-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
أبواب سترة المصلي
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب الجماعة والإمامة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
باب وجوب الحج وفضله
-
باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر}
-
باب الحج على الرحل
-
باب فضل الحج المبرور
-
باب فرض مواقيت الحج والعمرة
-
باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
-
باب مهل أهل مكة للحج والعمرة
-
باب ميقات أهل المدينة ولا يهلوا قبل ذى الحليفة
-
باب مهل أهل الشام
-
باب مهل أهل نجد
-
باب مهل من كان دون المواقيت
-
باب مهل أهل اليمن
-
باب: ذات عرق لأهل العراق
-
باب
-
باب خروج النبي على طريق الشجرة
-
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك
-
باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
-
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن
-
باب من أهل ملبدًا
-
باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
-
باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
-
باب الركوب والارتداف في الحج
-
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
-
باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح
-
باب رفع الصوت بالإهلال
-
باب التلبية
-
باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب
-
باب من أهل حين استوت به راحلته
-
باب الإهلال مستقبل القبلة
-
باب التلبية إذا انحدر في الوادي
-
باب: كيف تهل الحائض والنفساء
-
باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي
-
باب قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}
-
باب التمتع والإقران والإفراد بالحج
-
باب من لبى بالحج وسماه
-
باب التمتع
-
باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
-
باب الاغتسال عند دخول مكة
-
باب دخول مكة نهارًا أو ليلًا
-
باب: من أين يدخل مكة؟
-
باب: من أين يخرج من مكة؟
-
باب فضل مكة وبنيانها
-
باب فضل الحرم
-
باب توريث دور مكة وبيعها
-
باب نزول النبي مكة
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا}
-
باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}
-
باب كسوة الكعبة
-
باب هدم الكعبة
-
باب ما ذكر في الحجر الأسود
-
باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء
-
باب الصلاة في الكعبة
-
باب من لم يدخل الكعبة
-
باب من كبر في نواحي الكعبة
-
باب كيف كان بدء الرمل
-
باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا
-
باب الرمل في الحج والعمرة
-
باب استلام الركن بالمحجن
-
باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
-
باب تقبيل الحجر
-
باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه
-
باب التكبير عند الركن
-
باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته
-
باب طواف النساء مع الرجال
-
باب الكلام في الطواف
-
باب: إذا رأى سيرًا أو شيئًا يكره في الطواف قطعه
-
باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك
-
باب: إذا وقف في الطواف
-
باب: صلى النبي لسبوعه ركعتين
-
باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة
-
باب من صلى ركعتي الطواف خارجًا من المسجد
-
باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام
-
باب الطواف بعد الصبح والعصر
-
باب المريض يطوف راكبًا
-
باب سقاية الحاج
-
باب ما جاء في زمزم
-
باب طواف القارن
-
باب الطواف على وضوء
-
باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله
-
باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة
-
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.
-
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج
-
باب: أين يصلي الظهر يوم التروية؟
-
باب الصلاة بمنى.
