نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: كيف تهل الحائض والنفساء

          ░31▒ (بابٌ) بالتنوين (كَيْفَ تُهِلُّ) أي: تحرم (الحائِضُ والنُّفَساءُ) ولمَّا كان من عادة البخاريِّ أنَّه إذا رأى مادة من اللَّفظ تستعمل في معاني كثيرةٍ ممَّا جاء في الكتاب أو السُّنة يذكر ذلك ويُبيِّنه قال: (أهَلَّ تَكَلَّمَ بِهِ) يعني: إذا تكلَّم الرَّجل بشيءٍ يقال: أهلَّ فإنَّه إذا تكلَّم أظهر ما في قلبه (واسْتَهْلَلْنا وأهْلَلْنا الهِلالَ) يعني: طلبنا ظهوره.
          (كُلُّهُ مِنَ الظُّهُورِ) كما أشرنا إليه، ويقال: أُهلَّ الهلال واستُهلَّ على ما لم يسمَّ فاعله، ويقال أيضاً: استَهلَّ الهلال على صيغة المعلوم بمعنى تبيَّن ولا يقال: أهلَّ، ويقال: أهللناه عن ليلة كذا، ولا يقال: أهللنا فهل كما يقال: أدخلناه فدخل وهو قياسه.
          (واسْتَهَلَّ المَطَرُ: خَرَجَ منَ السَّحَابِ) أي: يقال: استهلَّ المطر، إذا ظهر نزوله من السَّحاب، ويقال: تهللَّ وجه الرَّجل من فرحه واستهلَّ إذا ظهر سروره، وتهلَّلت دموعه: إذا سالت، وانهلت السَّماء صبَّت، وانهلَّ المطر انهلالاً: إذا سال بشدَّة ({وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [النحل:115]) معناه: إذا نودي عليه بغير اسم الله، وأصله رفع صوت الذَّابح عند الذَّبح.
          (وهوَ) أي قوله: {وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} مأخوذٌ (مِنِ اسْتِهْلالِ الصَّبِيِّ) وهو: رفع صوته بالصِّياح: إذا خرج من بطن أمه، ومنه أيضاً أهلَّ المعتمر؛ أي: رفع صوته بالتَّلبية.
          قال العينيُّ: وكان محل قوله: كلُّه من الظُّهور، أن يُذكر بعد قوله: وهو من استهلال الصَّبي؛ لأنَّ جميع ما ذكره من المواد المذكورة ينبِّئ عن الظُّهور كما عرفت فذكره بعد قوله: وأهللنا الهلال في غير محلِّه، ثمَّ إنَّ ذلك ليس مخالفاً لما تقدَّم من أنَّ أصل الإهلال رفع الصَّوت؛ لأنَّ رفع الصَّوت بذكر الشَّيء عند ظهوره.