نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي

          ░32▒ (بابُ مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ) أي: فأقرَّه النَّبي صلعم على ذلك، وأشار بهذا إلى جواز الإحرام على الإبهام ثمَّ صرفه إلى ما شاء المحرم لكون ذلك وقع في زمنه صلعم ولم ينه عن ذلك، وهذا قول الشَّافعية ومن ذهب إلى مذهبهم.
          وعن المالكيَّة: لا يصحُّ الإحرام على الإبهام وهو قول الكوفيِّين، وقال ابن المنيِّر: وكأنَّه مذهب البخاريِّ؛ لأنَّه أشار بالتَّرجمة إلى أنَّ ذلك خاصٌّ بذلك الزَّمن؛ لأنَّ عليًّا وأبا موسى ☻ لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفيَّة الإحرام فأحالاه على النَّبي صلعم ، وأمَّا الآن فقد استقرَّت الأحكام وعرفت مراتب كيفيَّات الإحرام فلا يصحُّ ذلك، فعلى هذا ليس لأحدٍ أن يحرم بما أحرم به فلان بل لا بدَّ أن يعيِّن العبادة التي أرادها.
          (قَالَهُ) أي: قال هذا المذكور الذي هو التَّرجمة (ابْنُ عُمَرَ ☻ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) يشير به إلى ما أخرجه موصولاً في باب بعث عليٍّ ☺ إلى اليمن، في كتاب المغازي [خ¦4353] من طريق بكر بن عبد الله المزنيِّ، عن ابن عمر ☻ . /
          فذكر الحديث، وفيه: فقدم علينا عليُّ بن أبي طالبٍ من اليمن حاجًّا فقال له النَّبي صلعم : ((بم أهللت؟ فإنَّ معنا أهلك)) قال: أهللت بما أهلَّ به النَّبي صلعم . الحديث.
          وإنَّما قال له: فإنَّ معنا أهلك؛ لأنَّ فاطمة ♦ كانت قد تمتَّعت بالعمرة وأحلَّت، كما بينه مسلمٌ في حديث جابرٍ ☺ وهو قوله: «وقدم عليٌّ من اليمن فَوَجَدَ فاطمة ممَّن حلَّ ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، إلى أن قال رسول الله صلعم ماذا قلت حين فَرَضْتَ الحجَّ قال: قلت: اللهمَّ إنِّي أهل بما أهلَّ به رسولك قال: فإنَّ معي الهدي فلا تحلَّ».
          وفي هذا دليلٌ لمذهب الشَّافعي ومن وافقه في أنَّه يصحُّ الإحرام معلقاً بأن ينوي إحراماً كإحرام زيدٍ فيصير هذا المعلَّق كإحرام زيدٍ فإن كان زيدٌ أحرم بحجٍّ كان هذا أيضاً كذلك، وإن كان بعمرةٍ فبعمرةٍ وإن كان بهما فبهما، وإن كان زيدٌ أحرم مطلقاً صار هذا محرماً إحراماً مطلقاً فيصرفه إلى ما شاء من حجٍّ أو عمرةٍ ولا يلزمه موافقة زيدٍ في الصَّرف، قاله النَّووي.
          وحكى الرَّافعي وجهاً أن يلزمه موافقته في الصَّرف، والصَّواب هو الأوَّل ولا يجوز عند سائر العلماء والأئمَّة ▓ الإحرام بالنِّية المبهمة؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية [البقرة:196]، ولقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} الآية [محمد:33]، ولأنَّ هذا كان لعليٍّ وأبي موسى الأشعريِّ ☻ [خ¦1558]، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى [خ¦1559].