-
باب صوم يوم عرفة
-
باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
-
باب التهجير بالرواح يوم عرفة
-
باب الوقوف على الدابة بعرفة
-
باب الجمع بين الصلاتين بعرفة
-
باب قصر الخطبة بعرفة
-
باب التعجيل إلى الموقف
-
باب الوقوف بعرفة
-
باب السير إذا دفع من عرفة
-
باب النزول بين عرفة وجمع
-
باب أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط
-
باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة
-
باب من جمع بينهما ولم يتطوع
-
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
-
باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون
-
باب من يصلي الفجر بجمع
-
باب: متى يدفع من جمع؟
-
باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة
-
باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
-
باب ركوب البدن
-
باب من ساق البدن معه
-
باب من اشترى الهدي من الطريق
-
باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم
-
باب فتل القلائد للبدن والبقر
-
باب إشعار البدن
-
باب من قلد القلائد بيده
-
باب تقليد الغنم
-
باب القلائد من العهن
-
باب تقليد النعل
-
باب الجلال للبدن
-
باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها
-
باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن
-
باب النحر في منحر النبي بمنى
-
باب من نحر بيده
-
باب نحر الإبل مقيدة
-
باب نحر البدن قائمة
-
باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا
-
باب يتصدق بجلود الهدي
-
باب: يتصدق بجلال البدن
-
باب: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت}
-
باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق
-
باب الذبح قبل الحلق
-
باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق
-
باب الحلق والتقصير عند الإحلال
-
باب تقصير المتمتع بعد العمرة
-
باب الزيارة يوم النحر
-
باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلًا
-
باب الفتيا على الدابة عند الجمرة
-
باب الخطبة أيام منى
-
باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟
-
باب رمي الجمار
-
باب رمي الجمار من بطن الوادي
-
باب رمي الجمار بسبع حصيات
-
باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره
-
باب: يكبر مع كل حصاة
-
باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف
-
باب: إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة
-
باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى
-
باب الدعاء عند الجمرتين
-
باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة
-
باب طواف الوداع
-
باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت
-
باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح
-
باب المحصب
-
باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة
-
باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة
-
باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية
-
باب الإدلاج من المحصب
-
باب وجوب الحج وفضله
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░42▒ (باب فَضْلِ مَكَّةَ) وشرفها وشرَّفنا الله تعالى برؤيتها مراراً (وَبُنْيَانِهَا) فإن قيل: ليس في أحاديث الباب ذِكْرُ بنيان مكَّة، فلِمَ لم يقتصر على قوله: فضل مكَّة؟
فالجواب: أنَّه لما كان بنيان الكعبة سبباً لبنيان مكَّة وعمارتها اكتفى به، واختُلِف في أوَّل من بنى الكعبة فقيل: أوَّل من بناها آدم ╕ ذكره ابن إسحاق، وقيل: أوَّل من بناها شيث ╕ وكانت قبل أن يبنيَها خيمةً من ياقوتةٍ حمراء يطوفُ بها آدم ╕ ويأنس بها؛ لأنَّها أنزلت إليه من الجنَّة.
وقيل: أوَّل من بناها الملائكة، وذلك لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} الآية [البقرة:30] خافوا وطافوا بالعرش سبعاً يسترضون الله ويتضرَّعون إليه، فأمرهم الله تعالى أن يبنوا البيت المعمور في السَّماء السَّابعة، وأن يجعلوا طوافهم له لكونه أهون من طواف العرش، ثمَّ أمرهم أن يبنوا في كلِّ سماءٍ بيتاً.
قال مجاهد: هي أربعة عشر بيتاً في كلِّ سماءٍ بيت، وفي كلِّ أرضٍ بيت بعضهنَّ مقابل بعض ذكره النَّووي في «الإيضاح».
وعن ليث بن معاذ قال: قال رسول الله صلعم : ((هذا رابع أربعة عشر بيتاً سبعةٌ منها في السَّماء إلى العرش، وسبعةٌ منها إلى تحت الأرض، وأعلاها البيت المعمور لكلِّ بيتٍ منها حرم كحرم هذا البيت، لو سقط منها بيتٌ لسقط بعضها على بعض، ولكلِّ بيتٍ من أهل السَّماء وأهل الأرض مَن يعمُره كما يعمر هذا البيت)) ذكره في «زبدة الأعمال».
وروي: أنَّ الملائكة حين أسست انشقَّت الأرض إلى منتهاها وقذفت حجارة أمثال الإبل، فتلك القواعد من البيت التي وضع عليها إبراهيم وإسماعيل ╨، فلمَّا جاء الطُّوفان رفعت وأودع الحجر الأسود بأبي قبيس.
وروى عبد الرَّزاق، عن ابن جريج، عن عطاء / وسعيد بن المسيَّب: أنَّ آدم ◙ بناه من خمسة أجبل من حراءَ وطور سيناء وطور زيتا وجبل لبنان والجودي، وهذا غريبٌ.
