نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}

          ░102▒ (باب) بالتَّنوين ({فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196]) أي: فمن استمتع وانتفعَ بالتَّقرُّب إلى الله تعالى بالعمرة قبل الانتفاع بتقرُّبه بالحجِّ في أشهره ({فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}) أي: فعليه دمٌ استيسره بسبب التَّمتُّع، وذلك دم نسكٍ عند أبي حنيفة، فهو كالأضحية يأكل منه، ودمُ جَبْر أنْ يَذْبَحه إذا أَحْرَمَ بالحجِّ ولا يأكل منه عند الشَّافعي.
          ({فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}) الهدي ({فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}) أي: في أشهره بين الإحرامين، ولا يجوز يوم النَّحر وأيَّام التَّشريق عند الأكثر، والأحبُّ أن يصوم سابع ذي الحجَّة، وثامنه، وتاسعه، وهذا مذهب أبي حنيفة، وفي أيَّام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التَّحلل، وهذا مذهب الشَّافعي.
          ({وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}) إلى أهليكم، وهو أحد قولي الشَّافعي أو نفرتم وفرغتم من أعمال الحجِّ، وهو قوله الثَّاني، ومذهب أبي حنيفة ({تِلْكَ عَشَرَةٌ}) فذلك الحساب وفائدتها: أن لا يتوهَّم أنَّ الواو بمعنى أو، كقولك: جالس الحسن وابن سيرين، وأن يعلم العدد جملة كما عُلِمَ تفصيلاً، فإنَّ أكثر العَرَب لم يحسنوا الحساب، وأنَّ المراد بالسَّبعة العدد دون الكثرة فإنَّه يطلق لهما.
          ({كَامِلَةٌ}) صفة مؤكِّدة، تفيد المبالغة في محافظة العدد، أو مبيِّنة كمال العشرة، فإنَّه أوَّل عدد كامل؛ إذ به تنتهي الآحاد وتتمُّ مراتبها، أو مقيِّدة تفيد كمال بدليتها عن الهدي.
          ({ذَلِكَ}) إشارة إلى الحكم المذكور الَّذي هو وجوب الهدي أو الصِّيام، فلا يجب على حاضريه شيءٌ عند الشَّافعيَّة، أو إلى التَّمتُّع؛ إذ لا مُتعة ولا قِران لحاضري المسجد الحرام عند أبي حنيفة ☼ ، فمن فعل ذلك منهم فعليه دم جنابة لا يأكل منه.
          ({لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}) وهو من مسكنه وراء الميقات عند أبي حنيفة، ومن كان في الحرم على مسافة القصر عند الشَّافعيِّ، فإن كان على أقل فهو مقيم الحرم عنده، وأهل الحلِّ عند طاوس، وغير المكِّي عند مالك.
          وفي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت: <{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} إلى قوله: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:196] > فأسقطا بقيَّة الآية، وتتمَّة الآية {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي: في المحافظة على أوامره ونواهيه وخصوصاً في الحجِّ / {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:196] لمن لم يتقَّه، كي يصدَّكم العلم به عن العصيان.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: وغرض المصنِّف بذلك تفسير الهدي، وذلك أنَّه لمَّا انتهى في صفة الحجِّ إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهَدي والنَّحر؛ لأنَّ ذلك يكون غالباً بمنى. انتهى.
          وقال العينيُّ: حصْرُه في هذا الغَرَض لا وجْهَ له، بل إنَّما ذكر هذه الآية الكريمة لاشتمالها على مسائل منها حكم الهدي والمتعة، وذَكَرَ في الباب حُكْمَهما فقط اكتفاءً بما ذَكَر غيرهما من الأحكام في الأبواب السَّابقة، فحكم التَّمتُّع بالعمرة إلى الحجِّ ذُكِرَ في باب التَّمتُّع والقران، وباب التَّمتُّع على عهد النَّبيِّ صلعم ، وحكم الهدي ذُكِرَ في حديث هذا الباب، وحُكْم الصَّوم ذُكِر في باب قول الله تعالى {ذلك لِمَنْ لم يكن أهلُه حَاضِرِي المَسْجدِ الحرام} [البقرة:196].