذلك عن ابن عبَّاس ☻ ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشَّافعي، ورخَّصت طائفة من الأكل منه، رُوِيَ ذلك عن عائشة وابن عمر ♥ .
          هذا وقيل(1) : إذ كان الهدي المعطوب في الطَّريق تطوُّعاً فله التصرف فيه ببيع وأكل غيرهما؛ لأن ملكه ثابت عليه، وإن كان نذراً لزمه ذبحه؛ لأنَّه هدي معكوف على الحرم، فوجب نحره مكانه كهدي المحصر، وليس له التصرُّف فيه بما يزيل الملك، أو يؤول إلى زواله كالوصيَّة والهبة والرَّهن؛ لأنَّه بالنذر زال ملكه عنه وصار للمساكين (2)، وفارق ما لو قال: لله عليَّ إعتاق هذا العبد حيث لا يزول ملكه عنه إلَّا بإعتاقه، وإن امتنع التصرُّف فيه بأن الملك هنا ينتقل إلى المساكين، فانتقل بنفس النَّذر كالوقف على قول، وأمَّا الملك في العبد فلا ينتقل إليه ولا إلى غيره، بل ينقل العبد عنه، فإن لم يذبح الهدي المعطوب حتَّى تلف ضمنه لتفريطه كنظيره في الوديعة. انتهى.
          وهذا التَّعليق وصله ابن أبي شيبة عن ابن نمير عنه بمعناه قال: إذا عطبت البدنة أو كسرت أكل منها صاحبُها ولم يبدلها، إلا أن تكون نذراً أو جزاء صيد، ورواه الطَّبراني من طريق القطَّان عن عبيد الله بلفظ التَّعليق المذكور.
          (وَقَالَ عَطَاءٌ) هو: ابن أبي رباح (يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنَ الْمُتْعَةِ) أي: من الهدي الذي يُسمى بدم التمتُّع الواجب على المتمتِّع، / وهذا التَّعليق وصله عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج عنه. وروى سعيد بن منصور من وجه آخر عن عطاء: لا يُؤكل من جزاء الصَّيد، ولا ممَّا جُعِلَ للمساكين من النذور وغير ذلك، ولا من الفدية ويؤكل مما سوى ذلك.
          وروى عبد بن حميد من وجه آخر عنه: إن شاء أكل من الهدي والأضحية، وإن شاء لم يأكل، ولا تخالف بين هذه الآثار عن عطاء، فإنَّ حاصلها ما دلَّ عليه الأمر الثَّاني. وزعم ابن القصَّار المالكي: أنَّ الشَّافعي تفرَّد بمنع الأكل من دم التمتُّع.


[1] في هامش الأصل: قسطلاني.
[2] من قوله: ((أو يؤول... إلى قوله: وصار للمساكين)): ليس في (خ).