وروى البيهقيُّ في بناء الكعبة في «دلائل النُّبوة» من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ☺ مرفوعاً: ((بعث الله جبريل ◙ إلى آدم وحواء ♂ فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم ◙، ثمَّ أُمِر بالطَّواف به، وقيل له: أنت أوَّل النَّاس وهذا أوَّل بيت وضع للنَّاس)).
قال ابن كثيرٍ: إنَّه كما ترى من مفردات ابن لهيعة، وهو ضعيفٌ، والأشبه أن يكون هذا موقوفاً على عبد الله بن عمرو.
(وَقَوْلِهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفاً على قوله: فضل مكَّة؛ أي: وبيان قوله تعالى، وهذه أربع آياتٍ سيقت كلُّها في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذرٍّ: كلُّ الآية الأولى، ثمَّ قال: <إلى قوله: {التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}>، وفي رواية الباقين: بعض الآية الأولى، ثمَّ قالوا أيضاً: <إلى قوله: {التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}>.
({وَإِذْ جَعَلْنَا}) عطف على قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى} أي: واذكر إذ جعلنا ({الْبَيْتَ}) أي: الكعبة غلب عليها كالنَّجم للثُّريا ({مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة:125]) أي: مباءة ومرجعاً للحاجِّ والعمَّار يثوب إليه أعيان الزوَّار وأمثالهم؛ ينصرفون عنه، ثمَّ يثوبون إليه؛ لأنَّه قلَّ ما يفارق أحد البيت إلَّا وهو يرى أنَّه لم يقض منه وطراً، أو موضع ثواب يثابون بحجِّه واعتماره.
وقال الزَّمخشري: وقرئ: ▬مثابات↨؛ لأنَّه مثابة كلِّ أحدٍ، وقال ابن جرير: قال بعض نحاة البصرة: ألحقت الهاء في المثابة لمَّا كثر من يثوب إليه كما يقال: سيَّارة ونسَّابة.
وقال بعض نحاة الكوفة: بل المثاب والمثابة بمعنى واحدٍ، نظير المقام والمقامة، فالمقام بإرادة الموضع الذي يقام فيه، والمقامة لإرادة البقعة، وأنكر هؤلاء أن يكون المثابة كالسيَّارة والنَّسَّابة؛ وقالوا: إنَّما دخلت الهاء في السَّيارة والنسَّابة تشبيهاً لها بالدَّاهية، وقيل: هو مصدر وصف به الموضع.
وقال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي: حَدَّثنا عبد الله بن رجاء: أخبرنا إسرائيل، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس ☻ في قوله: {مَثَابَةً} قال: يثوبون إليه؛ أي: يرجعون.
وروي عن أبي العالية وسعيد بن جبيرٍ في رواية وعطاء والحسن وعطيَّة والرَّبيع بن أنس والضَّحاك نحو ذلك، وروى عبدُ بن حميد بإسنادٍ جيِّد، عن مجاهدٍ قال: يحجُّون ثمَّ يعودون، وقال سعيد بن جُبير في رواية أخرى وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ}؛ / أي: مجمعاً.
({وَأَمْناً}) أي: وموضع أمنٍ لا يُتَعرَّض لأهله كقوله تعالى: {حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} الآية [العنكبوت:67]، أو يأمنُ حاجُّه من عذاب الآخرة من حيث إنَّ الحجَّ يَجُبُّ ما قبله؛ أي: يقطع ويمحو ما وَجَب قبلَه من حقوق الله تعالى الغير المالية، وأمَّا حقوقه الماليَّة مثل كفَّارة وحقوق العباد فلا يجبُّها الحجُّ، أو لا يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه حتَّى يخرج، كما هو مذهب أبي حنيفة.
وقال الضَّحاك عن ابن عبَّاس ☻ : أي: آمناً للنَّاس، وقال الرَّبيع بن أنس عن أبي العالية: يعني: آمناً من العدوِّ وأن يُحْمَل فيه السِّلاح.
({وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}) قال الزَّمخشري: على إرادة القول؛ أي: وقلنا: اتَّخذوا منه موضع صلاة تصلُّون فيه، ويجوز أن يكون عطفاً على المقدَّر عاملاً لإذ، ويحتمل أن يكون اعتراضاً معطوفاً على مضمر تقديره: ثوبوا إليه، واتَّخذوا، على أنَّ الخطاب لأمِّة محمد صلعم ، وإنَّما اعتبر العطف لملاحظة حسن الالتئام فإنَّ الأمر بالاتِّخاذ إنَّما يناسب بعد الأمر بأن يثاب إليه، فافهم.
وهذا الأمر على الاستحباب دون الوجوب، وقرأ نافع وابن عامر: ((واتَّخَذوا)) على صيغة الماضي عطفاً على جعلنا؛ أي: واتَّخَذُوا؛ النَّاس مقامه الموسوم به، يعني: الكعبة قبلةً يصلُّون إليها.
واختلف المفسِّرون في المراد بالمقام فقيل: مقام إبراهيم: الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل ◙ تحت قدم إبراهيم ◙ حين غسلت رأسه، حكاه القرطبيُّ عن السَّدي وضعفه.
وحكاه الرَّازي في «تفسيره» عن الحسن البصري وقتادة والرَّبيع بن أنس، وقيل: وهو الأصحُّ، إنَّه الحَجَر الذي فيه أَثَرُ قَدَميه والموضع الذي كان فيه الحجر حين قام عليه، ودعا النَّاس إلى الحجِّ أو رفع بناء البيت، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيلُ ◙ الحجارةَ وهو موضعه اليوم.
روي أنَّه صلعم أَخَذَ بِيَدِ عمر ☺ فقال: ((هذا مقام إبراهيم)) فقال عمر ☺: أفلا نتَّخذه مصلَّى؟ فقال: ((لم أؤمر بذلك)) فلم تغب الشَّمس حتَّى أنزل الله ╡: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} الآية [البقرة:125].
وقيل: المراد به الأمر بركعتي الطَّواف؛ لما روى جابر ☺ أنَّه، صلعم ، لمَّا فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلَّى خلفه ركعتين، وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وتلك الشَّفع واجبةٌ عندنا كما في «المحيط» وغيره، لكن في «النظم والنتف» إنَّها سنَّة.
وللشَّافعي في وجوبها قولان، وعن ابن عبَّاس ☻ : «مقام إبراهيم: الحرم كله» أخرجه ابن أبي حاتم وكذا روي عن النَّخعي، وعنه أيضاً: أنَّه مواقف الحجِّ كلُّها، واتِّخاذها مصلَّى: أن يُدْعَى فيها ويُتَقَرَّب إلى الله تعالى، / وعن عطاء: مقام إبراهيم: عرفة وغيرها من المناسك، وفسَّره بأنَّه: التَّعريف وصلاتان بعرفة والمشعر ومنى ورمي الجمار والطَّواف والسَّعي بين الصَّفا والمروة.
قال العينيُّ: وقد كان المقام ملصقاً بجدار الكعبة قديماً، ومكانه اليوم معروفٌ إلى جانب الباب ممَّا يلي الحجر، وإنَّما أخَّره عن جدار الكعبة أميرُ المؤمنين عمر بن الخطَّاب ☺.
قال عبد الرَّزاق: عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: أوَّل من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر ☺.
({وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}) أي: أمرناهما ╨ ({أَنْ طَهِّرَا}) أي: بأن طهِّرا ({بَيْتِيَ} [البقرة:125]) ويجوز أن تكون مفسِّرة لتضمن العهد معنى القول، والمعنى: طهِّراه من الأوثان والأرجاس وما لا يليق به؛ أي: دوماً على تطهيره فهو أمرٌ بأن يبقياه على الطَّهارة لا أن يكون فيه نجاسة فيزيلاها، وهو كقوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} الآية [النساء:57] ؛ أي: مبقاة على الطَّهارة الأصليَّة، ويحتمل أن يكون معناه أخلصاه.
