نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما جاء في زمزم

          ░76▒ (بابُ مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ) من الآثار والأحاديث، قال الحافظ العسقلاني: كأنَّه لم يثبت عنده في فضلها حديث على شرطه صريحاً.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّ حديث الباب يدل على فضلها؛ لأنَّ فيه: ((ففرج صدري ثمَّ غسله بماء زمزم))، وهذا يدلُّ قطعاً على فضلها، حيث اختصَّ غسل صدره صلعم بماء زمزم دون غيره، وذلك لأنَّها ركضة جبريل ◙ وسقيا إسماعيل ◙.
          وفي «معجم ما استعجم»: هي بفتح الأوَّل وسكون الثَّاني وفتح الثَّالث، ويقال: بضم الأوَّل وفتح الثَّاني وكسر الثَّالث، ويقال: بضم أوَّله وفتح ثانيه وتشديده / وكسر ثالثه، ويُسَمَّى ركضة جبريل، وهمزة جبريل، وهزمة جبريل، بتقديم الزاي، وهزمة الملك، وتسمى الشِّياعة: وهي بئر المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة قريب من أربعين ذراعاً، وسمِّيت بزمزم؛ لكثرة مائها، يقال: ماءٌ زمزمٌ إذا كان كثيراً، وقيل: لضم هاجر لمائها حين انفجرت وزمِّها إيَّاها، وقيل: لزمزمة جبريل وكلامه، وسيجيء في كتاب الأنبياء ‰ [خ¦3364] أنَّ الملك بَحَثَ موضعَ زمزم بعقبه؛ أي: بجناحه حتَّى ظهر الماء.
          وقال الكلبي: إنَّما سميت زمزم؛ لأنَّ بابل بن ساسان حيث سافر إلى اليمن دفن سيوفَ قلعتِه وحليَّ الزّمَازِمة في موضع بئر زمزم، فلمَّا احتفرها عبد المطَّلب أصاب السُّيوف والحليَّ فيه فسمِّيت زمزم.
          وقال ابن عبَّاس ☻ : سمِّيت زمزم؛ لأنَّها زمَّت بالتَّراب؛ لئلا يأخذ الماء يميناً وشمالاً، ولو تُرِكَتْ لساحَتْ على وجه الأرض حتَّى ملأ كلَّ شيء. وقال الحربي: سمِّيت بزمزمة الماء وهي حركته.
          وقال أبو عبيد: قال بعضهم: إنَّها مشتقَّة من قولهم: ماء زَمْزُوْم وزمزام؛ أي: كثير. وفي «الموعب»: ماءٌ زمزمٌ وزمازم، وهو الكثير.
          وعن ابن هشام: الزَّمزمة عند العرب الكثرة والاجتماع، وعن ابن هشام: قال أبو زيد: الزَّمزمة من النَّاس خمسون ونحوهم، وعن مجاهد: إنَّما سمِّيت زمزم؛ لأنَّها مشتقَّة من الهزمة، والهزمة الغمز بالعقب في الأرض، أخرجه الفاكهي بإسنادٍ صحيحٍ عنه.
          ومن فضائلها ما رواه مسلم: شرب أبو ذرٍّ ☺ منها ثلاثين يوماً وليس له طعامٌ غيرها، وأنَّه سمن فأخبر النَّبي صلعم بذلك فقال: ((إنَّها مباركة إنَّها طعام طُعْم))، وزاد أبو داود الطَّيالسي في «مسنده» من الوجه الذي أخرجه مسلم: ((وشفاء سُقم)).
          وروى الحاكم في «المستدرك» من حديث ابن عبَّاس ☻ مرفوعاً: ((ماء زمزم لما شرب له)) ورجاله ثقات إلَّا أنَّه اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصحُّ.
          وعن أمِّ أيمن قالت: ((ما رأيت رسول الله صلعم شكا جوعاً قط ولا عطشاً كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربةً، فربَّما عرضنا عليه الطَّعام فيقول: لا، أنا شبعان)) ذكره في «المصنَّف الكبير» في شرف المصطفى صلعم .
          وعن عقيل بن أبي طالب قال: كنَّا إذا أصبحنا وليس عندنا طعام قال لنا أبي: ائتوا زمزم، فنأتيها فنشرب منها فنجتزئ. وروى الدَّارقطني من حديث ابن عبَّاس ☻ مرفوعاً: ((وهي هزمة جبريل، وسقيا إسماعيل ♂)).
          وذكر الزَّمخشري في «ربيع الأبرار»: أنَّ جبريل ◙ أَنْبَط بئر زمزم مرَّتين مرةً لآدم ◙ حتَّى انقطعت زمن الطُّوفان، ومرة لإسماعيل ◙.
          وروى ابن ماجه بإسنادٍ جيِّدٍ أنَّ ابن عبَّاس ☻ قال لرجل: إذا شربت من زمزم / فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله ╡، فإن رسول الله صلعم قال: ((آيةُ ما بيننا وبين المنافقين أنَّهم لا يتضلَّعون من زمزم)).
          وروى الدَّارقطني: ((أنَّ عبد الله ☺ كان إذا شرب منها قال: اللَّهم إنِّي أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كلِّ داء)).
          وروى أحمد بإسنادٍ جيِّدٍ من حديث جابر ☺ في ذكر حجَّته صلعم ثمَّ عاد إلى الحجر، ثمَّ ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصبَّ على رأسه ثمَّ رجع فاستلم الرُّكن، الحديث.