نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الجلال للبدن

          ░113▒ (باب الْجِلاَلِ) بكسر الجيم، جمع: جُل، بضم الجيم، وهو الذي يطرح على ظهر الحيوان من الإبل والفرس والبقر والحمار والبغل، وهذا من حيث العرف، ولكن العلماء على أنَّ التجليل مختصٌّ بالإبل من كساء ونحوها (لِلْبُدْنِ) صفة للجلال، أي: الكائنة لها.
          (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب ( ☻ لاَ يَشُقُّ مِنَ الْجِلاَلِ إِلاَّ مَوْضِعَ السَّنَامَ) بفتح السين، لئلا يسقط وليظهر الإشعار ولا يستتر تحتها (وَإِذَا نَحَرَهَا) أي: أراد نحرها (نَزَعَ جِلاَلَهَا) عنها (مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا) وهذا التَّعليق وصل بعضه مالك في «الموطَّأ» عن نافع: أنَّ عبد الله بن عمر ☻ كان لا يشقُّ جِلَال بدنه.
          وعن نافع: أنَّ ابن عمر ☻ كان يجلِّل بدنه القَبَاطي والحلل، ثمَّ يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها.
          وعن مالك: أنَّه سأل عبد الله بن دينار ما كان ابن عمر ☺ يصنع بجلال بُدْنه حين كسيت الكعبة بهذه الكسوة قال: كان يتصدَّق بها، وقال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق يحيى بن بكير، عن مالك زاد فيه غير يحيى عن مالك: إلَّا موضع السَّنام إلى آخر الأثر المذكور.
          وقال المهلَّب: ليس التصدُّق بجلال البدن فرضاً، وإنَّما صنع ذلك ابن عمر ☻ ؛ لأنَّه أراد أن لا يرجع في شيء أهلَّ به لله، ولا في شيء أضيف إليه. انتهى.
          وروى ابن المنذر من طريق أسامة بن زيد، عن نافع: ((أنَّ ابن عمر ☻ كان يُجَلِّل بُدْنَه الأنماطَ والبُرودَ والحبرَ حتَّى يخرج من المدينة ثمَّ ينزعها فيطويها حتَّى يكون يوم عرفة فيكسيها إياها حتَّى ينحرها، ثمَّ يتصدَّق بها)) قال نافع: وربما دفعها إلى بني شيبة.
          وقال أصحابنا: ويتصدَّق بجِلال الهدي وزمامه؛ لأنَّه صلعم أمر علياً ☺ بذلك، والظَّاهر أن هذا الأمر أمر استحباب.
          وقال ابن بطَّال: كان مالك وأبو حنيفة والشَّافعي يرون تجليل البدن. واستحبَّ العلماء أن يكون جُلّاً حسناً. وفيه أنَّ إظهار التقرُّب بالهدي أفضل من إخفائه، والمعروف أنَّ الإخفاء في العمل الصَّالح غير الفرض أفضل من إظهاره.
          والجواب: أنَّ أعمال الحجِّ مبنيَّة على الظُّهور كالإحرام والطَّواف والوقوف، فكان الإشعار والتَّقليد كذلك فيُخَصُّ الحج من عموم الإخفاء، والله أعلم بحقيقة الحال.