({لِلطَّائِفِينَ}) الذين يطوفون بالبيت من الغرباء وغيرهم ({وَالْعَاكِفِينَ}) المقيمين عنده والمعتكفين فيه من أهل الحرم وغيرهم ({وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]) جمع الرَّاكع والسَّاجد أو السُّجود مصدر وفيه حذف؛ أي: الرُّكع ذوي السُّجود يريد المصلِّين، والصَّلاة تشتمل على أفعال أقربهما إلى الخشوع هذان.
وقال عطاء: إذا كان طائفاً فهو من الطَّائفين، وإذا كان جالساً فهو من العاكفين، وإذا كان مصلياً فهو من الرُّكَّع السُّجود؛ يعني: أنَّ العطف الواقع في الآية من قبيل عطف الصِّفات، والموصوف كلُّ من حضر المسجد الحرام سواءٌ كان آفاقيًّا أو من أهل الحرم، والجلوس في المسجد الحرام ناظراً إلى الكعبة من جملة العبادات الشَّريفة المرضيَّة؛ بدليل ما روي عن ابن عبَّاس ☻ أنَّه قال: قال رسول الله صلعم : ((إنَّ لله ╡ في كلِّ يوم وليلة عشرين ومائة رحمةٍ تنزل على هذا البيت؛ ستُّون للطَّائفين، وأربعون للمصلِّين، وعشرون للنَّاظرين)).
({وَ}) اذكر ({إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا}) أي: هذا البلد أو المكان أو الحرم ({بَلَداً آمِناً} [البقرة:126]) أي: ذا أمنٍ كقوله: {عيشةٍ راضيةٍ} [الحاقة:21] أو آمناً من فيه؛ غريباً كان أو من أهله كقولك: ليلٌ نائمٌ، والبلد: الأثر في الجلد وغيره، وإنَّما سمَّي البلد بلداً لما فيه من الآثار.
وفي «خلاصة / البيان»: البلد ينطلق على كلِّ موضعٍ من الأرض عامر مسكون أو خال، والبلد في هذه الآية مكَّة، وقد صارت مكَّة حراماً بسؤال إبراهيم ◙ وقبله كانت حلالاً، وقيل: أنَّها كانت حراماً (1) قبل ذلك أيضاً بدليل قوله صلعم : ((إنَّ هذا البلد حرامٌ يوم خلق الله السَّماوات والأرض)).
ولا يعارضه حديث: ((إنَّ إبراهيم ◙ حرَّم مكَّة))؛ لأنَّ معناه: أنَّ إبراهيم ◙ أعلم النَّاس بذلك.
({وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}) جمع: ثمرة، وهي ما يخرج من الأراضي والأشجار، فهو سؤالٌ للطَّعام والفواكه، وذلك لأنَّه أسكن من ذريته بوادٍ غير ذي زرعٍ ولا ضرعٍ، وإنَّما قال: أهله ولم يقل: أهلي تعميماً للدُّعاء، كما هو اللائق بشأن الأنبياء، فاستجابَ الله تعالى دعاءه في المسألتين.
قال المفسِّرون: إنَّ الله تعالى بعث جبريل ◙ حين اقتلع الطَّائف من موضع الأردن، ثمَّ طاف بما حول البيت فسمِّيت الطَّائف.
({مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}) أبدل من أهله بدل البعض للتَّخصيص ({قَالَ وَمَنْ كَفَرَ} [البقرة:126]) عطف على: من آمن، عطف تلقين، والمعنى: وارزق من كفر، كذا قيل.
