نجاح القاري لصحيح البخاري

باب النحر في منحر النبي بمنى

          ░116▒ (بابُ النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ صلعم بِمِنًى) المَنْحر: _بفتح الميم والحاء المهملة وسكون النون بينهما_ الموضع الذي تُنْحرُ فيه الإبل.
          وقال ابن التِّين: منحر النَّبي صلعم هو عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، وأخرج الفاكهي عن ابن جريج، عن طاوس قال: ((كان منزلُ النَّبيِّ صلعم بمنى عن يسار المصلِّي)).
          وقال غير طاوس: وأَمَرَ بنسائه أن يَنْزِلن حيث الدَّارُ بمنى، وأمر الأنصار أن ينزلوا الشِّعب وراء الدَّار. انتهى. والشِّعب: هو عند الجمرة الأولى.
          قال ابن التِّين: وللنَّحر في منحر النَّبي صلعم فضيلة على غيره. اهـ، وذلك لما روى مسلم من حديث جابر ☺: أنَّ رسول الله صلعم قال: ((نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجَمْع كلها موقف)).
          وقال النَّووي: في هذه الألفاظ بيان رِفْق النَّبي صلعم بأمَّته وشفقته عليهم في تنبيههم على مصالح دينهم ودنياهم، فإنَّه صلعم ذكر لهم الأكمل / والجائز، فالأكمل موضع نحره ووقوفه، والجائز كل جزء من أجزاء منى للنَّحر، ومن أجزاء عرفات والمزدلفة للوقوف.
          وقال في «شرح المهذَّب»: قال الشَّافعي وأصحابنا: يجوز نحر الهدي ودماء الجُبْرَانات في جميع الحرم، لكن الأفضل في حقِّ الحاج النَّحر بمنى، وأفضل موضع في منى للنَّحر موضع نحر رسول الله صلعم وما قاربه، والأفضل في حقِّ المعتمر أن ينحر في المَرْوة؛ لأنَّها موضع تحليله كما أنَّ منى موضعُ تحليل الحاج.
          وحكى ابن بطَّال قولَ مالك في النَّحر بمنى للحاج، والنَّحر بمكَّة للمعتمر، وأطال في تقرير ذلك وترجيحه، ولا خلاف في الجواز، وإن اختلف في الأفضل، وقوله: (فانحروا في رحالكم)؛ أي: في منازلكم.
          قال أهل اللُّغة: رَحْلُ الرَّجل منزلُه سواء كان من حَجَر أو مَدَر أو شَعر أو وَبَر. ومعنى الحديث منى كلها يجوز النَّحر فيها فلا تتكلَّفوا النَّحر في موضع نحري، بل يجوز لكم النَّحر في منازلكم من منى.
          هذا، وقال الحافظ العسقلاني: وظاهر الحديث أنَّ نحره صلعم بذلك المكان وقع عن اتِّفاق لا بشيء يتعلَّق بالنسك، ولكن ابن عمر ☻ كان شديد الاتباع فكان ينحر في مَنْحره صلعم ، كما في حديث الباب.