نجاح القاري لصحيح البخاري

باب فرض مواقيت الحج والعمرة

          ░5▒ (باب فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) المواقيت جمع: ميقات كمواعيد وميعاد، وأصله: موقات فأعلَّ على مقتضى القاعدة الصَّرفية من وقَتَّ الشيءَ يَقُتُّه، إذا بيَّن حدَّه، وكذا وقَّته يُوَقِّته ثمَّ اتُّسع فيه فأُطْلِقَ على المكان.
          وقال الكِرماني: وهو يطلق على الزَّمان والمكان، وهاهنا المراد المكان، والفرض هنا يجوز أن يكون بمعنى التقدير، وأن يكون بمعنى الواجب.
          وقال الحافظ العسقلاني: الظَّاهر أنَّه بمعنى الوجوب، وهو ظاهر نصِّ المصنِّف، واستدلَّ عليه بقوله في باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلُّوا قبل ذي الحليفة.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّ قوله: ولا يهلُّوا قبل ذي الحليفة، لا يدلُّ لهم على عدم جواز الإهلال من قبل ذي الحليفة؛ لاحتمال أن يكون معناه: ولا يستحبُّ لهم أن يهلُّوا قبل ذي الحليفة، ألا ترى أن َّالجمهور جوزوا التَّقديم على المواقيت، على أنَّ ابن المنذر نقل الإجماع على جواز التَّقديم عليها، ومذهب طائفة من الحنفيَّة والشَّافعية الأفضل التَّقديم، والمنقول عن مالك من الكراهة لا يدلُّ على أنَّه يرى عدم الجواز. وكذلك المنقول عن عثمان ☺ أنَّه كره أن يُحرم من خراسان.
          فإن قيل: نقل عن إسحاق وداود عدم الجواز فكيف الإجماع.
          فالجواب: أنَّ مخالفتهما للجمهور لا تعتبر، ولئن سلَّمنا ذلك فمن أين علم أنَّ البخاري معهما في ذلك، لا يقال: تنصيصه في التَّرجمة على لفظ الفرض يدلُّ على أنَّه يرى ذلك؛ لأنَّا نقول: لا نسلِّم ذلك لاحتمال أن يكون أراد بالفرض معنى التَّقدير، بل الرَّاجح هذا؛ لأنَّه وقع في بعض النُّسخ: <باب فضل مواقيت الحجِّ والعمرة>.
          وقال الحافظ العسقلاني أيضاً: ويؤيِّده القياس على الميقات الزَّماني، فقد أجمعوا على أنَّه لا يجوز التَّقديم عليه.
          وتعقَّبه العيني بقوله: لا نسلِّم صحَّة هذا القياس؛ لوجود الفارق، وهو أنَّ الميقات الزَّماني منصوص عليه في القرآن بخلاف الميقات المكاني، / والله أعلم.