وقال المحقِّق التَّفتازاني: هذا ناشئٌ من عدم التَّدبر والتَّعمق، والذي يقتضيه النَّظر الصَّائب أن يكون هذا عطفاً على محذوف؛ أي: ارزق من آمن، ومن كفر، بلفظ الخبر، فعلى هذا يكون قوله: ({فَأُمَتِّعُه}[البقرة:126]) معطوفاً على ذلك المحذوف لاتِّفاقهما في الخبريَّة، وأمَّا إذا كان عطف التَّلقين فلا يصحُّ عطفه على لفظ الفعل المقدَّر؛ لأنَّه أمرٌ فلا يعطف عليه الخبر بل يكون معطوفاً عليه من حيث المعنى، فإنَّ المعنى وارزق من كفر بلفظ المتكلِّم، ونظيره عطفُ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا} بلفظ الأمر على معنى قوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً}[البقرة:125]: أي: ثوبوا واتَّخذوا، كما تقدَّم.
قاس إبراهيم ╕ الرِّزق على الإمامة فإنَّه قد سأل الإمامة لذرِّيته فلم يستجب له في الظَّالمين فخشي ◙ أن يكون أمر الرِّزق هكذا، فسأل الرِّزق للمؤمنين خاصَّة، فنبَّه سبحانه وتعالى على أنَّ الرِّزق رحمةٌ دنيويةٌ تعمُّ المؤمن والكافر؛ لأنَّ الكافر عبدُه وإن كان كافراً، فلا ينبغي لشأنه أن يقطع رزقه عنه؛ بخلاف الإمامة والتَّقدم في الدِّين فإنَّه فضلٌ يؤتيه / من يشاء ممَّن كان أهلاً له في علمه تعالى.
({قَلِيلاً}) أي تمتيعاً قليلاً، أو زماناً قليلاً ({ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ})أي: ألزه وألصقه إليها لزَّ المضطرِّ الذي لا يملك الامتناع ممَّا اضطرَّ إليه، فيكون ذلك التَّمتيع للكافر استدراجاً وإلزاماً للحجَّة.
ويجوز أن يكون قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ} مبتدأ متضمِّناً لمعنى الشَّرط، وقوله: {فَأُمَتِّعُهُ} خبره، والكفر، وإن لم يكن سبباً للتَّمتيع، لكنَّه سببٌ لتقليله بأن يجعله مقصوراً بحظوظ الدُّنيا غير متوسِّل به إلى نيل الثَّواب، ولذلك عطف عليه قوله: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} أو خبره محذوف تقديره: فلا أُهلِكه، فالفاء في قوله تعالى: {فَأُمَتِّعُهُ} فصيحة ({وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة:126]) والمخصوص بالذَّم محذوف وهو العذاب، أو مصيرهم ({وَإِذْ}) أي: واذكر إذ ({يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ} [البقرة:127]) حكاية حال ماضية والقواعد جمع قاعدة، وهي الأساس والأصل لما فوقه؛ صفة غالبة من القعود بمعنى الثَّبات، وعبَّر عنه بلفظ الجمع باعتبار أجزائه.
({مِنَ الْبَيْتِ}) أي: الكعبة ورفع القواعد هو البناء عليها، فإنَّه ينقلها من هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع.
ويحتمل أن يرادَ بها سافات البناء، فإنَّ كلَّ ساف قاعدة ما يوضع فوقه، ورفعُها بناؤها، وقيل: المراد رفع مكانته وإظهار شرفه بتعظيمه ودعاء النَّاس إلى حجِّه، وفي إبهام القواعد ثمَّ تبيينها بقوله: {مِنَ الْبَيْتِ} تفخيم لشأنها.
({وَإِسْمَاعِيلُ}) كان يناوله الحجارة، كما روي أنَّ إبراهيم ◙ كان يبني، وإسماعيل ◙ يعينه، والملائكة يناقلون الحجر من إسماعيل ◙، وكانوا ينقلون الحجر من خمسة أجبل طور سَينا وطور زيتا وجودي ولبنان وحراء، ولكنَّه لما كان له مدخلٌ في البناء عطف عليه، وقيل: كانا يبنيان في طرفين أو على التَّناوب.
({رَبَّنَا}) أي: يقولان: ربَّنا، وقد قرئ به والجملة حاليَّة ({تَقَبَّلْ مِنَّا}) أي: هذا العمل الذي قصدنا به رضاك أو جميع أعمالنا ({إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ}) لدعائنا ({الْعَلِيمُ} [البقرة:127]) بنيَّاتنا، روي: أنَّ جبريل ◙ قال لإبراهيم ◙: قد أجيب لك فاسألا شيئاً آخر فقالا: ({رَبَّنَا} [البقرة:128]) وتكرار ربَّنا للاستلذاذ بذكره والخضوع لربوبيَّته ({وَاجْعَلْنَا}) عطفٌ على الدَّعوة السَّابقة ({مُسْلِمَيْنِ لَكَ}) أي: مخلصين لك، من أسلم وجهه، أو مستسلمين منقادين؛ من أسلم بمعنى: استسلم وانقاد.
والمراد طلب الزِّيادة في الإخلاص والانقياد أو الثَّبات عليه، وقرئ: ▬مسلمِين↨ بلفظ الجمع على أنَّ المراد أنفسهما وهاجر، أو أنَّ التثنية / من مراتب الجمع.
({وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}) أي: واجعل بعض ذرِّيتنا من يخلص لك ويثبت على الإسلام، وإنَّما خصَّ الذِّرية بالدُّعاء؛ لأنَّهم أحقُّ بالشَّفقة، ولأنَّهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع، وخصَّا بعضَهم لما عَلِمَا أنَّ في ذرِّيتهما ظَلَمَةً لما قال تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124] وعَلِمَا أنَّ الحكمة الإلهيَّة لا تقتضي الاتِّفاق على الإخلاص والإقبال الكليِّ على الله تعالى، فإنَّه ممَّا يشوش المعاش، ولذلك قيل: لولا الحمقى لخربت الدُّنيا، وقيل: أراد بالأمَّة: أمَّة محمد صلعم .
ويجوز أن تكون من للتَّبيين لقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ} الآية [النور:55]، قدَّم على المبين وفصل به بين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى: {خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} الآية [الطلاق:12].
({وَأَرِنَا}) من رأى بمعنى أبصر أو عرف، ولذلك لم يتجاوز مفعولين ({مَنَاسِكَنَا}) متعبَّداتنا في الحجِّ، والنُّسكُ في الأصل غاية العبادة، وشاع في الحجِّ؛ لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة أو مذابحنا، فإنَّ النُّسك خصَّ بالذَّبيحة وتعورف فيه حتَّى قيل: نسك فلان إذا ذبح.
قال عبد بن حميد: حدَّثنا يزيد بن هارون: حدَّثنا سليمان التَّيميِّ، عن أبي مجلز قال: فلمَّا فرغ إبراهيم ◙ من البيت أتاه جبريل فأراه الطَّواف بالبيت سبعاً قال: وأحسبه: وبين الصَّفا والمروة، ثمَّ أتى به عرفة فقال: أعرفت قال: نعم. قال: فمن ثمَّة سمَّيت عرفات ثمَّ أتى به جمعاً فقال: هاهنا يجمع النَّاس الصَّلاة ثمَّ أتى به منى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصياتٍ فقال: ارمه بها وكبَّر مع كلِّ حصاةٍ.
({وَتُبْ عَلَيْنَا}) استتابة لذرِّيتهما، أو المعنى: على من اتَّبعنا أو عمَّا فرط منهما سهواً، ولعلَّهما قالاه هضماً لأنفسهما وإرشاداً لذرِّيتهما، وإلَّا فهما معصومان، وقيل: المراد طلب الثَّبات على الإيمان، والتَّوبة مِنَّا رجوعٌ إلى الطَّاعة عن العصيان، ومِنَ الله تعالى رجوعٌ بالإحسان ({إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ}) المتجاوز عن الذُّنوب ({الرَّحِيمُ} [البقرة:128]) المتفضِّل لعبادك وإن كانوا عاصين، وهو الموفِّق والمعين.
[1] من قوله: ((بسؤال إبراهيم... إلى قوله: حراماً)): ليست في (خ).